القصص والروايات يختص بالقصص والروايات الادبيه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-19-2020, 01:17 PM   #11

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

- إذن فأنتم تظنون أننا نحتاج إلى عون بضعة فرسان من ورق أمثالكم..
هل نسي زعيمكم الغبي نفسه؟
قلت له بلهجة قوية :
- اذهب من هنا أيها الصليبي القذر.. وكلمة أخرى عن إمامنا سأجعلك
تتجرع دماءك.
رمى الفارس عباءته بعيدًا وهجم عليَّ هجمة سريعة رفع فيها سيفه وصهل
فيها حصانه.. قفزت متخليًا عن حصاني إلى الوراء مبتعدًا عن سيفه اللامع ودرت
حول نفسي دورة رميت فيها عباءتي واستللت فيها خنجري الذي رميته بحركة
خاطفة لم يتوقعها ليستقر الخنجر في عنق حصانه الذي ارتفعت قوائمه في
ألم.
نزل الفارس عن حصانه في بساطة بارعة ووقف أمامي باستعداد.. هنا رأيت
وجهه لأول مرة.. كان أعورًا ذا ملامح قاسية كأنها الصخر.. قال بصوت مخيف :
- أخبر إخوانك في الجحيم الذي سأرسلك إليه أن الفارس "جاوتير
مايزنيل" هو الذي أرسلك أيها الحثالة.
وركض ناحيتي بجسده المفتول ورفع سيفه الغاضب للمرة الثانية.. أزحت جسدي
جانبًا بتوقيت مذهل لأبتعد عن ضربة سيفه وتدحرجت على الأرض بخفة أجيدها..
واستللت سيفي من حزامي.. ونظرت له بتحفُّز.. كان ينظر لي بسخرية لم
أفهمها في اللحظة الأولى.. لكني فهمتها لما رأيته ينظر ورائي.. نظرت ورائي
بسرعة.. كانت هناك عشرة عيونًا ساخرة تنظر لي وقد استل أصحابها سيوفهم
من جيوبهم.. لم تكن عيونًا ألشخاصٍ عاديين.. كانت عيونًا لفرسان آخرين.. من
فرسان الهيكل.
نظرت له مرة أخرى في غضبٍ.. لكنه لم يُمهلني.. كانت التفاتتي إلى الوراء
كافية لأن يقطع المسافة التي بيني وبينه.. واللحظة التي أعدت فيها نظري إليه

كانت كافية لأن يمسك بسيفه ويغرزه في صدري.. سقطت على ركبتي.. فرفع
حذاءه باحتقار ودفع السيف المغروز في صدري لينغرز أكثر ويخرج من ظهري.
إن اللحظة التي تدرك فيها أنك ستموت الآن هي لحظة مخيفة جدًا.. تتوقف فيها
عن رؤية أي شيء يدور حولك.. لأنها تكون مشغولة برؤية شيء آخر.. في
البداية تًعرض عليك حياتك كلها بكل ما فيها ومن فيها في عرض مدته بضع
ثوانٍ.. وبعد أن ينتهي العرض ويُسدَل الستار تبدأ في النظر حولك.. ثم تتحسس
موضع طعنتك.. ثم تشعر شعورًا عجيبًا.. تستجمع نفسك وتقرر أنك لن تموت..
لن تؤثر فيك كل هذه الدماء والآلام.. طالما أنك تتنفس فلن تموت.. لازلتُ راكعًا
على ركبتي.. كان الفرسان يتحدثون بصوت عالٍ ويضحكون.. رفعت رأسي
إليهم.. سأهزم الموت.. كل من ماتوا استسلموا له لكنني لن أفعل.
"فإن قتلتموه دخلتم الجنة.. وإن قُتلتم دخلتم الجنة أيضًا"
الجنة.. جنة الخلد.. القيان والغانيات والأنهار.. سأدخلها كما وعدني الإمام إذا
قتلوني.. وهنا شعرت بضيق شديد في نفسي.. وبقبضة في قلبي.. ثم سعلت
دمًا.. شهقت بكل ما أوتيت من عزم حتى أتنفس تنفُّسًا طبيعيًّا لكنني لم أقدر..
حاولت بكل عزم أن أطرد كل هذا الوهن عن جسدي لكني لم أقدر.. عرفت أنها
نهايتي.. سأموت.. سأنام على جنبي على هذه الأرض وأموت.
وفعلا رقدت على جنبي ونظرت إلى المشهد المقلوب أمامي.. أقدام جياد..
تراب.. حشرة ما تمشي على الأرض.. ستحتفظ كل هذه الأشياء بحياتها بينما
سأموت أنا.. سمعت صوت حوافر جياد فرسان الهيكل وهي تمشي مبتعدة
ببطءٍ.. نظرت ناحيتهم.. بدأ أهالي المنطقة يقتربون منِّي.. أخيرًا.. أتمنى أن
يُنقذني أحدهم.. اندفع بعضهم إليَّ وحاول أحدهم أن ينتزع السيف عن جسدي
ببطءٍ ونجح في ذلك.. ثم أراحونني على أياديهم.. رأيت الكل قد تحلقوا حولي..
نظرت لهم بعين زائغة.. نظرت إلى وجوههم العربية المشفقة على حالي..

كيف هو شعورك وأنت ترى مئة شخص ينظرون إليك بشفقة وأنت تموت.. لكن
من هذا الرجل هناك؟
من بين رؤوس الناس كنت أراه.. أسودا كان.. يمشي الهوينى ناظرًا إليَّ نظرة
جامدة.. تابعته ببصري حتى خرج عن مجال حركة عيني ورقبتي وصار ورائي..
كان الناس يمسكون برأسي من حينٍ لآخر يربتون عليها ويطمئنونني.. ثم وضعوا
رأسي على الأرض بهدوء حتى واجهت عيني السماء.. أرى رؤوسهم من من
زاوية سفلية.. ثم برزت رأسه فجأة وسطهم.. ذلك الأسود.
كنت مخدوعًا يعرف يقينًا أنه مخدوع.. لكنه يكابر.. كنت أعرف أن شيئًا ما خطأ..
الإمام الأعظم.. جنة الخلد.. قتل علماء المسلمين.. مهادنة الصليبيين.. عدم
الصلاة ولا الصوم ولا الحج لأننا وصلنا لمرحلة من القرب من الله أسقطت عنا كل
التكاليف.. يقنعنا أننا متنا ويدخلنا جنة الخلد ثم يعيدنا من الموت متى يحلو له
ويظن أننا نصدقه.. لا أنكر أنه اختلطت عليَّ الأمور أثناء وجودي في جنة الخلد
تلك.. لكن عقلي لم يكن في مكانه.. كنت أشعر دائمًا أنني سكران أو طائر فوق
الناس.. لقد أعطانا الإمام كل المتع والنساء وأسقط عنا كل الواجبات.. ياله من
دينٍ رائعٍ ذلك الذي يدعو إليه.. وافق دينه هوانا وإن لم تتقبله عقولنا لكن كنا
نرمي عقولنا وراء ظهورنا.
لن تكون لي جنة اليوم بل ستكون لي نارٌ يلفح لهيبها روحي.. يا إلهي إنما هي
ساعة.. لو تؤخرني إياها أعود فيها إلى رشدي.. بل وسأقتل فيها ذلك الإمام
بيدي.. ثم أظلمت الدنيا كلها ووجدتني كأن كياني كله يتحرك بسرعة غير
طبيعية.. ثم فطنت إلى أن هذا ليس ظلامًا لكنه شيء وكأنه نفق من الظلام
تتحرك روحي فيه.. ثم وجدتني فجأة أخرج من النفق إلى نور الأرض ثانية.. ونفس
المشهد تراه عيني من زاوية سفلية.. رؤوس تنظر إلي في قلة حيلة.
أي عجب هذا.. اعتدلت على جنبي هاربًا من الزاوية السفلية الغير مريحة للرؤية
والتي تظهر الناس كلهم وكأنهم عمالقة.. هكذا أفضل.. الناس لازالوا

يتحدثون بأسى وينظرون إليَّ أو إلى الأرض.. لكن أحدهم يقترب مني.. عجوز..
كان على وجهه شبح ابتسامة ساخرة.. ظلَّ يقترب حتى صار عند رأسي.. تحول
شبح الأبتسامة إلى ابتسامة ساخرة كاملة ظهرت فيها أسنانه القليلة..
وشعيرات ذقنه المعدودة الطويلة وانشقت عيناه كعيني ثعبان.. اتسعت عيناي
عن آخرهما.. ونظرت بعيدًا.. خفت النور في المكان كله وكأن سحابة سوداء
حجبت نور الشمس.. إنه الموت.. إنه الموت يا إلهي إنه الموت.
أخذت أتلوى على الأرض محاولًا إخفاء وجهي والناس من حولي يتبرعون بتعديل
وضعي ثانية ظنًا منهم أنهم يساعدونني بشكل ما..
(قل لا إله إلا الله)..
ظلَّ شيء ضخم مرَّ على عيني فنظرت في كل مكان بذعر ولم أجده..
(أيها الفارس قل لا إله إلا الله). .
وجه العجوز الثعبان يبدو لي بين وجوه الناس وكأنه الوحيد المسلَّط عليه الضوء..
ويُخرج لي لسانه المشقوق.. من هذا ياربي هل هو ملك الموت؟ يارب أرجوك
أعدني.. لا تفعل بي هذا. .
حاولت أن أُخرِج صرخة بكل قوتي لكنها خرجت سعالًا. . فلينقذني أحدكم.. أو
ليقتلني أحدكم.. لا أريد أن أرى ما أنا مقبل على أن أراه.. فليفقأ أحدكم عيني..
فلتقرأوا عليَّ قرآنا ربما يشفع لي.. افعلوا أي شيء. .
بدأت عضلات معينة في جسدي تتشنج لتجبرني على اتخاذ وضع معين.. انضمت
ساقاي على بعضها وتقوس ظهري قليلًا وتشنجت رقبتي إلى اليسار.. شعرت
باختناق داخلي لا علاقة له برقبتي.. اختناق في الصدر.. بدأت أسمع دقات قلبي
بوضوح.. ثم رأيته.. بل رأيتهم.

كانوا ثلاثة.. أحدهم هو ذلك الأسود الذي رأيته يمر بين الناس.. والأثنان الباقيان
أحدهما أسود كأخوه والآخر يختلف عنهما في كل شيء.. كنت أرى ملائكة..
ملائكة حقيقيين.. ليسوا كالملائكة البشريين الذين رأيتهم في جنة "الحسن
الصباح".. يالهذا الأسم القميء.. كم أكرهه.
إن ما حدث بعد ذلك لهو مما لا يُحكَى ولا يُقَال.. اقتٌلعت روحي منِّي كأنما تقتلع
سفودا مسننا من صوف مبلول.. يشدها ثلاثتهم بأيادٍ غليظة شديدة.. ووَجدتُ
من روحي رائحة منتنة كأنها القبر.. يا إلهي هل أنا بهذا السوء.. إن الألم الذي
شعرت به لم يكن يراه أحد.. فقط وجدوا من وريدي انقطاعًا عن النبض ومن
عيني انقطاعًا عن الحياة.. لم يرَ أحدهم شيئًا.. ورأيتُ روحي وهي تخرج من
جسدي المحاط بالناس.. تخرج وترفعها الملائكة ويضعونها في خرقة سيئة..
ثم رأيتني أرتفع بسرعة حتى اختفى كل أثر لكل موجود من موجودات الأرض..
وحلت محلَّها موجودات أخرى لم ترها عين بشر من قبل.. موجودات لا ينبغي أن
يعرفها بشر.. إلا إذا ماتوا.
تـمَّت
****





  رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب ارض السافلين ♢♢للدكتور ☆ احمد خالد مصطفى ملكة جروح القصص والروايات 51 06-03-2021 08:35 AM
رواية / وإن ماخذيتك بالحلال اول عيالي سميك ..... قطر الندئ القصص والروايات 11 12-30-2020 03:32 PM
رواية روحك خمري الحلال جنة عشق القصص والروايات 6 11-21-2013 10:13 PM
أسطوووووووورة الحذااااااااء للدكتور غازي القصيبي ابو خالد الشعــــــــــــر 14 09-17-2009 05:56 AM
احلى أهداء لعيوين احلى أعضاء الشوق الدافئ التصاميم والجرافيكس 12 03-25-2008 04:29 AM



الساعة الآن 07:55 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas