القصص والروايات يختص بالقصص والروايات الادبيه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-19-2020, 01:17 PM   #21

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

- إذن فأنتم تظنون أننا نحتاج إلى عون بضعة فرسان من ورق أمثالكم..
هل نسي زعيمكم الغبي نفسه؟
قلت له بلهجة قوية :
- اذهب من هنا أيها الصليبي القذر.. وكلمة أخرى عن إمامنا سأجعلك
تتجرع دماءك.
رمى الفارس عباءته بعيدًا وهجم عليَّ هجمة سريعة رفع فيها سيفه وصهل
فيها حصانه.. قفزت متخليًا عن حصاني إلى الوراء مبتعدًا عن سيفه اللامع ودرت
حول نفسي دورة رميت فيها عباءتي واستللت فيها خنجري الذي رميته بحركة
خاطفة لم يتوقعها ليستقر الخنجر في عنق حصانه الذي ارتفعت قوائمه في
ألم.
نزل الفارس عن حصانه في بساطة بارعة ووقف أمامي باستعداد.. هنا رأيت
وجهه لأول مرة.. كان أعورًا ذا ملامح قاسية كأنها الصخر.. قال بصوت مخيف :
- أخبر إخوانك في الجحيم الذي سأرسلك إليه أن الفارس "جاوتير
مايزنيل" هو الذي أرسلك أيها الحثالة.
وركض ناحيتي بجسده المفتول ورفع سيفه الغاضب للمرة الثانية.. أزحت جسدي
جانبًا بتوقيت مذهل لأبتعد عن ضربة سيفه وتدحرجت على الأرض بخفة أجيدها..
واستللت سيفي من حزامي.. ونظرت له بتحفُّز.. كان ينظر لي بسخرية لم
أفهمها في اللحظة الأولى.. لكني فهمتها لما رأيته ينظر ورائي.. نظرت ورائي
بسرعة.. كانت هناك عشرة عيونًا ساخرة تنظر لي وقد استل أصحابها سيوفهم
من جيوبهم.. لم تكن عيونًا ألشخاصٍ عاديين.. كانت عيونًا لفرسان آخرين.. من
فرسان الهيكل.
نظرت له مرة أخرى في غضبٍ.. لكنه لم يُمهلني.. كانت التفاتتي إلى الوراء
كافية لأن يقطع المسافة التي بيني وبينه.. واللحظة التي أعدت فيها نظري إليه

كانت كافية لأن يمسك بسيفه ويغرزه في صدري.. سقطت على ركبتي.. فرفع
حذاءه باحتقار ودفع السيف المغروز في صدري لينغرز أكثر ويخرج من ظهري.
إن اللحظة التي تدرك فيها أنك ستموت الآن هي لحظة مخيفة جدًا.. تتوقف فيها
عن رؤية أي شيء يدور حولك.. لأنها تكون مشغولة برؤية شيء آخر.. في
البداية تًعرض عليك حياتك كلها بكل ما فيها ومن فيها في عرض مدته بضع
ثوانٍ.. وبعد أن ينتهي العرض ويُسدَل الستار تبدأ في النظر حولك.. ثم تتحسس
موضع طعنتك.. ثم تشعر شعورًا عجيبًا.. تستجمع نفسك وتقرر أنك لن تموت..
لن تؤثر فيك كل هذه الدماء والآلام.. طالما أنك تتنفس فلن تموت.. لازلتُ راكعًا
على ركبتي.. كان الفرسان يتحدثون بصوت عالٍ ويضحكون.. رفعت رأسي
إليهم.. سأهزم الموت.. كل من ماتوا استسلموا له لكنني لن أفعل.
"فإن قتلتموه دخلتم الجنة.. وإن قُتلتم دخلتم الجنة أيضًا"
الجنة.. جنة الخلد.. القيان والغانيات والأنهار.. سأدخلها كما وعدني الإمام إذا
قتلوني.. وهنا شعرت بضيق شديد في نفسي.. وبقبضة في قلبي.. ثم سعلت
دمًا.. شهقت بكل ما أوتيت من عزم حتى أتنفس تنفُّسًا طبيعيًّا لكنني لم أقدر..
حاولت بكل عزم أن أطرد كل هذا الوهن عن جسدي لكني لم أقدر.. عرفت أنها
نهايتي.. سأموت.. سأنام على جنبي على هذه الأرض وأموت.
وفعلا رقدت على جنبي ونظرت إلى المشهد المقلوب أمامي.. أقدام جياد..
تراب.. حشرة ما تمشي على الأرض.. ستحتفظ كل هذه الأشياء بحياتها بينما
سأموت أنا.. سمعت صوت حوافر جياد فرسان الهيكل وهي تمشي مبتعدة
ببطءٍ.. نظرت ناحيتهم.. بدأ أهالي المنطقة يقتربون منِّي.. أخيرًا.. أتمنى أن
يُنقذني أحدهم.. اندفع بعضهم إليَّ وحاول أحدهم أن ينتزع السيف عن جسدي
ببطءٍ ونجح في ذلك.. ثم أراحونني على أياديهم.. رأيت الكل قد تحلقوا حولي..
نظرت لهم بعين زائغة.. نظرت إلى وجوههم العربية المشفقة على حالي..

كيف هو شعورك وأنت ترى مئة شخص ينظرون إليك بشفقة وأنت تموت.. لكن
من هذا الرجل هناك؟
من بين رؤوس الناس كنت أراه.. أسودا كان.. يمشي الهوينى ناظرًا إليَّ نظرة
جامدة.. تابعته ببصري حتى خرج عن مجال حركة عيني ورقبتي وصار ورائي..
كان الناس يمسكون برأسي من حينٍ لآخر يربتون عليها ويطمئنونني.. ثم وضعوا
رأسي على الأرض بهدوء حتى واجهت عيني السماء.. أرى رؤوسهم من من
زاوية سفلية.. ثم برزت رأسه فجأة وسطهم.. ذلك الأسود.
كنت مخدوعًا يعرف يقينًا أنه مخدوع.. لكنه يكابر.. كنت أعرف أن شيئًا ما خطأ..
الإمام الأعظم.. جنة الخلد.. قتل علماء المسلمين.. مهادنة الصليبيين.. عدم
الصلاة ولا الصوم ولا الحج لأننا وصلنا لمرحلة من القرب من الله أسقطت عنا كل
التكاليف.. يقنعنا أننا متنا ويدخلنا جنة الخلد ثم يعيدنا من الموت متى يحلو له
ويظن أننا نصدقه.. لا أنكر أنه اختلطت عليَّ الأمور أثناء وجودي في جنة الخلد
تلك.. لكن عقلي لم يكن في مكانه.. كنت أشعر دائمًا أنني سكران أو طائر فوق
الناس.. لقد أعطانا الإمام كل المتع والنساء وأسقط عنا كل الواجبات.. ياله من
دينٍ رائعٍ ذلك الذي يدعو إليه.. وافق دينه هوانا وإن لم تتقبله عقولنا لكن كنا
نرمي عقولنا وراء ظهورنا.
لن تكون لي جنة اليوم بل ستكون لي نارٌ يلفح لهيبها روحي.. يا إلهي إنما هي
ساعة.. لو تؤخرني إياها أعود فيها إلى رشدي.. بل وسأقتل فيها ذلك الإمام
بيدي.. ثم أظلمت الدنيا كلها ووجدتني كأن كياني كله يتحرك بسرعة غير
طبيعية.. ثم فطنت إلى أن هذا ليس ظلامًا لكنه شيء وكأنه نفق من الظلام
تتحرك روحي فيه.. ثم وجدتني فجأة أخرج من النفق إلى نور الأرض ثانية.. ونفس
المشهد تراه عيني من زاوية سفلية.. رؤوس تنظر إلي في قلة حيلة.
أي عجب هذا.. اعتدلت على جنبي هاربًا من الزاوية السفلية الغير مريحة للرؤية
والتي تظهر الناس كلهم وكأنهم عمالقة.. هكذا أفضل.. الناس لازالوا

يتحدثون بأسى وينظرون إليَّ أو إلى الأرض.. لكن أحدهم يقترب مني.. عجوز..
كان على وجهه شبح ابتسامة ساخرة.. ظلَّ يقترب حتى صار عند رأسي.. تحول
شبح الأبتسامة إلى ابتسامة ساخرة كاملة ظهرت فيها أسنانه القليلة..
وشعيرات ذقنه المعدودة الطويلة وانشقت عيناه كعيني ثعبان.. اتسعت عيناي
عن آخرهما.. ونظرت بعيدًا.. خفت النور في المكان كله وكأن سحابة سوداء
حجبت نور الشمس.. إنه الموت.. إنه الموت يا إلهي إنه الموت.
أخذت أتلوى على الأرض محاولًا إخفاء وجهي والناس من حولي يتبرعون بتعديل
وضعي ثانية ظنًا منهم أنهم يساعدونني بشكل ما..
(قل لا إله إلا الله)..
ظلَّ شيء ضخم مرَّ على عيني فنظرت في كل مكان بذعر ولم أجده..
(أيها الفارس قل لا إله إلا الله). .
وجه العجوز الثعبان يبدو لي بين وجوه الناس وكأنه الوحيد المسلَّط عليه الضوء..
ويُخرج لي لسانه المشقوق.. من هذا ياربي هل هو ملك الموت؟ يارب أرجوك
أعدني.. لا تفعل بي هذا. .
حاولت أن أُخرِج صرخة بكل قوتي لكنها خرجت سعالًا. . فلينقذني أحدكم.. أو
ليقتلني أحدكم.. لا أريد أن أرى ما أنا مقبل على أن أراه.. فليفقأ أحدكم عيني..
فلتقرأوا عليَّ قرآنا ربما يشفع لي.. افعلوا أي شيء. .
بدأت عضلات معينة في جسدي تتشنج لتجبرني على اتخاذ وضع معين.. انضمت
ساقاي على بعضها وتقوس ظهري قليلًا وتشنجت رقبتي إلى اليسار.. شعرت
باختناق داخلي لا علاقة له برقبتي.. اختناق في الصدر.. بدأت أسمع دقات قلبي
بوضوح.. ثم رأيته.. بل رأيتهم.

كانوا ثلاثة.. أحدهم هو ذلك الأسود الذي رأيته يمر بين الناس.. والأثنان الباقيان
أحدهما أسود كأخوه والآخر يختلف عنهما في كل شيء.. كنت أرى ملائكة..
ملائكة حقيقيين.. ليسوا كالملائكة البشريين الذين رأيتهم في جنة "الحسن
الصباح".. يالهذا الأسم القميء.. كم أكرهه.
إن ما حدث بعد ذلك لهو مما لا يُحكَى ولا يُقَال.. اقتٌلعت روحي منِّي كأنما تقتلع
سفودا مسننا من صوف مبلول.. يشدها ثلاثتهم بأيادٍ غليظة شديدة.. ووَجدتُ
من روحي رائحة منتنة كأنها القبر.. يا إلهي هل أنا بهذا السوء.. إن الألم الذي
شعرت به لم يكن يراه أحد.. فقط وجدوا من وريدي انقطاعًا عن النبض ومن
عيني انقطاعًا عن الحياة.. لم يرَ أحدهم شيئًا.. ورأيتُ روحي وهي تخرج من
جسدي المحاط بالناس.. تخرج وترفعها الملائكة ويضعونها في خرقة سيئة..
ثم رأيتني أرتفع بسرعة حتى اختفى كل أثر لكل موجود من موجودات الأرض..
وحلت محلَّها موجودات أخرى لم ترها عين بشر من قبل.. موجودات لا ينبغي أن
يعرفها بشر.. إلا إذا ماتوا.
تـمَّت
****





  رد مع اقتباس
قديم 12-19-2020, 06:25 PM   #22

افتراضي

إبداع في الطرح وروعة في الإنتقاء
ربي يعطيك العافيه
لا حرمنا الله منك ولا من عطائك
منتظرين القادم بكل شوق
أكاليل الزهر أنثرها في صفحتك





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 12:15 PM   #23

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

هلا وغلا ابو خالد لاعدمنا هالطلة
كل التقدير والاحترام لشخصك الكريم


مركز الخليج





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 12:29 PM   #24

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

لقد بدأت الساعات الباقية لي في هذا العالم تقل.. وبدأت دقات الساعة تقول لي
كلامًا مخيفًا.. لكن البأس.. لازال أمامنا وقت كافٍ.. لقد كانت تلك المواجهة من
المواجهات النادرة التي ذكرتها كتب التاريخ بين أخطر نوعين من أنواع الفرسان..
فرسان الهيكل.. وفرقة الحشاشين أخطر فرق الشيعة على اإلطالق.. الفرقة
التي اتخذت من قلعة "ألاموت" مقرًا رئيسيًّا لها.. باإلضافة لسبعين قلعة أخرى
في فارس والعراق والشام.
فقط لو كنت تعيش أيامها ونظرت إلى قلعة "ألاموت" من أي زاوية تشاء..
فسترى منظرًا أسطوريًا.. كانت القلعة تبدو وكأنها مأوى الجن.. فهي قلعة
على ارتفاع ستة آلاف قدم تحيط بها الغيوم التي تتداخل مع أبراجها.. بلغ من
ارتفاعها أنه يستحيل أن تصل إليها قذيفة منجنيق.. ويستحيل أن يزحف إليها
جيش من الجنود إلا أن يصعدوا إليها في ممرات جبلية ضيقة جدًّا تَضطرهم
للصعود رجلًا وراء رجل.. قلعة كبيرة لا يذهب ظنك أنها مكونة من مبنى واحد..
بل هي مكونة من عشرات المباني.. قلعة كان "الحسن الصباح" مؤسس
الحشاشين يتخذها سكنًا له.. قلعة صمِّمَت بداخلها جنة غناء يُدخل فيها أتباعه.
لم يغادر "الحسن الصباح" هذه القلعة في حياته أبدًا منذ أن استولى عليها أول
مرة.. ولم يُر خارجًا منها حتى إلى الجبال التي حولها.. كان يقضي معظم وقته
في التخطيط بالداخل.. وفي الدراسة والتجارب على النباتات التي كان خبيرًا بها
وبأنواعها السام منها والمخدر.. وقد ابتكر خلطة مخدرة خاصة جدًّا كان
يمزجها بالخمر بكميات مدروسة ويعطيها ألتباعه يشربونها فتغيب منها
عقولهم فيسيرهم كيف يشاء.
وبلغ من قوته أنه كانت هناك نقود خاصة مطبوع عليها اسم قلعة "أالموت"..
أي أنه كون مجتمعًا مستقلًا.. كانت معتقداته شديدة الإحراف.. وأولها عقيدة
القتل باسم الدين.. وهي عقيدة خاطئة بالطبع.. فالقتل دفاعًا عن الدين هو أشرف
شيء وأغلى شيء ولكن الاغتيال باسم الدين هو جريمة.

استخدم الحشاشون طريقة الاغتيالات بدلًا من طريقة الحروب.. وقد حاولوا
اغتيال "صالح الدين" ثلاث مرات باءت كلها بالفشل.. وقد انتهى عهدهم لما
نزل المغول من الشرق نزول الأكلة المفترسين الذين أبادوا كل شيء في
طريقهم.. أبادوا فرقة الحشاشين عن بكرة أبيهم.. ومن تبقى منهم بعد ذلك
اقتلعه "الظاهر بيبرس" اقتلاعًا.
ولعلك قد سمعت بلعبة الفيديو الشهيرة Creed Assassins ..أو عقيدة
الحشاشين.. وهي مقتبسة من فرقة الحشاشين الحقيقية بأزيائهم وأسلحتهم
ومهاراتهم وشرورهم.
أعرف أن الحديث عن العقائد المنحرفة يورث السم في البدن.. ولقد انتهت بهذه
الحكاية حكاياتنا عنهم.. وانتهت الأسقام والأوجاع.. ولننظر إلى أوراقنا في
لعبتنا التي أرفض حتى آلان أن أذكر لك اسمها.. لدينا هذه المرة ورقتين فقط..
لكنهما يكفيان جدًّا لفهم مانحن مقبلون على كشفه.
الورقة الاولى هي ورقة الفامباير أو مصاصي الدماء.. وعليها صورة بشعة
لمصاص دماء مخيف..
والورقة الثانية هي ورقة الكونت "دراكولا".. وعليها صورة الكونت دراكولا
وهو يرتدي عباءته الشهيرة ويبتسم في سخرية مخيفة ووراءه تبدو قلعته
المظلمة.
***

اقرأ يا "دراكولا"..
1450 بعد الميلاد





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 12:37 PM   #25

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

- اقرأ يا "دراكولا" يا عزيزي هيَّا ورائي..(أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم.. وهو ألد الخصام ).
ردد "دراكولا" وراءه في ملل ونطق أعجمي.. نظرت إلى وجهه.. لا أدري لماذا لا
أرتاح لهذا الفتى..
- انتبه معي هنا.. فيم يسرح عقلك الصغير.. هيَّا ردد (وإذا تولى سعى
في الارض ليفسد فيها)
من السيء أن يكون "دراكولا" أخاك.. من السيء أن ينام "دراكولا" بجانبك.. من
السيء أن..
- (ويهلك الحرث والنسل.. والله لا يحب الفساد )
ظلَّ "دراكولا" يردد الأيات والشيخ يقرأها.. واضح أن "دراكولا" يكره الشيخ..
هذا ليس غريبًا.. فأخي يكره الجميع.. يكرهني ويكره هذا المكان ويكره
القرآن. . بالإضافة إلى أن هذا المشهد جعلك ترفع حاجبيك في دهشة ثم
تخفضهما في سخرية؛ ظانًا أنني أحكي قصة كوميدية.. لا ياصديقي.. ها أنا
ذا.. "رادو" بشحمي ولحمي أجلس في هذا المسجد وهاهو أخي "دراكولا"
بشحمه ولحمه يجلس بجانبي يردد آيات القرآن والشيخ يصرخ فيه وقد بدأ كل
هذا الغباء يضايقه.
دعني أحكي لك الحكاية منذ البداية حتى يزول عنك العجب.. إن أبي كان حاكمًا
على مملكة والاكيا.. وقد أطلق عليه شعب واالكيا اسم "دراكول" وتعني
بالرومانية التنين.. هذا لأن والدي كان عضوًا مؤسِّسا في تنظيم سري مريب من
الفرسان يدعى تنظيم التنين.. وقد وضع أبي رمز التنين هذا على العملة في
والاكيا وعلى الدروع الحربية أيضًا.. فشاع بين الناس تسميته التنين.. "دراكول"
أو دراجول كما ينطقها الأهالي في والاكيا.
- سيد "دراكول" إنها رسالة من السلطان العثماني يا سيدي.

- هاقد بدأت المشاكل.. وكل ذنبنا أن والاكيا بين مطرقة العثمانيين
وسندان الهنغاريين.. يريدون الفتك ببعضهم البعض.. وفي سبيل
هذا فلتذهب والاكيا إلى الجحيم.
قرأ "دراكول" رسالة السلطان باهتمامٍ شديدٍ.. إن الدولة الإسلامية تفرض عليه
الجزية لتحميه من الهنغاريين وتشترط عليه أن يمدهم بالمقاتلين لو احتاج
الجيش المسلم إلى المقاتلين.. وتطلب منه سرعة الرد والبرهان على الولاء.. وقد
كان البرهان الذي اختاره والدي غريبًا جدًا.. لقد أرسلني أنا وأدعى "رادو" وأخي
الأكبر "دراكولا" إلى أدريانوبل أو إدرنة.. معقل السلطان العثماني المسلم.
- تعلم من أخيك "رادو".. لقد حفظ عشر سور حتى الان.. ولم تحفظ أنت
آية واحدة يا "دراكولا".
كان أقوى برهان على الولاء.. فيستحيل أن تهاجم دولة وقد أرسلت فلذات كبدك
إلى سلطانها.. وجدنا أنفسنا أنا و"دراكولا" وعمرنا لم يتجاوز الثانية عشرة غرباء
في بلاد غريبة.. ومبان غريبة.. وألبسة غريبة.. وعمائم طويلة.. ولحى.. وقصور.
كان أخي كارهًا لكل هذا السخف.. ورغم أن السلطان المسلم كان يهتم بنا
جدًّا ويعلمنا الفروسية والقتال والعلوم بكافة أنواعها وخاصة الإسالمية منها
إلا أن "دراكولا" لم يكن سعيدًا.. كان يشعر أنه مجرد أسير.. وأن هؤلاء أعداؤه
يحاولون أن يسقونه بتعاليمهم وثقافتهم التي يكرهها ولا يستسيغها.. لكن
بالنسبة لي كان الوضع مختلفًا.
- ما اسمك أيها الفتى الظريف ذو الشعر الذهبي ؟
- اسمي "رادو" وأنت؟
- أنا "محمد بن مراد" ابن السلطان.
لم أكن أعرف أنني سأعيش طفولتي مع "محمد بن مراد".. الرجل الذي عرفه
الناس بعد ذلك بسنوات بمحمد الفاتح.. الفارس العظيم الذي فتح القسطنطينية..

كنت أنا و"محمد الفاتح" صديقين عزيزين.. وكلما اشتدت صداقتي معه قوة..
اشتدت عداوتنا أنا وهو مع "دراكوال".. إن "دراكولا" و"محمد الفاتح" لم يكونا
يطيقان بعضهما منذ الصغر رغم أنه قد فُرِضَ عليهما أن يعيشا طفولتهما
معًا.. وأن يتدرّبا معًا ويتعلّما معًا.. لم يكن هذا غريبًا أبدًا.. فأحدهما كان فارسًا
حقيقيًّا وكان آلاخر شيطانًا حقيقيًّا.
- هيَّا ارمِ سهمك يا "رادو".. ارمِ سهمك .
رميت سهمي فأصاب منتصف اللوحة الدائرية.. يالبراعتي منذ صغري.. ضربت
كفي في كف "محمد الفاتح" ووقفت بجانبه سعيدًا أنني اقتربت من مهارته
الفطرية.
- دورك يا "دراكولا".. هيَّا ارمِ سهمك.
صوَّب "دراكولا" سهمه ناحية اللوحة الدائرية.. ثم حوَّل قوسه فجأة ناحيتي أنا
و"محمد الفاتح".. ونظر لنا بغِل .. واتسعت عيناي في رعب.
- ماذا تفعل يا "دراكولا".. هل جننت؟
شد "دراكولا" سهمه وقوسه مصوَّب إلينا ثم أطلقه فجأة.. لم يطلقه ناحيتي..
بل حوَّله في الثانية الأخيرة إلى اللوحة.. وأصاب سهمه منتصف الهدف بالضبط..
شعرت أنه كان يتمنى لو أن هذه اللوحة هي قلب "محمد الفاتح".. أو ربما قلبي
أنا.
ست سنوات مضت ونحن على هذه الحال.. كبرنا وأصبحنا شبابًا يافعين.. وها
نحن نتسابق ثلاثتنا على جيادنا العربية الأصيلة بكل قوة.. هل ترى كيف أصبحت
أشكالنا الان؟ لقد كان شكلي مميزًا جدًا.. كنت أمتلك شعرًا ذهبيًّا فاتحًا جدًّا..
حريريًّا طويلًا ينحدر إلى أسفل كتفيَّ لا تمتلكه أجمل فتيات إدرنه.. ووجها
وسيمًا وصوتًا رجوليًا مميَزًا.. بينما كان "دراكولا" أسود الشعر أجعده.. ينحدر
شعره إلى أسفل منكبيه أيضًا.. لكن كان له شارب كبير يقف عليه الصقر كما


يقولون وعينان حادتان كأنهما عينا الصقر الذي كان سيقف على شاربه.. "محمد
الفاتح" كان ذا لحية صغيرة مدببة وشعر بني وأنف طويل وعينين تشعان ذكاء
وفروسية.
ثم أتى الخبر الذي حرك كل هذه المشاهد البطيئة.. لقد توفى أبي "دراكول"
فجأة في و لاكيا.. مؤامرة دبرها له البويار.. وهي كلمة تطلق على طبقة النبلاء
في بلادنا والاكيا.. نزل علينا هذا الخبر ونحن في أشد فترات الدولة العثمانية
انشغالًا.. كنا على استعداد وتخطيط لفتح أكثر المدن حصانة في ذلك الوقت..
القسطنطينية.. وأنا أتحدث بكلمة (نحن) لأنني أصبحت مسلمًا.. بل فارسًا مسلمًا..
لكن "دراكولا" بقى على دينه.. أرسل السلطان محمد الفاتح "دراكولا" إلى
والاكيا ليصير حاكمًا لها خلفًا ألبيه.. ويكون كما كان أبوه تابعًا للسلطان
العثماني ومؤتمرًا بأمره.. أما أنا فقد آثرت البقاء هنا.. آثرت أن يكون لي شرف
المشاركة في الفتح الكبير لقسطنطينية.
كانت وليمة عظيمة في والاكيا.. وليمة كان المضيف فيها هو الكونت
"دراكولل".. والضيوف فيها هم أكابر البويار.. الذين أكلوا حتى ثملوا وخرج
الطعام من أنوفهم – تعبير شعبي في والاكيا – سألهم دراكولا بهدوء :
- قولوا لي أيها النبلاء العظام.. كم حاكما حكم والاكيا عبر تاريخها؟
قال بعضهم عشرة حكام.. وقال بعضهم اثنا عشر حاكمًا.. بل ثلاثة عشر
حاكمًا ربما.. قال دراكولا بثورة شيطانية فجأة :

-هذا لأنكم خونة.. تأكلون لحم الحاكم قبل أن يتم سنتين من حكمه..
كم سنة قررتم أن تمنحوني أيها البويار ؟
في اللقطة التالية كان حُرَّاس القصر يهجمون على البويار من كل صوب..
يضربون بعضهم ويقتلون آخرين بقسوة.. ولم يكن "دراكولا" يشاهد من بعيد

إنما أخرج سيفه وضرب أعناقًا صار نصله بعد ضربها يقطر حمرة.. بقي الكثير
منهم أحياء.. نظر لهم "دراكولا" بعيون متسعة غاضبة وقال :
- خذوهم إلى القلعة.. ليعملوا كتفًا إلى كتف مع الفلاحين في
تشييدها.
ثم قال بلهجة ذات مغزى:
- وليعملوا فيها من الجهة الشمالية.
الجهة الشمالية للقلعة هي الهاوية.. هاوية على ارتفاع ألف قدم.. كل من
أرسله "دراكولا" هناك من البويار ماتوا.. بعضهم مات من الجوع.. أو من
الإنهاك.. وبالطبع رماهم كلهم في الهاوية.. ثم إنه شنَّ حملة قاسية جدًّا الحق
فيها كل البويار الساكنين في مملكة والاكيا.. نساؤهم وأطفالهم
وشيوخهم.. كانت إبادة عرقية.. تعدت العروق إلى أصغر شعيرة بويار دموية
تنبض في جسد أحدهم.. وبدأت أنياب "دراكولا" في الظهور.
على الجانب الآخر كنت أنا أقاتل في القسطنطينية.. كان "محمد الفاتح" حقًّا كما
تصفه كتب التاريخ.. داهية حقيقية.. إن دهاء الفرسان يختلف عن أي دهاء آخر..
دهاء لا خبث فيه.. دهاء صاف.. كانت ملحمة تاريخية ليس بوسعي ذِكر
تفاصيلها الان.. لكننا حققنا هدفنا في النهاية.. وصارت القسطنطينية لنا.. بل
صارت عاصمة المملكة الإسلامية العظيمة.
"لتفتحن القسطنطينية.. فلنعم الأمير أميرها.. ولنعم الجيش ذلك الجيش"
قال لي الأمير الفاتح في الميدان ناظرا إلى رأسي :
- "رادو" هل تضعون الحناء على شعور الرجال في والاكيا ؟
أمسكت بشعري الذهبي في استغراب ثم ابتسمت بفهم قائلًا :


- بل كنت أضع الحناء لسيفي ياسيدي.. لكن يبدو أن بعضا منها تناثر
على رأسي.
كان رأسي مضرجا بدماء ألاعداء.. لكن رأسي لم يكن مهما.. كان المهم هو
الخبر الذي جاءنا به مرسول الدولة.. لقد أعلنت والاكيا التمرد على السلطان.. لقد
تمرد "دراكولا".. فعلها وتمرد.. لم يُرد السلطان "محمد الفاتح" أن يعكر صفو
انتصاره بهذا الخبر.. لذا فقد سكت.. وأنا أعرف الفاتح عندما يسكت عن مثل
هذا.. يبدو أن الأيام تدخر لنا معارك جديدة.. معارك مع أولي القربى.
لكن "دراكولا" كان يفعل شيئًا آخر في والاكيا.. لقد تعدى مرحلة إظهار الأنياب
وبدأ في مرحلة إخراج القرون والمخالب.. دعني آخذك إلى والاكيا لتشاهد
بنفسك..
هناك خمسة رجال يلتفون على ما يبدو أنه رجل يصرخ.. وهم يتحركون في
عنف وكأنهم يفعلون فيه أمرًا ما.. هاقد ابتعدوا عنه قليلًا وأمكنك أن ترى ما
يفعلوه.. لقد ربطوا حبلًا في يده اليمنى وحبلًا في اليسرى.. وثالثًا في قدمه
اليمنى ورابعًا في اليسرى.. وقام أضخم اثنين منهم بتثبيته وتراجع ثلاثة منهم..
هل ترى؟ إنهم يربطون أطراف الحبال في جياد.. والرجل يصرخ مستنجدًا بلغة لا
تفهمها.. ثم إنهم وجهوا رؤوس الجياد إلى الاتجاهات الأربعة التي تشير إليها
أطراف يديه ورجليه المتباعدة.. ثم إنهم وخزوا الجياد فتحركت ببطء ليرتفع
الرجل عن الارض صارخًا.. وظلت الجياد تتحرك تارة وتقف تارة والرجل يتمزق
باكيًا.. ثم إنهم ضربوا الجياد بالسياط فثارت وتحركت بعنفٍ سريعٍ.. لتتمزق
أطراف الرجل الأربعة وتجري كل منها مع جوادها.
وهاهو رجل آخر يمسكه رجالن مفتولا العضلات ويرغمانه على الركوع وهو
يصرخ.. ويأتي رجلٌ آخر ماسكًا وتدًا خشبيًّا طويلًا مسننا ويطعنه به في دبره
طعنه لا تقتل.. يحاول الرجل أن يفلت بلا جدوى.. ثم يقيدون يديه ورِجليه بطريقة
معينة إلى الوتد.. ثم يتعاون الثلاثة رجال على رفع الوتد وتثبيته في فتحة


بالأرض.. هاهو الرجل أعلى الوتد وكأنه جالس عليه.. ويُترك على هذه الحال
حتى يموت.. ليست المشكلة في الموت من الجوع والعطش.. بل المشكلة في
أن هذا الوتد ينغرز ببطءٍ شديدٍ في أحشاء الرجل ولا يقتله.. فقط يعذبه من
الألم.. ثم يموت الرجل لما يخترقه الوتد ويخرج من جسده أو لما يموت من الألم..
أو من انفجار الأحشاء.. هذا الوتد الذي رأيته الآن هو ما اصطُلح على تسميته
بالخازوق.. العقاب الذي اشتهر به "دراكولا" في كتب التاريخ.
ويبدو أن "دراكولا" قد أعجبته حكاية الخازوق هذه فأخذ يتفنن فيها تفننًا عجيبًا؛
فمرة يغرز الوتد في فم أحدهم ويعلقه على الوتد مقلوبًا.. وتارة يعلق النساء
عليه من فروجهن.. وتارة يغرزه في البطون.. وتارة يغرزه في رقبة طفل
رضيع.. لقد كان أخي مختلًّا أو ربما شيطانًا حقيقيًّا.. وبلغ من إعجابه بهذه
الطريقة إلى أن جعلها هي العقاب الرسمي ألي خطأ يُخطئه أي فرد من أفراد
الشعب.. فمن يسرق يخوزقه.. ومن يكذب يخوزقه.. ومن يضرب أحدًا يخوزق
الضارب والمضروب.. بل إنه وصل إلى مرحلة أبعد من هذا.. دعني آخذك إلى هذا
المشهد.
قلعة "دراكولا".. المكان المجهز بكافة وسائل التعذيب التي سأحكي لك





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 12:41 PM   #26

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

نبذات عنها فيما بعد لو أسعفتني ذاكرتي.. عرش "دراكولا".. يجلس عليه شيطان آدمي
أمامه طعام وشراب أحمر يبدو وكأنه خمر.. بجانبه كان يجلس أحد النبلاء
البولنديين يأكل معه.. أمامهما الكثير من الضحايا المعلقين على الخوازيق
يتألمون.. "دراكولا" يبدو مستمتعًا جدًّا بصراخهم وكأنه يسمع ألحانًا عذبة.. أما
البولندي فوضع يده على أنفه مشمئزًا من الرائحة الكريهة لبعض الجثث التي
ماتت وتعفنت وأبقاها "دراكولا" على حالها ورائحتها.. التفت إليه "دراكولا"
وقال :
- مابك؟
- ياسيدي لا أستطيع تحمُّل رائحة العفن هذه ؟

- لابأس لابأس سأعالج الأمر.
أشار إلى جالوزته (رجاله) فهجموا على الرجل هجمة رجل واحد.. ثم أمرهم أن
يرفعوه على خازوق أطول من كل الخوازيق المعروضة.. صرخ الرجل النبيل
البولندي حتى تحول صراخه إلى بكاء لمّا وخزوه بالوتد في دبره ورفعوه وثبتوه..
نظر إليه "دراكولا" قائلًا:
- أنت آلان في الأعلى أيها الصديق العزيز حيث لن تصل إليك الروائح
الكريهة.
ثم شرب "دراكولا" من الكأس الحمراء التي أمامه والتي يتضح لك لما ترى
انسياب السائل فيها أنه ليس خمرًا.. بل هو دم.. دم طازج.. دماء ضحاياه
ممزوجة بالخمر.. شرابه المفضل.. الذي كان يحب أن يشربه على آهات المعذبين
المسلوخين أمامه كالذبائح والتي تقع على أذنه موقع زقزقة البلابل.. ويحب
الطريقة التي يسيل بها الشراب من شفتيه إلى ذقنه.. كان هذا هو "دراكوال"
كان يضع قدورًا ويطهو الناس فيها أحياء.. بل ويأمر جالوزته أن يقَطعوهم
بالسيوف وهم داخل القدور أحياء يصرخون.. المرأة الكسولة كانت يدها تقطع
وتثبَّت على خازوق مستقل لتكون عبرة لكل النساء.. بل إنه نادى ذات مرة كل
فقراء البلدة وشيوخها وأطفالها إلى وليمة عظيمة في سابقة استغرب لها
الكل.. وبعد الوليمة قتلهم كلهم.. لأنه لا فائدة تُرجى منهم.. إنما هم
يُرهقون الدولة.. ودعني أكتفي بهذا القدر من المصائب.. لأنني لو ذكرت كل
ما علِمته لملأت مجلّدًا مستقلًا.. باختصار.. لم يشهد العالم شخصية مختلة مثل
هذا من قبل ولا من بعد.. والمصيبة أن هذه الشخصية المختلة كانت أخي.
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى كان السلطان محمد الفاتح في طريقه إلى والاكيا..
بجيش يسد الأفق.. وكنت معه جنبًا إلى جنب.. في طريقنا إلى "دراكولا".. ظلَّ
الجيش يزحف حتى وصل إلى نهر الدانوب.. وكنا نرى جنود "دراكولا" على الجهة

الأخرى من النهر.. وكعادة "محمد الفاتح" وكما علمه "محمد" النبي أرسل
مبعوثين اثنين من أفضل الرجال إلى الخصم لتسوية الأمور سلميًا.. فإما الجزية
وإما الحرب.. وهذا ما حدث مع المبعوثين. .
دخل المبعوثان المسلمان على الحاكم "دراكولا" في قلعته.. وكان قد أزال كل
الخوازيق لغرض في نفسه..
- السالم عليكم ياحاكم واالكيا.. جئتك من السلطان بكتاب يقول فيه..
أسـ..
- انزعا غطاء رأسيكما.
توقف المبعوث عن الكلام في دهشة.. قال "دراكولا" بغضبٍ:
- انزع غطاء رأسك أنت وهو.. ماهذه العمائم الطويلة السخيفة؟
- إنها تقليد عثماني أيها الحاكم.. وعظمة تقاليدنا أهم من مزاجك
المتعكر.
- لا بأس.. سأبقيه لكما.. كما تشاءان.
وأشار إلى جالوزته المجانين الذين أحاطوا بالمبعوثين في سرعة وأمسكوا
بعمائمهم في إحكام ثم قاموا بأمر شديد الغرابة والوحشية.. جاءوا بمسامير
صغيرة رفيعة... وقيدوا المبعوثين.. ودقوا المسامير في عمائم المبعوثين
لتخترق رؤوسهم وتسيل دماء رؤوسهم على أعينهم.. قال لهم دراكولا :
- هكذا ستبقى عمائمكم على رؤوسكم إلى الأبد.. اذهبوا إلى
السلطان "محمد الفاتح" وأخبروه كيف أن "دراكولا" لم ينسَ التقاليد
العثمانية.. وخاصة المتعلقة منها بإبقاء العمائم على الرؤوس.
عاد المبعوثون ودماؤهم المندهشة تسيل على وجوههم.. وحكوا ما حدث
معهم للسلطان الذي غضب غضبة لم أره قد غضبَ مثلها في حياته.. أمر
السلطان أن تتحرك سرية قوامها عشرون ألف رجلٍ لتخترق جيوش العدو.. اى ما

يساوي ثلاثة أضعاف جيش "دراكولا".. وكان قائد الجيش فارسًا شجاعًا مسلم
اسمه "حمزة".. أفضل فرسان جيش السلطان في ذلك الوقت.
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد.. لقد انهزم جيش السلطان هزيمة نكراء
لم ينهزم مثلها من قبل.. ولم نرَ إلا "محمد الفاتح" يقف بجواده على قوائمه
الخلفية ثم ينطلق به كالسهم وانطلقنا كلنا خلفه.. بجيش قوامه عشرون ألفًا
آخرون يملؤهم الغضب وشهوة الأنتقام.
وهانحن نخترق نهر الدانوب.. يالها من عزة تلك التي كنا فيها.. يالروعة هذا
الدين.. لقد عادت إلي ذكريات قتالي في القسطنطينية.. أن تركض بجوادك بين
عشرين ألف فارس مسلم ترك الدنيا وراءه ولم يعد يرى إلا الشهادة هو أمر لن
أقدر أن أوصله إلى مخيلتك أبدًا.. أمر عظيم.. وهانحن ندخل من أبواب المدينة..
وهانحن..
شعرت بحركة غير طبيعية في مقدمة الجيش.. وكنت أنا في أوسط الجيش..
رأيت الجمع قد تباطأت سرعته وسمعت أصواتًا تبدو وكأنها نحيب في مقدمة
الجيش.. لم أفهم ما الأمر.. لماذا توقَّف الرجال؟ اخترقت الصفوف بسرعة حتى
اتضحت لي الصورة.. الصورة التي جعلت عينيَّ تتسعان حتى كادتا أن تخرجا من
مكانهما وتذهبان بعيدًا احتجاجًا على هذا الهول الذي ترونه.. وتوقف جيش
السلطان بل توقف السلطان نفسه بكل شجاعته.. انظر أمامك.. ألا ترى ما نراه؟
إنها غابة كثيفة.. بل غابتان كثيفتان.. غابة عن يميننا.. وغابة عن شمالنا.. غابتان
جذوعهما أوتاد خشبية.. أغصانهما أياد وأقدام بشرية حية وميتة.. أوراقهما
أجساد مخوزقة على الأوتاد. . أجساد خرجت منها أرواحها أو لم تخرج.. أجساد
تنظر لنا بأعينها وتقول الله أكبر.. وكان للغابتين صوت.. صوت آهات ونحيب..
وصوت يذكر الله.. إنها السرية التي أرسلها محمد الفاتح.. لقد وضعهم
الشيطان جميعًا على الخوازيق.. عشرة آلاف وتدًا عن يميننا وعشرة آلاف عن
شمالنا.

توتر الجيش.. تعالت صيحات البكاء على الأهل أحيانًا أو على الرفاق.. أو على
إخوة مسلمين أو على الأنسانية.. وقف "محمد الفاتح" مذهولًا.. وجعل يتذكر
طفولته مع "دراكولا".. ذلك الطفل الحقود الذي كان يناوشه ليل نهار.. اآلن لم
يعد طفال.. بل صار شيطانًا رجيمًا.. يناوشه أيضًا.. نظر إلى ناحيتي.. كيف
أنجبتكما بطن واحدة.. كيف رباكما أب واحد.. كيف صار أحدكما فارسًا مسلمًا
وصار الآخر ماردًا من مردة الجحيم.. نظر "محمد الفاتح" إلى جيشه.. لقد انهارت
كل جذوة حماس بداخلهم.. التفت "محمد الفاتح" لأول مرة في عمره بجواده
لجهة العودة وقال :
- ليس اليوم يوم زحفنا.. لكن بحق هذه الأرواح الطاهرة وبحق كل
قطرة دماء.. سنأتي برأس هذا الشيطان على وتد نضعه في منتصف
القسطنطينية يرميه صبيانها بالحجارة.
والتفت جيش المسلمين عائدين من حيث أتوا.. لم تكن الحرب هذه المرة مع
حاكم عادي.. لقد كانت مع "دراكولا".. الشيطان.
كان مستحيلًا في ذلك الوقت أن تفعل ما فعلت بالمسلمين وتنجو بفعلتك.. كان
"محمد الفاتح" يجهز جيشًا قوامه ستون ألف رجل.. مليء بالخيول والمدافع
والغضب.. وجعلني أنا على رأس هذا الجيش قائلًا:
- اذهب يا "رادو" وائتني برأس أخيك.. إن عرش والاكيا لم يُخلق لتعتليه
الشياطين.. إن عرش والاكيا قد خُلِق من أجلك أنت.
- سآتيك به ياسيدي قبل أن تجف دماء شهدائنا في والاكيا.
وانطلقتُ على رأس ستين ألف رجلٍ إلى والاكيا.. وفي هذه المرة سمع "دراكولا"
بخبرنا وبعددنا ففعل شيئًا عجيبًا؛ ترك عاصمة والاكيا واتخذ طريقًا إلى بوينار..
وجيشنا يطارده بغضبٍ.. العجيب أنه كان يحرق مخازن الحبوب والطعام ويسمم
الأبار في كل مدينة يدخلها ليتركنا بدون مؤونة.. فجيوش تلك الأيام كانت تزحف


على معدتها.. أي أنها كانت تعتمد في الإطعام على المدن التي تدخلها.. لكن
هذا لم يفت في رجال كان الذَكر طعامهم وشرابهم.. طاردنا "دراكولا" لمدة
طويلة جدًا.. ودخلنا في عدة معارك مع جيوشه.. فزنا باثنتين وخسرنا في ثلاث..
كان كالشيطان يهاجم في آخر الليل.. لكننا استبسلنا حتى حاصرناه تمامًا في
قلعته في بوينار.. وانطلقت أنا وورائي جميع الرجال لنحطم بحوافر جيادنا أبواب
قلعته.. ونزلت من على ظهر جوادي وأخرجت سيفي من غمده وجعلت أبحث عن
الرأس.. رأس الشيطان.
قال لي "دراكولا" وكان يقف في ساحة خارجية تتوسط قصره:
- خنت بلادك يا "رادو" وألبسوك عمتهم الطويلة الخاوية ؟
- بل عرف قلبي طريقًا تاه عنه سنين طوال.. طريق تقع في نهايته
رأسك.
ورفعت سيفي كما ترفع الفرسان سيوفها.. لأجد "دراكولا" يرمي بسيفه بعيدًا
ويفعل آخر شيء توقعته في تلك اللحظة.. قفز في بئر بمنتصف الساحة..
أسرعت إلى البئر لأنظر بداخله في غضب لأرى "دراكولا" ينظر لي بسخرية ثم
يركض هاربًا في طريق أسفل البئر.. عزمت على اللحاق به لكنني رأيت رجاله قد
أتوا في الأسفل وأوقدوا نارًا عظيمة ارتفع لهيبها إلى أعلى البئر حتى كاد أن
يلفح رأسي.. كان هذا نفقا سريًّا من أنفاقه





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 12:54 PM   #27

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

كان هذا نفقا سريًّا من أنفاقه التي عُرف لاحقًا أنه قد بناها في
كافة قلاعه.. لقد هرب "دراكولا".. هرب وترك لنا والاكيا.
هرب "دراكولا" إلى هنغاريا ليطلب الدعم من ملكها.. ولكن ملكها بدلًا أن
يقدم له الدعم قام بأسره وسجنه في هنغاريا.. وظلَّ مسجونا سنينَ طويلة..
وأصبحت أنا أميرًا على والاكيا حكمت فيها بالعدل وجعلت شعب والاكيا ينسى
كل ما فعله به "دراكولا".. حكمت والاكيا تسع سنوات كاملة.. تزوجت فيها
امرأة مسلمة وأنجبت طفلة جميلة مسلمة هي "ماريا".. ثم أتاني أجلي وخرجت

روحي إلى حيث مستقرها.. ومن جاء بعدي لحكم والاكيا كان رجلًا خارجًا من
سجن سنين طوال في هنغاريا.. رجل يدعى الشيطان.. "دراكولا".
شهر واحد فقط حاول فيها الشيطان أن يُعيد أسطورة حكمه في والاكيا..
شهر واحد انتهى برأسه مقطوعة على رماح أحد الحشاشين المتبقين بعد أن أباد
"هولاكو" دولتهم.. ذلك الحشاش الذي أمسك بالرأس وغمسها في العسل ثم
أرسلها إلى القسطنطينية.. إلى "محمد الفاتح" حتى يستلمها طازجة.. رأس
"دراكولا" التي عُلقت في القسطنطينية في البلاط العثماني ليتفل عليها من يتفل
ويرميها بحجارته من يرمي.. رأس حَوَت عينين كانتا متجبرتين متغطرستين..
والان أصبحتا مفقوئتين تنظران إلى الارض في ذُل .
كان "دراكولا" مختلًّا عقليًّا.. فقد بلغنا أنه كان يفعل أشياء عجيبة جدًّا في سجنه
في هنغاريا.. كان يصطاد الحشرات والقوارض ويخوزقها على أعواد صغيرة
من أغصان الشجر.. ويتسلى برؤيتها تموت.. أي شيطان هذا.. بل أي مخبول..
لكنه أخذ منا ما يستحقه.. ولقد خُلقنا فرسانًا لنوقف أمثال هذا عند حده. . ولا
نخشاه وإن خرجت له أجنحة يطير بها.. لا نخشى إلاغضبة من خلقنا.. لهذا خُلقنا
فرسانا.. بل لهذا خُلقنا مسلمين.
تـمَّت
****





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 06:26 PM   #28

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

لم يكن هناك شخصية تصلح لأن يقتبسوا منها شخصية "دراكولا" مصاص
الدماء الشهير أكثر من شخصية "دراكولا" الحقيقي.. وهو فعلًا كان يحب شرب
دماء ضحاياه الممزوجة بالخمر.. والواقع أن "دراكولا" الذي نراه في الأفلام
يعتبر طفلًا مدللًا أمام "دراكولا" الشيطان الحقيقي.
السبب الذي ذكرت فيه هذه القصة هي أن "دراكولا" قد خَلَف والده في رئاسة
تنظيم التنين.. وهو واحد من التنظيمات السرية التي أُنشِئَت بعد فرسان الهيكل..
وهي تنظيمات ماسونية ركزت في تلك الفترة التاريخية على تجهيز حملات ضد
الدولة العثمانية.
تنظيمات كانت في ظاهرها تدعو لإلخاء والمحبة والمساواة كعهد كل
التنظيمات الماسونية ولكن لها في الحقيقة أهداف أخرى.. أهداف سوداء.. لكن
والد "دراكولا" الذي يدعى "دراكول" لم يقدر على فعل شيء أمام قوة الجيش
العثماني وكل الحملات التي قام بها فاشلة.. حتى أذعن في النهاية للسلطان
العثماني إذعانًا مطلقًا وأرسل له ولديه كضمانٍ للولاء.
ولكن عندما أصبح ابنه "دراكولا" رئيسًا للتنظيم الماسوني كان يبدو وكأن
الشيطان نفسه قد أصبح رئيس التنظيم.. فنظَّم حملات بشعة أذاقت الجيش
العثماني ويلات كثيرة أعجبت ملوك أوروبا ورجال الدين فيها حتى أنهم غضوا
النظر عن دموية "دراكولا" في تلك الحملات.. فالمهم عندهم أنه كان يقاتل
الأعداء ويذيقهم الويل.
تم تمثيل قصة "محمد الفاتح" و"رادو" و"دراكولا" في مسلسل تركي شديد
الأهمية هو Fatih ..ويحكي القصة كاملة منذ طفولة الثلاثة وحتى فتح
القسطنطينية ووفاة "محمد الفاتح".
بغض النظر عن هذا.. دعني أخبرك المزيد عن الماسونية وعن انضمامي لها.. ولا
أحد سيخبرك بما سأخبرك به لأنني تدرجت فيها حتى الدرجة الحادية والعشرين..

ورغم أنني سأموت بعد قليل كما هو واضح إلا أنني لم أعد أخشى شيئًا.. فسأقدّم
حياتي ثمنًا لما سأخبرك به الآن.. كما قدم العديدون من قبلي حياتهم.. لكنني
سأختلف عمن سبقوني لأنني سأورثك من بعدي كتابًا.. كتاب عليك أن تقرأه
وتحتفظ بتفاصيله بين جنبات عقلك.. ثم تحرقه حتى لا يطالك مثل ما سيطالني.
الداخل جديدًا على الماسونية لا يستشعر منها بأي خطرٍ.. بالعكس هو يقسم
على الكتاب الشائع في البلد الذي هو فيه.. فالمسلم يقسم على القرآن..
المسيحي على الإنجيل.. اليهودي على التوراة.. وعند الوصول للدرجة الثامنة
عشرة تحديدًا.. يكون القسم على التوراة فقط.. والرموز نفسها تكون معانيها
بريئة في البداية ثم تتطور لتكون معاني متوسطة ثم تتحول لتصبح رموزًا
يهودية خالصة.
وهم لا يختارون أي شخصٍ للدخول في الماسونية.. لكنهم يختارون أشخاصًا
بعينهم.. أشخاص لهم تأثير في المجتمع.. تأثير سياسي أو ديني أو اقتصادي..
فلديهم مجموعات تحريات تراقب شخصًا معيّنًا.. مرشّحًا من قِبَل ماسونيين
آخرين.. يخرج له أشخاص لمراقبته ويجمعون عنه كل ما يمكن جمعه من
معلومات.. هم دائمًا يبحثون عن استيطان أذهان النُخب تحديدًا.. أصحاب
المناصب وأصحاب الثروات.. حتى يتمكنوا عن طريقهم من إنفاذ أغراضهم..
ثم حتى بعد انضمامهم يقيمون لهم اختبارات معينه تدريجية تؤهلهم للتدرج
إلى كل درجة تالية.
فالماسونية ليس فيها تقدم.. لا يمكن أن تتقدم لتكون ماسونيًا.. لابد فيها من
ترشيح من أحد من داخل محفل.. والدرجات الثلاث الأولى تعتبر بمثابة كشافات
لمعرفة من يصلح للترقي بعد ذلك.. وهو غالبًا الشخص النافذ أو الذي لديه
منصب.. الشخص الفارغ أو المستعد لأن يُفرغ.. تكون عنده طموحات.. عنده
شهوات مثلًا يحب المال أو النساء أو السلطة.. وهم يوفرون له هذه األشياء..
ثم يتم تصعيده في سلم الماسونية وتغيير الأفكار في كل مرتبة وكل درجة

وتغيير معاني الرموز.. فإذا وصل للدرجة الـ 33 ويسمونها الدرجة السامية ..
يفتح له الأستاذ الأعظم للمحفل سجلًّا ويقول له.. أنت وأبوك وأجدادك
ستتشرفوننا بالانضمام إلى بني إسرائيل.. فالآن نحن نصحح نسبك ونسجل اسمك
في سجل السبط الثالث عشر لبني إسرائيل.. وستحوز شرف مشاركة هذا السبط
الفخري العظيم في إتمام العمل العظيم.. وإعادة البناء العظيم.. الهيكل
العظيم.. هيكل سليمان.
في البداية يقولون إن اإلله الذي يعبدونه هو المهندس الأعظم.. وهي كلمة
مبهمة قد تظنها تشير إلى الله.. وفي الدرجات المتقدمة بعد العشرين يتحول
هذا المهندس ليكون "لوسيفر".. وبالمناسبة لا تظننهم يعبدون الشيطان على
أنه شيء شرير.. وإنما على أنه هو الذي هدى الإنسان إلى المعرفة وعرفه بها..
وهو من علَّم الإنسان الزراعة والتجارة والصناعة وعلَّمه ركوب البحر وهو الذي
هداه في كل مناحي حياته فطبيعي أن عبادته تكون شيئًا عاديًا ليس فيها شيء..
ولما حدَّث آدم وحواء بأكل التفاحة في الجنة كان هذا لأنه يحبهما ويريد لهما
الخير.. وليس الشر كما تزعم الأديان.. وتدريجيًّا ستتعلم أن الله لم يلعن
"لوسيفر" وإنما حاربه.. لأن "لوسيفر" يريد العِلم للبشر والله يريد لهم أن يظلوا
جهلة.
فالله يعدك بوعودٍ زائفة طيلة الوقت.. تدعوه واستجابته لدعائك هو حظ.. أما
"لوسيفر" فلما تعبده وتتمنى شيئًا.. مجرد التمني فهو يكون بين يديك في
الحال.. يدخلك إلى جنته في الدنيا.. وستتعلم أن الآخرة هي مجرد وهم لا وجود
له.. بكل ما فيها من جنة ونار وما إلى ذلك.. هكذا علموني عندما دخلت إليهم..
لكن كانت أجزاء من نفسي تأبى هذا كله.. وخاصة عندما علمت السبب الذي
يريدون إعادة بناء الهيكل من أجله.. ذلك السبب الذي سأؤخر إخبارك به حتى
تحين اللحظة المناسبة.

ولو أنك رأيت "لوسيفر" كما يمثلونه في رسوماتهم مثما رأيته أنا لتعجبت.. أذكر
لوحة ذات طول كامل لإبليس فوق مذبحه.. لقد بدا مثل رجل ذي فكرٍ عظيم
رفيع الجبهة.. وعندما تنظر لعينيه تعطيك انطباعًا بعيون شخص واسع الإطالع
وقوي جدًّا.. وهذه اللوحة يمكنك أن تراها لو دخلت أيًّا من منظمات عبدة
الشيطان أو الماسونية أو خلافهم.
لكن المنظمة الماسونية وحتى هذه الحكاية من التاريخ كانت لا تزال في
بداياتها ومافعلته على أرض الواقع كانت خطوات مبدئية بطيئة جدًا.. وذلك ألن
الامبراطورية العثمانية كانت سيدة العالم كله.. و فتوحاتها في الشرق والغرب
لا تتوقف.. ولو أنها تُركت قرنًا آخر فستغزو العالم كله.. ولن تتمكن الماسونية
من بناء ذلك الهيكل المقدَّس الذي وهبوا من أجله حياتهم.. لأن بناءه سيكون
في فلسطين.. على أنقاض المسجد األقصى.. ولو أن ذبابة حاولت أن تمس
المسجد الأقصى أيامها لذبحتها الدولة العثمانية شر مذبح. . لكننا لازلنا في
البداية.. ومعي ستتعلم الصبر حتى تنال غايتك.. وحتى أنال غايتي.
إن الحكاية القادمة بالذات لها عدد كبير جدًّا من الأوراق.. سأعرض عليك ورقة
واحدة الآن. والباقي عندما تنتهي الحكاية الورقة هي ورقة الإيلو- ميناتي..
وعليها صورة قد تكون مألوفة لديك.. هرم غير مكتمل في أعلاه عين.. يشع
من ورائها نور.
وهي حكاية سيحكيها لك شخصان؛ رجل وامرأة.. أحدهما صادق.. والآخر
كاذب.. وسأخبرك سرًا صغيرًا حتى تميِّز الصادق من الكاذب وأنت تستمع لهما..
الصادق منهما هو من سيموت قبل الآخر.. تذكر هذا جيدًا.. والآن سأتركك
معهما..
***





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 06:29 PM   #29

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

ويرو - كوموكو..
1600 بعد الميلاد

مذكرة "جون سميث":
مذكرتي العزيزة.. إنه يوم جديد من أيامي الرائعة.. مغامرة جديدة من مغامراتي
التي مألت صفحاتك.. لكن مغامرة اليوم فيها شيء محبَّب إلى نفسي.. اكتشاف
عالم جديد.. فأنا اليوم أتحرك بسفينة كبيرة مع رفاقي ناحية الغرب.. إلى قارة
بِكرية.. ليس فيها دول.. ولا نزاعات.. أرض خصبة لكل من يريد أن ينشىء أي
شيء.. سمعت أن من يسكن هذه القارة هنود حمر الأجساد يرتدون الريش على
رؤوسهم.. وسمعت أنهم متوحشين ويكرهون الغرباء.. وأن الغريب القادم
إليهم سينتهي به الأمر مطبوخًا في قدرٍ من قدورهم وجماعة منهم يرقصون
حوله في وحشية وتلذذ.
ها هي اليابسة تقترب.. وسفننا المتعَبة من عبور المحيط تتمطى في إرهاق..
أشجار ونخيل وخضرة ورمال ذهبية وهواء عليل وهندي أحمر يحمل رمحا
ويجري ناحية السفينة في جنون.. يا إلهي.. رمى علينا الهندي الغاضب رمحه
رمية كأمهر رمية رام.. وانغرس رمحه في قلب "كريس" الفتى المراهق الذي
كان عقله مليء بقصص البحارة المغامرين وكان يحلم دومًا أن يكون واحدا
منهم.. لكن الرمح قد انغرس في قلبه اليوم بطريقة قضت على كل القصص
والمغامرات التي كان ينوي أن يخوضها.. قضت على كل شيء قبل أن يبدأ.. إن
هؤلاء القوم أشد توحُّشًا من نمور "أمور" المفترسة التي قابلتها في روسيا..
وكان "كريس" المسكين أول ضحية قتلوها.
هرب الهندي األحمر بسرعة.. وال ندري بصراحة هل هرب أم ذهب لينادي بقية
أقرانه الحُمر.. يبدو أن رحلتنا لن تكون سهلة أبدًا.. حطت سفننا على اليابسة..
ونزلنا منها في بطءٍ حَذِرٍ.. وبدأنا نجهز المعسكر بقلق وننقل أغراضنا من
السفينة ونحن نتلفت يمينًا ويسارًا ونتحفز عند سماع أي صوت.. وهاقد أتى الليل..
ولم نتعرض ألي هجوم ثانٍ.

مذكرة "بوكاهونتاس" :
"بوهاتان" هي مملكتي التي تضم بين أرجائها كل القرى الموالية لنا.. "ويرو-
كوموكو" هي قريتي بين تلك القرى.. "وان - سيناكا" هو أبي.. أحب الناس إلى
قلبي.. وأنا "ماتواكا" الصغيرة ابنة العشرة سنوات وأحب الناس إلى قلب أبي..
واسمي يعني "زهرة بين مجريين" لأن قريتنا كانت تقع على مجرى نهرين..
واسمي الآخر هو"أمانوتي".. وأبي هو زعيم مملكة بوهاتان كلها.. لست ابنته
الوحيدة.. فأبي له ما يقرب من الثلاثين بنتا.. نتيجة زواجه بما يقرب من الثلاثين
زوجة.. لكن من بين كل هؤلاء كنت أنا الأقرب إلى قلبه.. وكنت كذلك فقط
لأنني "بوكاهونتاس" ليس بسبب أي شيء آخر.
"بوكاهونتاس" هو أشهر أسمائي.. وهو اسم له معنى مثل كل أسمائنا..
ومعناه هو الفتاة الشقية.. وشقية يعني مرحة وروحها حلوة.. لماذا أنا الأحب
إلى قلب والدي؟ لأنه لما تزوََّج ثلاثين مرة فعل ذلك بدافع من تقاليدنا التي تحتم
على زعيم المملكة أن يتزوج فتاة من كل قرية ويُنجب منها.. فيدخل الدم
الملكي إلى القرية فيكون هذا إعلانا من القرية بالولاء للملك.. ملك مملكة
بوهاتان.. أما أمي فلم يتزوجها أبي بدافع سياسي.. بل كانت أول امرأة يتزوجها
في حياته.. وأول امرأة يحبها في حياته.. وقد كان اسمها "بوكاهونتاس" أيضًا..
وقد تزوجها قبل حتى أن يصير ملكًا على بوهاتان.. وكنت أنا أول إنجاب لأبي..
ولقد ماتت أمي لما أنجبتني.. الأمر الذي أحزن والدي حُزنًا اسودت لأجله طيات
روحه.. لكنه لم يلبث أن قرر أن يسميني "بوكاهونتاس" مثلما كانت أمي
"بوكاهونتاس".. لأكون مولِّدًا للسعادة التي ستأتي وتنتزع حزنه الأسود من ثنايا
روحه ليكون هباء تذروه الرياح.
أخبرنا "الكويكروز" أن هناك قومًا بيضا قد أتوا بسفنهم ضيوفًا على سواحل
مملكتنا.. ونصحنا الكويكروز أن نتودد إليهم أيما تودد وتلطف وأن نُريَهم كيف

يكون حسن الضيافة لدى البوهاتان.. والكويكروز كما لابد أنك تعلم هم رجال
الدين في بوهاتان.. وأصحاب الشورى.. وبالفعل لما وصل أولئك القوم بيض
الوجوه إلى سواحلنا خرجت جماعات من أفضل رجال ونساء بوهاتان لاستقبالهم
بموائد من أرقى طعام ويرو- كوموكو.. وقد فرحوا باستقبالنا أيما فرح..
وأعطونا الكثير من القطع النحاسية الثمينة.. فالنحاس في بوهاتان هو كالذهب
في سائر بلدان العالم.. حقًّا كانوا قومًا بيضا لطفاء.
مذكرة "جون سميث":
مذكرتي العزيزة.. أربعة شهور مضت علينا ونحن في هذا المكان نبني
معسكرنا ونجهز عدتنا.. ونصد هجمات عنيفة كان يشنها علينا الهنود الحمر
بين الفينة والأخرى.. حقًّا إنهم متوحشون.. ليسوا فقط متوحشين.. بل هم آكلو
لحوم بشر كما سمعت.. لقد حاولنا التودد إليهم أكثر من مرة.. وجل ما وصلنا
إليه هو تجارة أجريناها مع بعضهم ممن أتونا في سلام.. نعطيهم قِطعًا
نحاسية ويعطوننا طعامًا.. لكن مخزوننا من الطعام الذي جئنا به من إنجلترا كان
قد نفد تمامًا.. وقد نفدت منا كل القطع النحاسية التي أتينا بها.. وهؤلاء الهنود
لا يعطون شيئًا بالمجان أبدًا.. لذا قررت أن أصطحب أكثر رجالي قوة ونتوغل أكثر
في هذه القرية.. علنا نحصل على شيء يصلح للأكل.
وبينما نحن نتفقد أرجاء تلك القرية الجميلة التي لا أصدق أن سكانها بهذا
التوحش.. إذ رأينا مجموعة من هؤلاء المتوحشين أقوياء البنية يسيرون بقارب
على النهر ببطءٍ وينظرون إلينا في تحفُّز.. وبدون أن أنتظر لحظة رفعت بندقيتي
وصوبتها إليهم عازمًا على إزاحتهم عن طريقنا.. لكن أحدهم صرخ صرخة
وحشية مدوية سمعنا على إثرها حفيف أشجار كانت حولنا.. أشجار برز منها
عشرات منهم.. أُسقط في يد رجالي واستداروا هاربين.. واستدرت مع رجالي
عازما على الهرب.. فلا قدرة لدي على مواجهة كل هذه المخلوقات المفترسة

التي ترتدي الريش.. هرب رجالي ولم أقدر أنا على الهرب.. لم أتخيل أن نهايتي
ستصبح بهذه البشاعة على يد قوم حمر الوجوه يرتدون ريشا.. حاولت بكل
مهارتي أن أهرب لكنهم حاصروني من كل مكان.. فرميت سلاحي ورفعت
يدي.. وحاولت أن أتحدث معهم لكن سهما انغرز في كتفي كان أسرع من
حديثي.. ثم أظلمت الدنيا في عيني.. وسقطت على األرض.
مذكرة "بوكاهونتاس":
أربعة أشهر مرت على استضافتنا لهؤلاء القوم البيض في أرضنا.. وكان
أحدهم رجلًا شديد الوسامة ذا شعر بني.. كان في نظرنا إلهًا من الآلهة.. يحمل
في إحدى يديه سيفًا صارمًا وفي اليد الأخرى يحمل عصا الرعد.. عصا غريبة
الشكل يوجهها على من يريد أن يقتله.. فيرتفع دوي الرعد المخيف ويموت
الرجل.. كان رهيبًا هذا الرجل.. قتل بعض رجال البوهاتان بهذه الطريقة..
المشكلة أنه كان يدخل في بعض الأيام إلى بعض القرى التي أكرمت رجاله..
يدخلها دخول الصديق.. ثم يهدد زعيمها بعصا الرعد تلك حتى يعطيه ورجاله
المزيد من الطعام.. كان يفعل هذا في الأيام التي لا يزورهم فيها أحد بطعام..
نحن أهل الكرم.. لكن من المستحيل أن تطعم أكثر من مئة رجل يوميًّا لمدة
أربعة أشهر.. كانت تمضي أيام لا نزورهم فيها بطعام.. عندها يجن جنونهم
ويدور هذا الإله الوسيم بين أرجاء قرانا طلبًا للطعام.
لم يحب الكويكروز هذا أبدًا؛ لذا قرروا أن نأخذ هذا الإله ونستضيفه في ويرو-
كوموكو.. فيُحدِّثه أبي ويتفاوض معه على الكثير من الأمور.. وفي أحد الأيام
خرج عمي "أوبي- شانكا".. أصغر أخ لأبي.. وكان قوي البنية فتيًّا.. باغتهم "أوبي
–شانكا" عند النهر.. فهرب رفاق الإله الوسيم وبقى هو وحيدًا أسيرا في يد
"أوبي- شانكا" ورجاله.. كان الكويكروز يقولون إن هذا الرجل ليس إلهًا بل هو
بشري عادي وعصا الرعد التي معه هذه ماهي إلا سلاح بشري مصنوع بمهارة.

زار "أوبي- شانكا" جميع القبائل بينما ذلك الرجل الوسيم مقيد وراءه.. فعل
"أوبي- شانكا" ذلك حتى يقول لكل القبائل أن هذا الرجل ليس إلهًا.. والدليل أننا
أسرناه وقيدناه.. بل إننا ذاهبون به إلى الملك "وان- سيناكا" ليراه.. وبالطبع لم
يمسه أحد رجال البوهاتان بسوء مطلقًا سواء في عملية الأسر نفسها أو أثناء
زيارة القرى.. هكذا كانت أخلاق البوهاتان العظيمة.
مذكرة "جون سميث":
انتفضت فجأة.. رأيت أربعة هنودًا حُمرا يحيطون بي ويمسكونني بسواعد قوية
يجرونني جرًّا إلى مكان معين لا أدري ما هو.. فكرت في التملص منهم لكني
كنت داخل قريتهم المليئة بهنود حُمر آخرين ينظرون لي في فضول.. مشينا
حتى دخلوا بي إلى مبنى طويل غريب الشكل.. هناك رائحة غريبة في الجو..
وحديث بلغة متوحشة وأصوات رفيعة أسمعه كل حين.. كان يبدو أن هذا المبنى
ذو أهمية كبيرة.. هؤلاء القوم بدائيون جدًّا في مبانيهم وديكوراتهم
وملابسهم وتصرفاتهم.. وجدت نفسي أقف فجأة أمام رجل يختلف زِيّه عن بقية
أزيائهم.. وفوق رأسه عدد من الريش أكثر بكثير من البقية.. وقد دهن وجهه
بألوان غريبة.. واضح أن هذا هو الزعيم.. وواضح أنه ليس سعيدًا.. إن له ملامح لا
أظنها قد عرفت كيف تبتسم.
قال لي بصوت خشن جدًّا كلامًا خشنًا بلغة خشنة لا أدري كيف يفهمونها..
نظرت إليه بدهشة ورفعت كتفيَّ في عدم فهم.. ويبدو أنه غضب جدًا.. لكن ما
كل هؤلاء الفتيات والفتية الصغار حوله.. قال شيئًا ما بغضب للرجال المحيطين
بي.. فتحفزوا وأمسكوا بي بقسوة وأرقدوني على ظهري في منتصف هذه
الغرفة الغريبة.. ثم أخرج أحدهم سيفًا طويلًا ونظر لي بغِل .. وثبتني رفاقه بغِل
أكبر.. وقع في قلبي الخوف.. هؤلاء كما هو واضح مقبلون بعد ثوانٍ على قطع
رأسي بهذا السيف.. حاولت أن أتملص بكل قوتي لكن هيهات.. هناك ما يقرب





  رد مع اقتباس
قديم 12-20-2020, 06:32 PM   #30

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

من عشرة أذرع تمسك بي في إحكام وترفع رأسي بطريقة تبدو معها رقبتي
جاهزة لأستقبال نصل السيف.. صرخت وصرخت.. سمعت كثيرًا من الكلمات
الهندية الغاضبة التي يبدو أنها آخر كلمات سأسمعها في حياتي الحافلة..
نظرت إلى السيف بخوف.. رفعه الرجل ذو اليدين القويتين والعينين المخيفتين..
وتأهب لينزل به على رأسي.. أغمضت عيني بقوة وصرخت صرخة طويلة.
زار أذني صوت يختلف عن نوعية الأصوات التي أسمعها حولي.. صوت أنثوي كان
بعيدًا ثم اقترب حتى صار قريبًا جدًا.. ذراعان أنثويتان رقيقتان أحاطتا بي في رقة..
أنفاس أنثوية برقة الزهر شعرت بها على وجهي.. فتحت عينيَّ ببطءٍ مندهش..
رأيتها.. وكأنما توقف وعيي عن الوعي بكل شيءٍ حولي.. وصارت كل صورة
حولها مموهة وصورتها وحدها في عيني.. رأيتها وهي تصرخ وتحيط بي
وترفع يدها في وجه السياف وتضع وجهها أمام وجهي ورقبتها أمام رقبتي..
عطر أنثوي.. شعر طويل كأنه قطعة من ليل.. وعينان.. عينان ورمشان وشفتان..
هل أنا في الجنة؟ يستحيل أن أكون لازلت في تلك القرية الهندية.. إنها تضع
يديها على وجهي في رقة وتنظر إلى عيني في قلق ثم تنظر لهم في غضب.
"بوكاهونتاس".. هذا هو اسمها.. فتاة شابة في الثامنة عشر.. فاتنة سمراء..
هي ابنة الملك الهندي الغاضب.. تدخلت لتحميني من قسوة أهلها.. وقد ذهل
القوم بفعلتها هذه وتسمر الملك في مكانه وتحول غضبه إلى دهشة.. وقال
لها كلامًا بلهجة متسائلة.. فردت عليه بصوتٍ ملائكي بكلمات تمنيت من
حلاوتها ألا تنتهي.. خفض السياف سيفه.. وتراخت عضلات الرجال الممسكين
بي.. وصمت الجميع.. وتكلمت "بوكاهونتاس".
مذكرة "بوكاهونتاس":

كنت جالسة بجوار أبي كالعادة.. حتى دخل علينا "أوبي- شانكا" ومعه الرجل
الوسيم ينظر مندهشًا إلى ما حوله.. كان عمري عشرة سنوات وقتها.. كانت
المرة الأولى التي أرى فيها شخصًا من عرق مختلف.. فكنت أنظر له في دهشة
حقيقية.. قام أبي من مجلسه وحيَّاه مبتسمًا بتحية البوهاتان.. لم يفهم الرجل
شيئًا بالطبع لكن كان هناك رجل من الكويكروز ترجم للوسيم التحية بلغته
الإنجليزية.. أومأ الوسيم برأسه محييا ومدَّ يده يصافح أبي.
كان أبي سياسيًّا رائعًا.. عاتبه في البداية على مافعله في بعض القرى طلبًا
للطعام.. وعرض عليه أن يعطيه البوهاتان أرضًا أفضل من األرض التي بنوا عليها
معسكراتهم.. أرض "كاباهوسيك".. فيها ماء عذب وماء مالح.. ومخرج يمكن
أن يضعوا فيه سفنهم.. وعرض عليه أن يكونوا قرية تابعة للبوهاتان وموالية
لهم.. وسيمدهم البوهاتان بالطعام ويساعدونهم في البناء ويزوجونهم أجمل
فتيات البوهاتان.
أقام عندنا الرجل الوسيم الذي عرفت أن اسمه "جون سميث" أربعة أيام فقط..
أكرمناه فيها أيما كرم.. وكنت أقدم له الطعام بنفسي وألعب معه وأمدّ يدي
لأشد شعره الذهبي كل حين.. علمني بعض الكلمات الإنجليزية وعلمته بعض
كلمات من لغتنا.. لغة "لأجونكو".. وافق "سميث" على التعاون معنا وعلى عرض
أبي موافقة كاملة بدون شروط.. وطلب منه أبي أن يساعده ضد الإسبان
المخرّبين الذين يهاجمون مملكة بوهاتان كل فترة.. ووافق "سميث" ووعد أبي
أن يكون هو والإنجليز تحت قيادته.
مذكرة "جون سميث":
بعد أن اعترضت "بوكاهونتاس" طريق السيّاف بهذا الشكل.. تبدلت معاملة
القوم لي إلى النقيض.. يبدو أنها محبوبة جدًّا بين قومها.. أصبح الجميع

يعاملونني بلطفٍ وقدَّموا لي الطعام والشراب.. إن طعامهم غريبٌ لكن مذاقه
رائع.. شهر كامل أمضيته مع الهنود الحمر في قريتهم العجيبة.. كنت أود لو
أخطف "بوكاهونتاس" الجميلة وأهرب بها من هذه الأرض إلى أرض ليس فيها
سواي أنا وهي.
اتفق معي الملك الذي أصبحت أسميه "بالاتين" نسبة إلى "بوهاتان" على أن نكون
موالين له وأن نوقف المناوشات المتكررة بيننا.. وقال إنه سيرسل لنا الطعام
بشكلٍ منتظم.. كان يجب أن أهادنه وأوافقه.. فهو لا يعلم نية الإنجليز بعد.. إن
نيتنا هي احتلال بلاده كاملة سواء رضي بهذا أم لم يرضَ.. هذه أرض راقية
تستحق شعبًا متحضّرًا راقيًا.. ليس شعبًا همجيًّا مثل شعبه.. إلا إذا رضوا أن
يرتقوا فسيعيشون معنا في سلام.
بهذا عدت إلى المعسكر وفوجئ الرجال بعودتي.. لأنني عدت ومعي هنود
كثيرون محملون بموائد الطعام.. أثناء وجودي في المعسكر كانت
"بوكاهونتاس" تأتي كل ثلاثة أيام أو أقل لنمضي اليوم معًا على نهر يورك..
لقد أحببت "بوكاهونتاس" وأحبتني.. المشكلة أن أبوها الملك لا يقبل بالخضوع
تحت لواء إنجلترا.. بل يريد أن تخضع إنجلترا تحت لوائه هو.. وكان هذا يعني
صراعًا قريبًا.. وقتلًا كثيرًا لأهل "بوكاهونتاس".. هذا صعب على نفسي لكن
مصلحة بلادي فوق شهوتي الشخصية.. هكذا تعلمت.. لكن القدر لم يمهلني
لأشهد الحرب مع الجنود.. فوسط كل الترتيبات والتجهيزات التي كنا نقوم بها..
انفجرت ذخيرة من الذخائر في وجهي بالخطأ.
مذكرة "بوكاهونتاس":
فجأة مات "جون سميث".. قالوا لنا إنه مات وتم نقل جثته إلى إنجلترا.. بدأ أبي
ينتظر أن يعرف القائد الجديد ليعقد معه نفس الاتفاق الذي عقده مع "جون

سميث".. لكن بعد موت "جون سميث" مباشرة بدأ الإنجليز في مهاجمتنا..
وتحولت المناوشات إلى حرب طاحنة مميتة قُتِل فيها الكثير جدًّا من أبناء
البوهاتان.. كانت الأسلحة التي يستخدمها الإنجليز فتّاكة تبدو أسلحة البوهاتان
بالنسبة لها دُمى أطفال.. وقد احتاج البوهاتان وقتًا طويلًا جدًّا ليطوروا طرقًا
لمقاومة هذه األسلحة.. ظلت الحرب مشتعلة ما يقرب من األربعة سنوات.. ذقنا
فيها طعم الجحيم الحقيقي.. كان الإنجليز قومًا شديدي القسوة يقتلون بالجملة
ويستخدمون أشد الأساليب حقارة وينقضون كل العهود.
بقي الطرفان يتصارعان حتى أتى ذلك اليوم الذي ذهبت فيه بأمرٍ من أبي إلى
قرية "باتاوميكس".. وهي قرية من القرى التي لم تكن موالية للملك.. كنت
ذاهبة هناك في مناسبة اجتماعية مهمة.. ولما وصلت هناك نصبوا لي فخًّا
وخدعوني وقبضوا عليَّ.. كان الباتاوميكس هم من نصب لي الفخ.. عرفت أنهم
موالون للإنجليز ضد أبي.. شعرت بغصة في حلقي.. إنهم يودون استخدامي
للضغط على أبي.. الموت أهون علي من أكون سببًا في هزيمة أمّتي في هذه
الحرب.
كنت محبوسة في سفينة من سفنهم الكبيرة في غرفة ضيقة.. وحالتي سيئة
جدًّا بسبب اهتزاز السفينة المستمر أثناء وقوفها في الماء.. أفرغ ما في جوفي
كل يوم وأدوخ وأفقد الوعي وهؤلاء لا يفهمون أني أود االنتقال بعيدا عن
السفينة ويظنون أن ما بي هو بسبب الاكتئاب والخوف.. خسئتم جميعًا.. ليست
"بوكاهونتاس" من النساء الالتي يخفن أو يضعفن بسبب الأسر.. الأمر فقط دوّار
البحر.
وفي ظلمة الليل.. بين هزة للسفينة وهزة.. انفتح باب غرفتي الضيقة.. ودخل
كيان لم أتبينه جيدًا.. لكنه كان رجلًا ضخمًا بالتأكيد.. وقف على الباب قليلًا
كالصنم.. كان يدخّن.. أعطاه الظلام والدخان المتصاعد منظرًا مُقبِضا.. تقدَّم





  رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب ارض السافلين ♢♢للدكتور ☆ احمد خالد مصطفى ملكة جروح القصص والروايات 51 06-03-2021 08:35 AM
رواية / وإن ماخذيتك بالحلال اول عيالي سميك ..... قطر الندئ القصص والروايات 11 12-30-2020 03:32 PM
رواية روحك خمري الحلال جنة عشق القصص والروايات 6 11-21-2013 10:13 PM
أسطوووووووورة الحذااااااااء للدكتور غازي القصيبي ابو خالد الشعــــــــــــر 14 09-17-2009 05:56 AM
احلى أهداء لعيوين احلى أعضاء الشوق الدافئ التصاميم والجرافيكس 12 03-25-2008 04:29 AM



الساعة الآن 03:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas