04-07-2024, 04:20 PM | #1 |
|
المفترض أن كل الوزارات على قدم المساواة مع بعضها فهى كل متكامل والأصل فى الكل هى وزارة التعليم فهى من تخرج كل العاملين بكل الوزارات ومع هذا نجد فى بلاد المنطقة فيما يسمى العصر الحديث أنها الوزارة الوحيدة التى يتولاها بنسبة أكثر من 90% غير أهلها المفترض فى أى وزارة أن يتولاها المتخصص فيها والمقصود واحد من العاملين بها فلا ينفع أن يتولى وزارة الصحة مهندس أو سباك وإنما طبيب ولا ينفع أن يتولى وزارة الدفاع طبيب أو معلم أو طيار مدنى ... بالطبع الوزير لابد أن يكون من العاملين فى الوزارة حيث يعرف عنها ما لا يعرفه أى واحد من خارج أبنائها ولذا فسر البعض قوله سبحانه : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" أن أهل الذكر فى كل وزارة هم العاملين بها ومن أجل هذا قال القدماء فى أمثالهم : أهل مكة أدرى بشعابها وقالوا : أعطوا العيش لخبازه ولو كل نصه فى بلاد المنطقة خاصة مصر وزارة المعارف أو ديوان المدارس أو وزارة التربية والتعليم أو وزارة التعليم أعطيت الوزارة لغير أصحابها فمن بين 75 وزيرا للتعليم نجد أن من تولاها من أبناءها العاملين بها حوالى سبعة هم : حافظ حسن إسماعيل القبانى عباس عمار أحمد نجيب هاشم منصور حسين جمال العربى رضا حجازى والسبعة عملوا كمدرسين فى المدارس فى الوزارة وأما الثمانية والستين فمعظمهم خريجى مدرسة الحقوق أو كلية الحقوق سواء فى العصر الملكى أو الجمهورى ويأتى فى المرتبة الثانية رجال الجيش ويأتى فى المرتبة الثالثة المهندسون وفى المرتبة الرابعة أساتذة الجامعة من خريجى مدرسة المعلمين العليا أو كلية التربية وهؤلاء لم يشتغلوا بالتدريس فى المدارس وأخيرا تأتى وظائف طبيب وحوسبى وأحيانا بلا وظيفة حيث يقال عنه أحد السراة أى الأغنياء ويمكن أن نرجع أسباب عدم تولى المعلمين للوزارة إلى التالى : السبب الأول: الشائع عن معلمى المدارس وهم معلمو الأطفال أنه لا تجوز لهم شهادة عند بعض الفقهاء ومن ثم لا يمكن تكليف مجنون بوزارة مع أن هذا المجنون هو الذى يخرج كل الناس من أعلى وظيفة فى الدولة حتى أصغر وظيفة ويروى أن الجاحظ قال فى أحد كتبه: " كان القاضى ابن شبرمة لا يقبل شهادة المعلمين وكان بعض الفقهاء يقول: النساء أعدل شهادة من معلم" وفى كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى قيل أن لا أصل لهذا فى كتب الفقه وهو قول القائل: "سئل ابن حجر الهيتمي:رأيت منقولا عن " الخلاصة " ما لفظه: " ولا تقبل شهادة معلم الصبيان، فإن عقْل ثمانين معلماً لا يساوي عقل امرأة واحدة " فهل هذا النقل صحيح ثابت فيها أو لا؟ وكيف الحكم في هذه المسألة؟ فأجاب بقوله:قد فتشت على هذا المذكور عن " خلاصة " الغزالي فلم أره فيها، ولا أظنه في شيء من كتب أصحابنا؛ لأنه إلى السفساف أقرب، وكم من معلم صبيان رأيناه يُستسقى به الغيث لبلوغه في النزاهة والعفة والعدالة والصلاح الغاية القصوى، فإن صحت تلك المقالة بإطلاقها عن عالم تعين تأويلها على معلم ظهرت عليه أمارات الجهل أو الفسق أو الجنون كما هو كثير الآن فيمن يتعاطى هذه الحرفة التي هي أشرف الحرف بنصه صلى الله عليه وسلم , والله سبحانه وتعالى أعلم." الفتاوى الفقهية الكبرى " (٤ / ٣٥٨) ." ويروى فى ذلك حكاية مضحكة تظهر أن المعلم أعلى علما حتى من القضاة وهى : "قيل أن رجلاً شهد عند القاضى سوار بن عبد الله فسأل القاضى الرجل : ما صناعتك؟ .. فقال الرجل : معلم صبيان فقال القاضى: إنا لا نجيز شهادة مؤدب الصبيان فقال المعلم وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجراً فقال القاضى سوار: إنى أُكرهت على القضاء فأجابه المعلم: هب أنك أُكرهت على القضاء فهل أُكرهت على أخذ المال!؟ ... فسكت القاضى .. ثم قال: هات شهادتك وأجازها" السبب الثانى : النظام الحزبى المأخوذ عن الغرب حيث يتولى السياسيون كل الوزارات دون النظر إلى تخصصات عمل الوزارات وكان الغالب على النظام الحزبى المصرى فى العهد الملكى هو أن معظم السياسيين كانوا من خريجى مدرسة الحقوق ومن ثم تولوا الواحد منهم عدد من الوزارات المختلفة لا علاقة له بها ومن ثم تولى وزارة التعليم فى العهد الملكى وزراء معظمهم من خريجى مدرسة الحقوق مع بعض استثناءات وقبل قيام الأحزاب المصرية كان الغالب هو تولى قادة الجيش الوزارات لأنهم من قادوا الحراك السياسى قبل الاحتلال البريطانى ومن ثم وجدنا ضباط كمحمود سامى البارودى وعلى مبارك المهندس الحربى يتولون وزارة المعارف السبب الثالث : بعد المعلمين عن الانخراط فى العمل السياسى حزبى أو غير حزبى ومن ثم من يراجع أعداد المعلمين الذين انخرطوا فى العمل الحزبى وأصبحوا وزراء أو أعضاء فى المجالس النيابية سيجد أنهم لا يتعدون أصابع اليدين والقدمين وغالبهم دخل السياسة من عالم النقابات المهنية كمنصور حسين أو من عالم أخر كأن يكون من عائلة غنية معروفة مسبقا السبب الرابع : وجهة نظر القيادة السياسية والتى قللت من شأن التعليم وجعلته على هامش الحياة وما زال من خلال الميزانيات الضعيفة ومن خلال تقليل رواتب المعلمين عن الكثير من أهل الوظائف لأن القيادات السياسية منذ القديم ترى أن التعليم عبء على الدولة وأنها وزارة لا تنتج شىء ولا تدخل دخل للدولة وفى فترة من فترات حكم أسرة محمد على قفل عباس حلمى الكثير من المدارس التى بناها جده هل نجح المعلمون فى قيادة الوزارة ؟ المعلمون السبعة الذين تولوا وزارة التعليم هم كغيرهم سواء فى العهد الملكى أو العهد الجمهورى ليسوا سوى جزء من النظام السياسى الموجود ومن ثم لم يقدر أحد منهم على الافلات من النظام والقيام بالإصلاح الواجب رغم معرفتهم جميعا بما ينبغى عمله ومن ثم أقصى ما فعله أحدهم هو : تبنى مطالب المعلمين برفع رواتبهم أو زيادة مكافئات العمل ومن تجرأ وعمل شىء صغير للمعلمين أقيل من الوزارة بعدها بقليل لأنه خرج على النظام الذى هو واحد منه رغم أن ما قام به ليس شىء يذكر بالطبع من اشتهروا بتولى الوزارة كانت شهرتهم ليست بسبب عملهم فى التعليم فسعد زغلول شهرته كانت قادمة من ثورة 1919 وتولى قيادة الوفد المصرى فى مفاوضات الاستقلال ونفيه عدة مرات وعلى مبارك اشتهر ليس كوزير للمعارف وإنما مهندس ومخطط للمدن ومؤرخ وطه حسين اشتهر بسبب كونه أول طالب أزهرى يحصل على العالمية من فرنسا وبسبب معاركه التى يسمونها الأدبية خاصة معركة الشعر الجاهلى والتى دس فيها السم فى العسل طاعنا فى الإسلام حتى أن المناقشات فى الأزهر فى تلك الأيام تركزت على سحب شهادة العالمية الأزهرية منه وأما محمد حلمى مراد فكان محاميا وكاتبا شهيرا وسبب اقالته هو خلافه مع عبد الناصر من خلال مشاركته فيما يسمى ببيان 30 مارس عن وجوب الاصلاح السياسى فى مصر وهناك أحمد لطفى السيد أستاذ الفلسفة والملقب بأستاذ الجيل وشهرته فى العمل السياسى وكتابة الفلسفة طغت على توليه الوزارة ومع أن بعض من تولوا الوزارة كانوا لهم رؤية وخطط عمل إلا أن أيا منهم لم يقدر على تنفيذ رؤيته كما يراها فمثلا طه حسين صاحب مقولة : التعليم كالماء والهواء لم يقدر على تنفيذ رؤيته فى التعليم عندما تولى الوزارة فى العهد الملكى وهذه الرؤية كتبها فى مقالات وهى صادرة فى كتاب اسمه : مستقبل الثقافة فى مصر ومن تلك المقترحات : إلغاء تعليم اللغة الانجليزية فى المراحل الأولى من التعليم حيث قال : " أما نحن فجوابنا فى ذلك قاطع صريح وهو أن اللغة الأجنبية لا ينبغى أن تدرس فى هذا القسم من التعليم العام لا فى السنة الأولى ولا فى الثانية ولا فى الثالثة ولا فى الرابعة وإنما يجب أن يخلص هذا القسم من أقسام التعليم العام كما خلص التعليم الأولى للثقافة الوطنية الخالصة"ص151 إلغاء المدارس الأجنبية كما قال فى نفس الكتاب : "ويجب أن يفهم الأجانب والمصريون جميعا أن قيام المدارس الأجنبية فى أرض البلاد المستقلة مخالف لطبيعة السيادة الوطنية "ص59 توحيد التعليم بمعنى أن تكون المناهج المدرسة فى كل المدارس واحدة وفى هذا قال : "والدولة وحدها هى التى تستطيع أن تضع المناهج والبرامج لهذا التعليم وأن تقوم على تنفيذ هذه المناهج والبرامج وأن تلاحظ ذلك ملاحظة متصلة دقيقة حتى لا ينحرف التعليم عن الطريق التى رسمت له وحتى لا ينتهى إلى غرض مباين للغرض الذى أنشىء من أجله "ص54 واعترف طه حسين أن جهوده فى اصلاح التعليم باءت بالفشل حيث قال : "فهناك التعليم الرسمى المدنى الذى تنشئه الدولة وتقوم عليه وقد كان على الآن متواضعا هين الأمر يقصد به على أغراض متواضعة هينة وقد رسم الإنجليز له طريقة محدودة ضيقة فأفسدوه وأفسدوا نتائجه وآثاره أشد إفساد ونحن نبذل منذ أعوام جهودا مختلطة مضطربة لإصلاح ما أفسد الإنجليز فلا نكاد نوفق فى بعض الأمر حتى تعدو العاديات فتردنا إلى الإخفاق والخذلان "ص54 إذا ليس تقدم التعليم وإصلاحه يكون بسبب تعيين وزير من المعلمين أو حتى من غيرهم وإنما بتبنى النظام الحاكم اصلاح التعليم حقا وصدقا فالوزير ليس هو من يقرر سياسة الدولة وتجربة سنغافورة فى التعليم خير دليل فحاكم سنغافورة لى كوان يو الذى انسحب من التحالف الماليزى تبنى سياسية تعليمية جعلت التعليم السنغافورى هو الأول عالميا فالرجل جعل رواتب المعلمين هى أعلى الرواتب فى البلاد وأقام مدارس ومعاهد وكليات كثيرة جهزها بكل الأدوات اللازمة للتعليم وجعل عدد تلاميذ الفصل 15 تلميذ لكل معلم وهو ما أثمر ثمرته الاقتصادية فيما بعد فى قوة الاقتصاد السنغافورى الذى سبق فى تقدمه كل آسيا عدا اليابان وتايوان فرغم أن مساحة سنغافورة صغيرة إذا ما قيست بإحدى محافظات مصر إلا أن الصناعة السنغافورية فى مجالات كثيرة تقدمت وأصبحت المصدر الأكبر للدخل القومى بفضل نظام التعليم رغم قلة الموارد الموجودة فى الجزيرة بالطبع حكاية رفع المعلمين على كل رواتب الوظائف الأخرى هو ظلم أخر فحاجات الإنسان واحدة فى أى وظيفة ومن ثم العدل هو : تساوى الرواتب ولا تختلف إلا بسبب زيادة عدد الأفراد أسرة الموظف أو صاحب المعاش فما ينفقه خمسة لا يمكن أن يساوى ما ينفقه ثلاثة ..وهكذا والإصلاح يكون جماعيا بمعنى : أن النظام السياسى من الممكن أن يتبنى إصلاح التعليم ويقوم بالخطوات المناسبة ومع ذلك يفشل لأن الشعب نفسه ومن ضمنه المعلمين سيقف ضده وأسباب الفشل موجودة حاليا وأهمها إيمان الشعب بالدروس الخصوصية وتبنيهم دخول كليات القمة كثقافة ومن ثم الإصلاح وهو التغيير يأتى من الكل وليس من أعلى كما قال سبحانه : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" |
04-09-2024, 02:07 AM | #2 |
|
|
|
|