بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا
وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم

ولله در الهدآية !
تلك الوسيلة التي تزيل مشاعر
الضغينةَ والشحناءِ بين البشر
وتدخلُ البهجة والسرور في علاقتهَم معَ البعْض
لترسمُ معالمَ
المحبة في الله على الوجوهِ
ف تعيدُ أشعال فتيل الخيرِ
والسلام بعد أن أنطفئ ضوئه
لبرهة ٍمن الزمن
ولله در الهدآية !

قال حبيب الله المصطفى
الهادي الأمين صلوات الرحمن عليه
وسلامه إلى يوم يبعثون
( تهادوا تحابوا )
أي بمعنى تبادلوا الهدايا بينكم لِتتأصلَ
جذورَ الحُبِ بداخلكم
وتُكبر

أحبتي في الله

و ما أدراكُم ما أثرُ الهدية
ووقعها في النفسُ التي تقتاتُ على فتاتِ
وَصلِكُم
ل يستكين َبِها نبضْ
,
أنها بريد إلى القلب وشعارُ التقدير والاحترام بينكم
لذلك
كان لها نصيب من تكريم نبينا صلوات الله عليه
ف بها تطيبُ القلوب وتذهبُ رياحِ الحقد أدراجِها
وتُنطفئ جمرة ُ الخصومة وَتُزهرُ القلوبْ
و لله دُر الهدآية !

أنها سلاح لمن قدرها وأعطاها جلَ حقها
ف تأملوا معي ما كانتْ
فاعلةٌ الملكة بلقيس
عندما كانت تبعثُ بالهدايا
لاستقطاب أعظمٌ ملوك الدنيا آنذاك
وكيف استغلت أثرُها في تغيير النفوس
كما ذُكرَ في محكم قولِ كتابه الكريم
( وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَا يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) [النمل – 35].

قال قتادة: " يرحمه الله !
أن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها؛ قد علمت أن الهدية تقع بموقع كبير في نفوس الناس !
".. ولهذا أُثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الهدية تأخذ بالسمع والبصر والقلب "
( ابن أبي الدنيا: مكارم الأخلاق 110)...
وقال: " تَهَادَواْ تَحَابُّوْا نِعْمَ مِفْتَاحُ الحَاجَةِ الهَديةُ " (حسن)
وما أدراكُم ما الهدية
وما هي فاعلةٌ بالقلوب وكيف
تؤثر في تغيير النفوس وتُعيدَ ترميمَ علاقاتٍ
قد هُدمَ أساسُها ذاتَ يومْ
ولله درُ الهدآية !

دعوني أبحرُ بكم
إلى عالم الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم
و كيف عاشوا معاني وقيم الهدية في حياتهم اليومية

* وأقبل سعيد بن العاص يوما يمشي وحده في المسجد، فقام إليه رجل من قريش،
فمشى عن يمينه، فلما بلغا دار سعيد، التفت إليه سعيد؛ فقال: ما حاجتك
قال: لا حاجة لي؛ رأيتك تمشي وحدك فوصلتك.. فقال سعيد لجاريته:
ماذا لنا عندك ؟ قالت: ثلاثون ألفا.. قال ادفعيها إليه.
* كان شريح إذا أهديت له هدية لم يرد الطبق إلا وعليه شيء.
* وأهديت إلى إبراهيم بن أدهم هدية، فلم يكن عنده شيء يكافئه،
فنزع فروه؛ فجعله في الطبق وبعث به إليه!
وللهِ دُر الهدآية !

أحبتي في الله

إنّ أبسطُ الهدايا الكلمةُ الطيبة
فَ
إياكُم ثم إياكُم ثم إياكُم
ردُهَا أو استصغارها واحتقارها
مهما كان حجمها

ففي الصحيح (البخاري:2568) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ،
ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت ).
والكراع من الدابة ما دون الكعب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ( فتح الباري :5/236) :
وخص الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع
كانت أحب إليه من غيرها ، والكراع لا قيمة له أي شيء هيًن لا يُذكرْ .

لذلك
إذا لم تحبوها وضحوا أسباب رفضكم لها
بسماحةِ الخلق المُرفقِ بابتسامة جبرَ للخواطرِ
ولا تلتزموا الصمت
ففي الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة - رضي الله عنه –
أنه أهدى لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيًا، وهو بالأبواء أو بودان،
فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال: " أما إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ".
ولا ترجعوا في هبتكم
وشيء سيئ أن تهدون ثم تعودون في هديتكم
فأولى لكم أن لا تهدون أصلا
فهو أفضل من أن تهدون وترجعون في هديتكم
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(العائد في هبته كالكلب يرجع في قيئه ) . { البخاري:2589 ومسلم:
1622 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا } .
وإياكم أن تهدون ثم تمنون
على من أهديتم له ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم :
( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم
يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى) .
{البقرة:263،264} .
فلا تعطون الأعطيات وتهبون الهبات وتقدمون الصدقات ثم تتبعون ذلك
بالمن فالمن يبطل ثواب الصدقات وثواب الهدايا فضلا عما يدخر للمنان من العذاب .
* قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة
ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )
قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث مرات ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا ، من هم يارسول الله ؟
قال : ( المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) .
اخرجه مسلم :106 من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا.
ف للهدية عظيم الأثر في استجلاب المحبة وإثبات المودة وتأليف القلوب
وفيها إشعار بالتقدير والاحترام.

وختامُ عبقِ حرفِ

هنيئا لمن ظفر ب قلوبِ هؤلاء وأحتوى نبضهم بالهدية :

1- قال الله تعالى ( الأقربون أولى بالمعروف) أي الوالدين أعاننا اللهُ على برهم
والإحسان إليهم وغفر الله لهم ذنبهم
2- من يختلف معك في الفكر أو المذهب أهديهِ زهرةِ الوئام .
3- من يحرص على الإساءة إليك، أو التجريح فيك، أو النيل من عرضك
رُد عليهِ بأحسن منها.
4- من ترغب في هدايته إلى طريق الالتزام والتدين أهديهِ النصيحة.
5- من ترغب في ضمه إلى العمل الجماعي الخيري أو التطوعي أشر عليهِ بالبنان إلى طريق الخيرْ.

وهديتي لكم
دعوةٌ صادقة منَ القلب بظهرِ الغيب دائماً

:
:
:

ف اللهم أنزل السكينة والطمأنينة على قلوبنا
و أجعلنا من أولئكَ الذين إذا تهادوا تحابوا
وأحسن خاتمتنا بما تُحبُه َ وترضاه