منتديات جروح

منتديات جروح (https://www.jro00o7.net/vb/index.php)
-   القصص والروايات (https://www.jro00o7.net/vb/forumdisplay.php?f=10)
-   -   أنتيخريستوس رواية للدكتور احمد خالد مصطفى (https://www.jro00o7.net/vb/showthread.php?t=14200)

ملكة جروح 12-15-2020 05:09 PM

أنتيخريستوس رواية للدكتور احمد خالد مصطفى
 
أنتيخريستوس
رواية
د.أحمد خالد



تنويه
جميع الشخصيات المذكورة في هذه الرواية هي
شخصيات حقيقية.. بإنسها وجنّها وشياطينها.. وأغلب
الأحداث المحكية مبنية على أحداثٍ ووقائع حقيقية مُثبَتة.


لقد أصبحنا وحدنا أخيرًا. . أنا وأنت..
أخيرًا انفردت بك..
وصرت أملكك.. وأملك عينيك.. في كل مرة تنظر فيها إلى كلماتي.. وتقرأ
فيها سطوري..
ستكون هذه هي آخر رواية تقرأها لي في حياتك.. فأنا على شفا حفرة من
الموت..
ولم يتبقَ لي في هذه الحياة إلا سويعات لا أدري عددها.. لكنني أعرف أنها
قليلة.. وبرغم ذلك فهي كافية ألسقيك بما أريد أن أسقيك إياه من الحديث.
قبل أن أبدأ أقول لك :يجب أن تقرأ هذا الكتاب وتحرقه.. فسيحاولون التخلص
منه ومن كل من قرأه.. كما فعلوا مع كل الكتب التي شابهته.
لا تجزع.. فقط تذكر كلماتي جيدًا.. ولو أنهم قتلوك بعد أن أعلمتك كلماتي
هذه فستموت راضيًا.. ومن ذا الذي يحلم أن يموت راضيًا في هذا العصر؟ فال
تجزع يا صديقي.
مَن أنا؟ وأين؟ ولماذا؟ وكيف؟ كلها أسئلة أعرف أنها تراودك.. وربما تود أن
ترمي هذا الكتاب اآلن وتمضي إلى حياتك .. ولكني أؤكد لك.. ليس هناك فارق
بالنسبة لهم بين من اقتناه وقرأه.. ومن اقتناه ورماه في أقرب قمامة.. إنهم
يبيدون الجميع ..
لكن قد تكون لقارئه فرصة في النجاة.. لا تنظر لي هكذا.. فرغم أنني كاتبه..
إلا أنني ميّت لا محالة.. وسيقتحمون عليَّ غرفتي هذه بعد قليل ويبيدونني من على
وجه الأرض كأن لم أكن عليها يومًا..
لا تضع وقتي في الشرح والكلام الفارغ.. ودعني أبدأ معك على الفور.. فلم يعد
هناك وقت نضيعه أنا وأنت..


ستعرف في حديثي هذا أمورًا.. وستُنكر أمورًا أكثر.. ستعجبك فيه أمورًا..
وستكره أمورًا.. لكن دعني أخبرك بأمرٍ هامٍ: أنا لن أكذب عليك أبدًا.. أنا فقط
سأخبرك بالحقيقة التي لم يخبرك إياها قبلي أحدٌ.. سأعلمك أسرارًا لم يكن
ينبغي على من مثلك معرفتها.. ولو أنني كذبت عليك ما قتلوني.. بل لكافؤوني
واحتفوا بي كما يفعلون مع الجميع..
أعرف أنك شخص ملول.. إما أنك لست من هواة القراءة.. وإما أنت من هواتها
لكنك لا تُلقي بالًا للكتب التي لا تزيّنها أسماء لكتاب كبار.. لذلك وحتى أجعلك
تقرأ كتابي هذا كاملًا كما يجب أن تقرأه.. ابتكرت لك لعبة سنلعبها أنا وأنت..
ولن يشاركنا فيها أحد.
لعبة الاوراق.. ليست أوراق البصرة.. ولا أوراق التاروت.. بل هي أوراق من طراز
آخر.. طراز ملعون.. وأهم شيء فيها الترتيب.. فلو رُتِّبَت على غير ما أراد لها
صانعها أن تُرتَّب ستكون مجرد أوراقٍ بلا قيمة.. أما لو رُتِّبت الترتيب الصحيح..
كما سنفعل بها أنا وأنت.. فستفتح لك أبوابًا من الأسرار لم يخبرك إياها أحد..
ولن يخبرك إياها أحد.. أسرار خطرة.. يُقتل كل من يعرفها.. ويُحرق كل من
يتعلمها ويُعَلِمها..
سألقي أمامك ثلاث عشرة مجموعة من الأوراق.. كل مجموعة منها تحكي
قصة.. وتحكي سِرًّا يريدون أن يخفوه عن أمثالك.. وسيالحقونك لأنك عرفته..
ولأنك شخص ملول وأنا أقدِّر هذا؛ فكل حكاية من تلك الحكايات الثلاث عشر
ستُعرَض لك بطريقة تختلف عن سابقتها.. هل رأيت كيف أنني حريصٌ على لفت
نظرك.. وليس هذا إلا لأن ما بقى لي في الحياة قليل.. وأود ألا أضيع لحظة واحدة
منها في شرودٍ يشرده عقلك الملول.
ولكن يمكنك أن تشرد كما يحلو لك بين كل حكاية وحكاية.. لأنني سأثرثر
قليلًا.. ورغم أنها ثرثرة مهمة جدًّا إلا أنه لو كان لابد لك أن تشرد فلتشرد في
هذه المساحة فقط ولا تتعدَها.

وكلما تقدمنا أنا وأنت في اللعب خطوة.. سأخبرك أكثر عن نفسي.. ومن أين
أتيت.. وكيف وصلت إليك.. ومن هُم الذين سيقتلونك ويحرقونك بعد أن يقتلوني
ويحرقوني.. وكيف تنجو بنفسك منهم.. أما الآن فلن أخبرك سوى باسمي.. أنا
"بوبي فرانك".. أراك قد استنتجت من اسمي أنني أمريكي.. هذا صحيح.
في النهاية وقبل أن نبدأ..أريد أن أنبّهك إلى أمرٍ هام؛ لا تظن أنه يمكنك أن تقرأ
هذا الكتاب على مرة واحدة في جلسة رائقة في مكانك المفضل.. عليك أن تقرأ
هذا الكتاب على ثلاث عشرة مرة؛ حتى تستطيع استيعابه جيدًا.
وآلان دعنا نبدأ لعبتنا التي لن أخبرك باسمها الا فيما بعد.. يكفيك آلان أن تعرف
أنها لعبة أوراق.. أوراق لعينة.. والآن فلتجلس أمامي في هدوء.. ولتنظر إلى
المجموعة ألاولى من ألاوراق التي سأضعها لك آلان بالترتيب على الطاولة.. أعرف
أن النور الخافت الذي أستخدمه في غرفتي يسبِّب الصداع لكن لا عليك.. إنه
ضروري.. والآن فلنبدأ..
لقد وضعت أمامك الان سِتَّ ورقات مقلوبة.. وسأكشفها لك واحدة واحدة
بالترتيب الصحيح المطلوب.. الترتيب الذي سيحكي القصة ألأولى.. ويكشف السر
الأول.. تابع معي..
الورقة الأولى عليها صورة شيطان رجيم له قرنان.. ويبدو في أشد حالاته غضبًا..
الورقة الثانية هي ورقة السحر .. سحر الأرض وعليها صورة نور ينبثق من باطن
الأرض محطمًا عدة صخور حوله..
والثالثة هي ورقة سحر الهواء وفيها رجل ساحر يُلقي بتعويذة ما في الهواء..
الورقة الرابعة هي ورقة القوة المطلقة.. وعليها صورة قبضة رجل قوي
يرتدي خاتمًا ذهبيًا كبيرًا..
الورقة الخامسة عليها صور أصنام وتبدو وكأن أحدهم قد حطمها..

ملكة جروح 12-15-2020 05:15 PM


الورقة السادسة والأخيرة هي ورقة المطرقة.. وعليها صورة رجل قوي.. حدَّاد
يمسك بمطرقة عظيمة ويلوح بها في غِل .
حتى وإن نسيت هذه الصور والأوراق آلان فستومض في ذاكرتك بوضوح وأنا
أتلو على مسامعك الحكاية الأولى.. والسر الأول..
****

ملكة جروح 12-15-2020 05:33 PM

أميرالنور
يوم خلق النور. .2500 قبل الميلاد –2000 قبل الميلاد


"سأغنّي هذه الأغنية للإله
.. عندما يأتي المخلص العظيم.. وهذه الفتاة البريئة
القلقة الجميلة.. هيا تعال وحررها اآلن " أغنية بابلية قديمة بصوت عجوز ولغة
بابلية قديمة كان يغنيها.. ويحرِّك رأسه طربًا.. كان صوته رخيمًا جميلًا.. لكن
موسيقى الخلفية لم تكن متوافقة مع جمال صوته.. لقد كان يغني على صوت
أغنام تسرح في المرعى.. أغنام يهش بعصاه عليها من آنٍ لأخر.. لقد كان
سعيدًا.. ومن ذا الذي يمشي في مثل هذه الطبيعة الساحرة ولا يكون سعيدًا..
نحن في مملكة آشور القديمة قُرب مدينة بابل.. أعظم مدينة رأتها عين إنس أو
جن في التاريخ.. وهذا الراعي ذو الصوت الرخيم هو العجوز "إيشما".
"ولمّا يأتي المخلص العظيم.. ستتحررين بالتأكيد "
قبل أكثر من أربعة الاف عام.. كانت الأرض غير الأرض.. والسماء غير السماء..
كان "إيشما" يمكنه أن ينظر إلى البِركة التي يمشي بجوارها فيرى كل
أسماكها وأصدافها وكأنه ينظر إلى الطيور في السماء.. قبل أكثر من أربعة
الآف عام .. كل شيء كان طاهرا شديد النقاء.. ويبدو أن "إيشما" العجوز قد
قرر أن يستريح قليلًا.. فتوجه إلى شجرة قريبة اعتاد أن يترك عندها طعامه.. ولما
وصل إلى طعامه نظر إليه بدهشة.. لقد كان مفتوحًا.
هؤلاء اللصوص الفقراء لن يتعلموا أبدًا.. لو أنهم سألوه طعامًا لأعطاهم..
لكنهم يؤثرون السرقة.. تأبى نفوسهم مسألة الناس وترتضي سرقتهم.. لكن
"إيشما" قد استغرب جدًّا لما أعاد النظر إلى الطعام.. فبرغم أن الكيس مفتوح..
إلا أن الطعام موجود والحليب موجود.. لكن الجُبن مأكولة منه قطعًا صغيرة
جدًا.. والحليب ناقص نقصًا يسيرًا لا يُسمِن ولا يُغني من جوع.. جلس "إيشما"
وأكل وشرب واستراح في ظِل الشجرة.. ثم قرر أن ينزل ليغتسل في البركة..
وكما يفعل الرعاة الذين يستحمون في البرك في كل الممالك القديمة.. خلع
ملابسه كلها ونزل إلى الماء.


بينما "إيشما" العجوز يستحم.. كان ينظر إلى متاعه من آنٍ لآخر نظرات لا
شعورية.. وفجأة أتى سِرب من الحمام جميل المنظر وحط عند طعامه.. وأخذ
الحمام ينقرون الجبن نقرات صغيرة ويمألون مناقيرهم الصغيرة بالحليب في
مشهد غريب ثم يطيرون ويحطون في مكان غير بعيد.. ويمكثون بضع دقائق
هناك ثم يطيرون عائدين إلى طعامه.. فينقرون ويمألون مناقيرهم ثم يطيرون
إلى المكان ذاته.
خرج "إيشما" من البركة ووارتدى مالبسه البابلية القديمة.. لكنه لم يتجه إلى
متاعه.. بل اتجه إلى ذلك المكان الذي تطير إليه الحمائم بهذا الحماس الغريب..
وهناك وجد شيئًا اتسعت له عيناه العجوزتان في دهشة وانبهار؛ وجد طفلة
جميلة ابنة التسع سنوات لم ترَ عيناه بمثل جمالها.. لكن ليس هذا ما أدهشه..
ما اتسعت عيناه له انبهارًا هو أن الحمائم كانت تحيط بها وتطعمها وتسقيها
من مناقيرها لبنا.
كانت الطفلة تضحك وتحرك يديها بسعادة.. ولما اقترب منها "إيشما" ضحكت
له ضحكة نزلت لبراءتها دموعه الحانية.. وبعقلية راعٍ بابليّ قديم كان ما
يشاهده يعني شيئًا أسطوريًّا ما.. حملها "إيشما" برفقٍ ورفعها إلى السماء..
وكانت الحمائم تطير من حولهما بسعادة لم يجد لها تفسيرًا.. نظر "إيشما" إلى
عينيها الصغيرتين الجميلتين.. إنها المرة الأولى التي يرى فيها طفلة لديها هذه
الرموش الرائعة.. قرر "إيشما" أن يأخذ هذه الطفلة معه ليربيها.. وقرر أيضًا أن
يسميها اسمًا أوحاه إليه الموقف.. سمَّاها "محبوبة الحمائم".. الاسم الذي كان
لما ينطق بالبابلية القديمة يبدو مألوفًا.. كان يُنطَق بالبابلية "سميراميس".
"عندما يأتي المخلص العظيم.. وهذه الفتاة البريئة القلقة الجميلة.. هيا تعال
وحررها الان "
* * *

إنه الاحتفال العظيم في بابل.. وعندما تحتفل بابل فزِد على جمالها ألف جمال
ومتِّع ناظريك.. عندما تلتقي الجبال الخضراء والسهول وألانهار الصافية بالرخام
الأبيض وألأزرق المميز للقصور البابلية والرسومات الكبيرة التي تغطي الجدران..
عندما يلتقي كل هذا باألطفال الذين ينثرون أوراق الزعفران في الهواء والخيول
التي ترقص والبشر الذين يحتفلون في أكثر لباسهم وصروحهم أناقة في
التاريخ.. عندها تعرف أن هناك حدثًا مهمًّا جدًّا يمر عليهم.. عندما ترى الزعفران
يغطي ألارض بهذا الشكل تعرف أن هناك مولودًا جديدًا للملك "كوش" والملكة
"أوداج".. مولود ذكر.. فهذه الاحتفالات لا تقام لو كان المولود أنثى.
هاهو المولود موضوع في الهودج تحيط به الوالًدات أو المايات كما يطلقون
عليهم هنا )جمع مايا(.. وهم الذين سهروا على رعاية الأم حتى تمت الوالدة..
اقترب أكثر من الهودج وألقِ نظرة على هذا الصغير.. ستسمع أثناء اقترابك
الكثير من الكلمات على طراز "يالروعة هاتين العينين" أو "إنه أروع طفل رأته
عيناي".. هذا يحفزك أكثر للنظر إلى الطفل.. هاهو أمامك.. الجمال مجسَّد في
رأسٍ صغيرٍ وعينين حادتين.. لكن هناك مشهدًا آخر سيقلقك.. فمثلما تحيط
بهذا الطفل الولَّادات ذوات الأيادي الناعمات وأوراق الزعفران المتناثرة في
الهواء.. فأنت ترى أشياء أخرى تحيط به.. ليست أشياء في الواقع.. بل كانت
شياطين.. نعم شياطين.. كانوا يبتسمون بشيطانية تجيدها كل الشياطين..
وكانوا يتلون شيئًا ما.. برغم كل الحقائب المطرزة يدويًّا والمليئة بالودع األزرق
والثوم والموضوعة حول الهودج في كل مكان لطرد األرواح الشريرة.. وبرغم
أن المايات وضعن أصابعهن في الزعفران وبصموا به على جبهة الملكة "أوداج"
لحفظ الطفل من الشياطين.
وفجأة سكت الجميع وتكلم الشيخ الكبير أو الموهيل كما يلقبونه في بابل.. قال
الشيخ :

ملكة جروح 12-15-2020 06:41 PM

- اليوم أتشرف وتتشرف البشرية ووتتشرف الأرض كلها بوالدة الابن
الذَّكَر الذي سيحمل اسم الملك العظيم كوش.. الابن العظيم الذي
قررت العائلة أن تسميه "زاهاك".
وهنا ضج الجمع بصيحات السعادة.. لكن اسم "زاهاك" لم يكن ذا معنى محبب
على أي حال.. لقد كان االسم يعني باللغة البابلية الثعبان اللاسع.. وعلى ذِكر
الثعابين اللاسعة كان لضحكات الشياطين من بين أنيابها فحيح سعيد. . فحيح
شيطاني سعيد.
* * *
نظر الراعي العجوز "إيشما" إلى تلك التحفة الأنثوية النائمة التي بدا أنها نزلت من
السماء إليه وحده.. تلك التحفة الصغيرة التي سمَّاها "سميراميس".. إنه مجرد
راعٍ فقير يجوع أكثر اليوم.. إن مكان هذه الجوهرة الصغيرة ليس بالتأكيد بين
تلك الجدران المتهالكة التي يعيش وسطها.. لابد أن الألهة تدخر لجمالها مكانًا
أكثر أناقة.. وهنا فاجأت دماغه العجوز فكرة عظيمة بشأن "سميراميس".
غدًا سيُقَام سوق "نينوى" العظيم.. والذي يتفق مع موسم الزواج الذي يُقَام كل
عام في بابل؛ حيث يجتمع الشبان والفتيات من كل أرجاء مملكة آشور العظيمة
فينتقي كل شاب عروسًا تناسبه.. ويشتري الكهول الفتيات الصغار لتربيتهن
حتى يبلغن سن الزواج فيتزوجوهن أو يقدموهن ألحد أبنائهم كزوجات. . نظر
إلى عيني "سميراميس" الجميلتين وعقد العزم أن يمضي غدًا إلى "نينوى".
ومضى "إيشما" العجوز حاملًا "سميراميس" الصغيرة على كتفه إلى "نينوى"..
ولو تحدثت الأناقة يومًا لقالت "نينوى".. كان "إيشما" قد لبس أفضل ما عنده
لكنه بدا متسوّلًا بالطبع وسط هذا السوق الذي يتنافس فيه كل ذي جمال
للحصول على كل ذات حسن.. كانت "سميراميس" تضحك ضحكتها الساحرة

التي خطفت أعين الكل وأثارت تساؤلاتهم عن هية ذلك المتسول الذي يحمل
لؤلؤة بين ذراعيه.
في نفس الوقت الذي كان "سيما" ناظر خيول الملك يمر في السوق.. كان يبحث
عن خيول جديدة يشتريها للملك.. وحانت منه نظرة التقطت فيها عيناه صورة
"سميراميس" الصغيرة.. نسي "سيما" الخيول ونسي الملك ونسي كل شيء
وتذكَّر شيئًا واحدًا.. تذكر أنه عقيم لا يلد.. نظر مرة أخرى إلى الصغيرة.. شعرٌ
بُنيّ كأنه الذهب.. كيف يصير البُنيّ ذهبًا؟ هذا لا يمكن شرحه إلا لو رأيت شعر
هذه الفتاة.. عينان تختصران كلمة أنثى إذا نظرتَ إليهما.. شفتان دقيقتان.. ترك
"سيما" كل شيء وتوجه إلى الراعي العجوز.. إلى "إيشما".
نظر "إيشما" إلى ملابسه الملكية في حذرٍ.. وابتسمت له الفتاة الصغيرة في
سحرٍ.. دقت له كل دقات الأبوة الباقية في قلبه.. وجرت لتلقي نفسها بين
ذراعيه.. التقطها ورفعها إلى السماء بسعادة.. وأخرج من جيبه كيسًا من
العملات الذهبية كان سيشتري به أغلى خيل في السوق.. نظر "إيشما" إلى
الكيس بلهفة وسعادة.. ثم إنه قبل يد "سيما".. ومضى في طريقه يغني:
"ولما يأتي المخلّص العظيم.. ستتحررين بالتأكيد "
* * *

كانت هناك منصة كبيرة دائرية ذات رخام أبيض وذهبي.. تحيط بها التماثيل
البابلية الموحية.. وفي منتصف المنصة نافورة مزخرفة تسحب الماء من النهر
وتضخه بشكلٍ خيالي لا يمكنك أن تصدق أنه كان موجودًا بهذه الدقة قبل أكثر
من أربعة آلاف عام.. غضَّ بصرك عن كل الفتيات العاريات الممددات أو الواقفات
هنا وهناك بجوار فتى في غاية الوسامة يجلس وسطهن بهدوء.. انظر إلى قوة
وفتوة ووسامة هذا الفتى.. انظر إلى سحر الطبيعة وسحر البناء البابلي من
حوله.. أنت في أحد القصور الملكية ببابل.. وهذا الوسيم هو "زاهاك" ابن الملك
كوش بعد مرور مئة سنة على والدته.. لا ترفع حاجبيك في استغراب.. فأعمار
البشر حينها كانت مابين خمسمئة وألف.
ها أنت تدير عينيك يمينًا ويسارًا لتملأهما بجمال هذا المنظر الساحر.. إن أجمل
منتجع في هاوي يبدو بشعًا مقارنة بهذا السحر.. لكن عينيك توقفتا فجأة على
شيء أفسد استمتاع عينيك؛ رجل عجوز كسيح.. أكثر أسنانه ليست في فمه..
تخرج من ذقنه شعرات معدودة مجعدة طويلة بشكل عجيب لم ترَه في أشد
الصور غباء.. يرتدي عباءة سوداء ممزقة من هنا وهناك.. وهاهو يقترب من
المنصة بخطوات عرجاء.
صعد الرجل العجوز إلى المنصة الرخامية.. قابلته نظرات امتعاض أنثوي من
العاريات.. ضيًق "زاهاك" عينيه الوسيمتين ونظر إليه بهدوء.. وبادره بلهجة
ساخرة واثقة:
- كيف دخلت هنا أيها المسخ الاجرب؟
نظر له العجوز بعينين فيهما بريق وحيوية مريبين.. وقال بصوتٍ هو أقرب لصوت
الحية:
- مررت بعرجتي هذه عبر مسوخ جُرب كثيرين يرتدون قلنسوات
مضحكة ويقفون كأن على كروشهم الطير.. يحرسون ما يلقبونه


بابن "كوش" العظيم.. فتملكني فضول لرؤية ابن "كوش" هذا.. وإذ
بي أجده مستلقيًا كأنه البغل وسط الإناث حتى صار واحدة منهن.. ال
سيف يُسن.. ولا رمح يُعد.
وضعت العاريات أياديهن على قلوبهن.. وتحفز الحرس حول "زاهاك"..
وتوجهت كل الأنظار إلى "زاهاك" الذي قام معتدلًا من مجلسه بسرعة كالمارد
واختطف أحد الرماح من أحد حُرَّاسه وألقاه بيد خبيرة حتى انغرست في قلب
العجوز الذي سقط كالحجر.. قال "زاهاك" بغضبٍ شديدٍ:
- ألقوا هذا الحثالة إلى األسود.. واعتذروا لها عن هذا اللحم العفن الذي
سنطعمها إياه اليوم.
حمل الحراس العجوز الذي بدا وكأنه مات من فوره كالجلمود وألقوا به إلى
حفرة قريبة واسعة مزيَّنة جدرانها برسومات الأسود الماشية التي تعتبر رمزًا
من رموز الحضارة البابلية.. وهي أيضًا مليئة بالأسود الحقيقية التي تزأر في
غضبٍ جائعٍ الأسود التي بدا وكأنها مئة أسد جائع مزقوا جثة العجوز قبل حتى أن
تحط على الأرض.. قال "زاهاك" بغضب:
- ألقوا حراس المنصة كلهم وراءه.. يبدو أن أبي "كوش" العظيم لايعرف كيف
يختار رجاله.
غادر "زاهاك" المنصة واتجه إلى داخل القصر البابلي العظيم.. ومشى فيه
بغضب هادر يُعنف كل من يجده أمامه من الحراس.. حتى وصل إلى غرفته
المزين بابها بالعديد من الألوان والزخارف.. فتح بابها وأغلقه بغضبٍ.. ثم إنه..
- لم أعد أذكر أن لك اسمًا ما يابن "كوش" العظيم.
نظر "زاهاك" إلى مصدر الصوت بعينين متسعتين.. كان رجلًا أكثر من نصف
أسنانه مفقودة.. ولديه عشر شعرات غريبات في ذقنه العجوز.. يرتدي عباءة
سوداء ممزقة أطرافها.. ولديه صوت أشبه ما يكون بصوت الحية.
* * *

هانحن مرة أخرى في بابل.. ولكن بعيدًا عن القصور الملكية.. في ضواحي
المدينة التي لم تكن مبانيها العادية أقل جمالًا من قصورها.. كان هناك رجل
بملابس تبدو ملكية يمتطي صهوة جواد أصيل ويحيط به الكثير من الرجال ذوو
الملابس المتشابهة والجياد المتشابهة.. كان هذا هو "أونس" مستشار الملك..
وقد أتى للمدينة بفوجٍ ملكي حتى يُبلغ أهلها بأوامر الملك التي لا تنتهي.. كان
ألاهالي محتشدين أمامه في قلقٍ وملل.. وكان "سيما" ناظر خيول الملك واحدًا
من المحيطين بالمستشار "أونس.
ومن بين جنبات صمت ألاهالي ومللهم شق الهواء صوت جواد آتٍ من بعيدٍ
بسرعة مجنونة.. التفتت إليه رؤوس كل الأهالي في دهشة وتبعتهم رؤوس
الوفد الملكي في غضب.. وتحولت كل دهشة إلى إعجاب وكل غضب إلى
دهشة.. لقد شقَّ جمود المشهد جواد أسود قوي يمتطيه ما بدا في الأفق وكأنه
فارس مغوار.. وليس هذا ما غيَّر تعابير القوم بهذا الشكل.. لقد تغيرت
تعابيرهم لأن القادم لم يكن فارسًا.. بل كانت "سميراميس".
- هل فاتني الشيء الكثير؟
قالتها بمرح وثقة لا يجتمعان إالا لديها.. دعك من الصمت الذي قابل عبارتها..
دعك من نظرات الاهالي إلى بعضهم والتي تحمل معانى أشبه بـ - انظروا إلى
هذا الفرس الذي يمتطي فرسا - .. دعك من كل هذا وانظر إلى الفوج الملكي..
وتحديدًا إلى "أونس" الذي سقط منه لباس الصرامة الذي كان يضعه على
وجهه.. سقط إلى أسفل قدمي جواده.. وسرحت عيناه في عالم لم يرَه من قبل..
تاهت عيناه في زحام من الجمال والرقة والأنوثة و...
- كيف تركضين بالفرس بهذا الجنون في ضواحي المدينة يا
"سميراميس"؟ وكيف تتخلفين عن حشد الملك؟
- لقد أمرتني أن أحاول ترويض الحصان "ليجيش" يا أبي.. وهاهو أمامك
كالمهر.

قالتها بنظرة أنثوية إلى المستشار "أونس" الذي كانت هذه النظرة كافية
لتقضي على كل ما تبقى من رزانته. . فقال بصوت خافت للحشد :
- فلينصرف كل منكم إلى متاعه.
تحرك الحشد مستديرين مهمهمين واستدارت "سميراميس" بجوادها لكن
صوت "سيما" الهادر أوقفها قائلًا:
- "شميرام" تعالي إلى هنا وقبلي يد المستشار واعتذري له.. فقد أفسد
قدومك حديثه.
نزلت "سميراميس" من على صهوة جوادها كفارسة حقيقية.. وتوجهت ناحية
"أونس" ناظرة إليه تلك النظرة الانثوية إياها.. والتي زلزلته هذه المرة فبدا وكأنه
هو الذي أخطأ ويريد الاعتذار على شيء ما.. مدت "سميراميس" يدها الجميلة
إليه ببطء حتى أمسكت بيده ببطء.. لكن يده جذبت يدها فجأة إليه ليُقبل هو
يدها ويقول في خفوتٍ. .
- - سيدة شميرام".. أن تقبلي أن تكوني لي زوجة هو الطريق الوحيد
الذي سيجعل قلبي يسامحك على ما فعلته به.
نظرت "سميراميس" إلى "سيما" الذي كان ينظر لها نظرة أبوية مبتسمة
مشجعة.. ثم نظرت إلى "أونس".. رجل قوي ذو منصب هو الأعلى في الدولة..
تنحى قلبها جانبا وتحدث عقلها بالموافقة.. وأصبحت "شميرام" في الليلة التالية
زوجة "أونس".. المستشار الأعلى للملك "كوش" العظيم.. ملك المملكة البابلية
كلها.
* * *

ملكة جروح 12-15-2020 06:55 PM

ورغم أنَّ عينيْ "زاهاك" الوسيم قد اتسعتا لثانية.. إلا أنهما غضبتا في الثانية
التالية واستعاد قلبه جأشه وتحفزت عضلات ساعديه وهجم على العجوز البشع
هجمة ثائرة.. لم يتحرك العجوز من مكانه قيد أنمله ولم تطرف عيناه طرفة..
بل كان ينظر بسخرية إلى هجمة "زاهاك" التي مدَّ فيها يده ليمسك بتالبيب
العجوز ويرديه حيث يرديه.. لكن هجمة "زاهاك" تلك لم تنته إلا بعظيم اتساع
في عينيه.. وبنظرة إلى العجوز غير مصدقٍ لما يراه.
لقد مرَّ من العجوز كما يمر من الهواء.. فالتفت بحدة إلى العجوز ليجده واقفًا
في موضعه ناظرًا بعينيه الساخرتين إليه نظرة هزت كيانه.. أي إنسانٍ هذا..
العجيب أن ردة فعل "زاهاك" لم تكن مرتعبة بقدر ما كانت متحيرة.. ثم حسم
أمره فجأة وتوجه بسرعة إلى المشعل الذي يضيء الغرفة بالنار.. وحمله بيدٍ
واحدة ثم ألقاه بكل عزمه على العجوز الواقف.. ورأى بأُمّ عينه المشعل يمر من
بين جسد العجوز ويسقط على الأرض.. وهنا تحولت نظرة العجوز إلى نظرة
مخيفة وسًع فيها عينيه بغضب ثم نظر إلى المشعل نظرة واحدة أطفأت
المشعل مكانه.
بدأ عقل "زاهاك" البابلي القديم يفكر غير عالِمٍ ماذا يصنع بالضبط.. لكن العجوز
كان هو من تحرك هذه المرة.. في أقل من طرفة عين كان عند المشعل يحمله..
وفي الطرفة الثانية حدث ما جعل "زاهاك" يتراجع تلقائيًّا.. لقد أصبح العجوز
عجوزين ثم ثالثة ثم عشرة.. ثم تضاعف عدد العجزة حتى أصبح بعضهم يطير
في الهواء.. وكلهم يحملون المشاعل.. ثم ألقوها كلهم برمية رجل واحد على
"زاهاك" الذي تراجع فتعثرت قدمه فوقع على ظهره.. واشتعلت النار في
الغرفة حول "زاهاك" الذي لم يدرِ كيف يهرب.. كان العجوز ينفذ إلى عقل
"زاهاك" ويقرأ ما يفكر فيه.. والعجيب أن كل ما كان يملأ عقل "زاهاك" هو
ثورة الغضب والإصرار على هزيمة هذا الكيان الذي لا يدري له تعريفًا.. وكان

هذا يُعجب العجوز.. وفجأة تحول أكثر من خمسين عجوزًا إلى عجوز واحد يتقدم
إلى "زاهاك" وسط النيران ويقول له بصوت كفحيح الثعابين :
- لا تزعج نفسك بالتفكير بعقلك القاصر يا ابن "كوش".. فال قبل لك
بي.
- رفع "زاهاك" ذراعه أمام عينه محاولا تخفيف وهج النيران عليها
وقال:
- من.. من أنت يا هذا؟
قال له العجوز ببطء حاد :
- أنا "لوسيفر".. أمير النور يوم خُلق النور.
وفجأة انطفأت النيران وكأنها كانت وهمًا قاسيًا.. فأكمل "لوسيفر" :
- أنت المختار يا ابن "كوش".. أنت من اختاره نوري وبصيرتي.. بي وحدي
ستكون أعظم أهل الأرض.. وبي وحدي ستتعلم سر الـ "ماجي".. وبي
وحدي ستملك الأرض بإنسها وجنها وكنوزها.
همَّ "زاهاك أن يتحدث لكن "لوسيفر" أكمل حديثه :
- ليس سواك يصلح ليكون جبار الأرض.. ليس سواك يصلح أن يقود
هؤلاء النعاج.. ليس لسواك أن يعلم سر الـ "ماجي".. فلو أردت أن
يحصل كيانك الفاني على كل تلك القوة التي لم أرِك منها سوى
مثقال ذرة.. ائتني عند جبل دنباوند.. واسأل الصِبية هناك عن
"لوسيفر".. وسيأتون بك إليً.
ثم تلاشى العجوز من أمامه كأنه لم يكن.. تاركًا "زاهاك" في صدمة.. صدمة
ستغير حياته كلها فيما سيأتي من الأيام.
* * *

جبل دنباوند.. في ظلمة من الليل كالحة.. وشاب وسيم حائر يمشي على سفح
الجبل المظلم باحثًا عن الصِبية.. وأي صِبية سيكونون في مكانٍ كهذا.. إنه يكاد
ألا يرى يديه.. وال يسمع إال همس األرض.. ومن آنٍ آلخر تتهيأ له ظالل شبه
بشرية تدهن صخور الجبل.. بدأت نفس "زاهاك" الملولة تراوده.. فصاح بأعلى
صوته:
- أيها العجوز.. ها أنا ذا في دنباوند.. أين تراك تكون ؟
ولم يسمع ردًّا.. سوى صدى متكرر أضاف إلى تلك الأجواء الساكنة لمسة
مقلقة.. ثم بدا له أن هناك شيئًا ما يتحرك بحذرٍ.. ثم لم يلبث أن شعر بأنه ليس
شيئًا واحدًا.. بل أشياء.. تتحرك نحوه بحذرٍ صانعة بأقدامها صوتا ما على األرض..
ضيَّق "زاهاك" عينيه الوسيمتين ليزيد من حدة ناظريه.. ثم رآهم.. لم يرَ أجسادًا
بل عيونًا.. عيون تلمع كعيون الذئاب.. كانوا في كل مكان.. أمامه.. وعن يمينه
وشماله.. عيون لا تبدو أنها أليفة.. والعجيب أن "زاهاك" لم يشعر بالخوف ولا
بالقلق.. بل إنه صاح فيهم بصوت قوي صياح المعاتب :
- أين هو "لوسيفر"؟ أين من يطلق على نفسه أمير النور ؟
وهنا بدت له أجسادهم الصغيرة.. كانوا حوالي مئة يحتشدون حواليه.. ينظرون
ناحيته بنظرة جامدة تشعر فيها بخاطر من الدهشة.. كانوا يبدون وكأنهم حشدٌ
من الأطفال الحانقين على شيءٍ ما.. ملبسهم أسود وشعورهم سوداء طويلة..
التفتوا جميعًا بلا كلمة ومشوا كلهم باتجاه الشمال.. وتبعهم "زاهاك"
متوجسًا.. حتى أوصلوه إلى ما يشبه الغار في سفح الجبل.. ثم تفرقوا إلى كتلتين
صانعين بينهم طريقًا.. نظر لهم "زاهاك" ثم مشى وسطهم إلى الغار حتى
دخله.. وكما وعده "لوسيفر".. كان بانتظاره.
لم يكن عجوزًا.. ولم يكن أعرجَ.. بل كان "لوسيفر".. ليس له وصف آخر سوى
أنه "لوسيفر".. على كرسي كبير كان يجلس.. يلفه الظلام.. رغم وجود مشعل


أو مشعلين يبعثان نورًا خافتًا للغاية.. وهنا دبَّ شيء من الرعب في قلب
"زاهاك".. فالكيان الجالس أمامه لم يكن إنسيذًا.. وإن كانت له الهيئة التشريحية
للإنس.. لم يتبين وجهه جيدًا ألن الظالم كان يخفيه.. ليست هذه يد بشر.. وليست
هذه أصابع بشر.. ولا أظافر بشر.. وما هذه األكتاف بأكتاف بشر.. ما هذا الشيء
بالضبط؟ هل هو الرب على عرشه؟ لم يستطع بعقليته البابلية القديمة أن يستنتج
أنه يقف على بُعد خطوة أو خطوتين من الشيطان.. "لوسيفر".. لم يكن يدرك أنه
يقف أمام "إبليس".
* * *
بدأت الأمور تتضح ببطء؛ الوجه الذي كان يلفه الظلام اقترب من مجال الرؤية
وبدأت تسقط عليه ظلال المشاعل المتراقصة.. تحفزت خاليا "زاهاك".. ثم تحول
هذا التحفز إلى الدهشة.. فذلك الكيان الذي يفترض أنه "لوسيفر" كان يملك
شعرًاطويلًا جدًّا يمس الأرض.. وهذا الشعر ينسدل على وجهه غزيرًا يخفي
ملامحه تمامًا؛ حتى لا تدري هل أنت أمامه أم خلفه.. قال "لوسيفر" بصوت هادر
كالصخر:
- لقد اخترتك يا "زاهاك" من بين رجال الأرض كلها.. فبرغم أنك
تستمرىء حياة الدعة إلاأن لديك قلبًا ميتًا لا يخاف.. قلب شجاع.. وروح
متمردة.
أجفل "زاهاك" قليلًا وشعر بعرق يُندي جبينه من هول الكيان الجالس أمامه ثم
قال بصوتٍ خافت :
- اخترتني من أجل ماذا؟
أجابه "لوسيفر" بغضبٍ لا يدري "زاهاك" له سببًا إلا أن يكون صوته الهادر يوحي
بالغضب:

- لتملك بني الإنسان.. لتكون أول بشريّ يتعلّم سر الـ "ماجي".. ولكن..
توقف "لوسيفر" للحظات ثم قال:
- يجب أن نضع قلبك الميت هذا طور االختبار.. فسر الـ "ماجي" العظيم
لو ناله الرجل الخطأ.. فإنه يموت من فوره.
أشعلت كلمة االختبار في نفس "زاهاك" شيئًا ما فقال:
- ماهو هذا الـ "ماجي" الذي لا تكف عن ترديده.. وماهو هذا الاختبـ..
قاطعه "لوسيفر" فجأة :
- أن تراني ..
لم يفهم "زاهاك" شيئًا؛ فهمَّ بالحديث إلا أن "لوسيفر" قال بصوته الهادر في
لهجة مخيفة:
- أن تراني ولا ترتعد فرائصك.. فإن كشفت لك عن وجهي وطرفت
عينك طرفة خوف واحدة سأقتلك على الفور.. وإن رأيتني ولم تجفل.
. فإن سر الـ "ماجي" من حقك وحدك.. وسيُطوى لك العالم وتخضع
لك نفوس البشر كلهم.
سكت "زاهاك" سكوتًا طويلًا ثم قال :
- فلتكشف عن وجهك إذن يا هذا.
وبسرعة مفاجئة انحسر الشعر عن وجه "لوسيفر" الذي اعتدل في مجلسه مقرِّبًا
وجهه الشيطاني من "زاهاك".. كان "زاهاك" في تلك اللحظة يشاهد أشد وجوه
الأرض بشاعة وإرعابًا.. وجه "إبليس".. زاد العرق على جبينه.. وشعر بأن ذرات
الهواء تهتز من حوله من شدة بشاعة ذلك الوجه.. خفق قلب "زاهاك" خفقة
سقط فيها إلى أسفل سافلين.. لكنه حافظ على ثبات عينيه.. وأخذ يفكر في
أشد الامور جمالًا وبهجة ليشغل ذهنه عن بشاعة ذلك الكيان.. ولكنه مع مرور
الثواني ازداد الخوف في قلبه من هول ما يرى.. لكنه استعاد رباطة جأشه
بشجاعة عجيبة وقال بصوت حاول أن يخرجه ثابتًا غير متهدّج:

- أي شيء لعين أنت بالضبط؟
تحدث "لوسيفر" فتضاعفت بشاعة وجهه فقال :
- أنا شيطان مريد.
كان ذلك اللقاء هو أول لقاء بين إنس وجن في تاريخ الارض.. وقد حدث في بابل
في أول حضارة بشرية بعد طوفان "نوح".. أصبح "زاهاك" يتردد على ذلك الغار
في كل ليلة.. وعلمه "لوسيفر" سر الـ "ماجي".. والـ "ماجي" بلغة أهل بابل تعني
السحر.. فكان "زاهاك" هو أول ساحر مشى على ظهر الأرض.. أما التاريخ
فلقّبه بلقب اشتهر جدًّا حتى ظنه الناس اسمه الحقيقي. اشتهر "زاهاك" في
التاريخ باسم "النمرود"؛ "الملك النمرود".
وبعد مرور بضعة أيام على حادثة اللقاء الشيطاني تلك.. نصب "زاهاك" فخًّا لأبوه
"كوش".. حفرة متوسطة العمق مثبت في قاعها أكثر من خمسين رُمحًا
متجاورًا.. حفرة مغطاة بأوراق الشجر.. كان هذا هو أول فخ يُنصب في التاريخ..
كان الفخ الذي قتل الملك "كوش" وحول جسده إلى مصفاة بشرية.. الفخ الذي
أوصل إلى العرش من بعده ملكًا كان هو األكثر دموية وجنونًا ليس فقط بين
ملوك بابل.. بل بين ملوك العالم كله.. ابنه "زاهاك".. "الملك النمرود".
أن تكون مًلكًا جبَّارًا فهذا مفهوم.. أما أن تكون مَلكًا جبَّارًا متسلطًا وساحرًا
عتيًّا فاجرًا.. فقد صنعت شرًّا مستطيرًا لا قِبَل لأهل الأرض به.. كان "النمرود"
هو كل ذلك.. كان أول وضع تاجًا على رأسه.. وفكرة التاج نفسها اقتبسها من
ملوك الجن.. وقد صنع لنفسه تاجًا ذهبيًّا عظيمًا.. وخاتمًا ذهبيا كبيرًا.
يذكر التاريخ للنمرود أنه قال لما وضع التاج على رأسه :
- نحن ملوك الدنيا.. المالكون لما فيها.
ولم يدرِ أحدٌ معنى كلمة "نحن" حتى هذه اللحظة. .
* * *

ملكة جروح 12-15-2020 07:35 PM

إنها الحرب على مملكة "بكتيريا".. لقد بدأ عصر الحروب فور جلوس "النمرود"
على العرش.. ورغم أن المستشار الأعلى "أونس" كان عريسًا جديدًا إلا أن طبول
الحرب لما دقت انتزعته من سريره انتزاعًا.. ولم تنتزعه وحده.. بل انتزعت زوجته
معه.. الفارسة "سميراميس".. والتي كانت قد أظهرت فروسية وذكاء لا
يملكهما أعتى الفرسان.. نزلت "سميراميس" إلى الحرب مع زوجها جنبًا إلى
جنب.. والحقيقة أن مظهرهما كان عجيبًا كعروسين.. كانت "سميراميس" قائدة
كتيبة عسكرية كاملة.. فائقة الجمال.. جمال من الطراز الذي يذعن له الأخرون
رغمًا عنهم.. لها عينان ساطعتان بالرغم من كثافة رموشهما.. عينان يشع
منهما وهج عبقرية قائد يستطيع أن يأمر جيشًا ويؤسس إمبراطورية.
أظهرت "شميرام" في تلك الحرب دهاءً عسكريًّا فاق كل الحدود.. دهاءً أسقط
وحده مملكة "بكتيريا" الحصينة.. ووصل الخبر إلى الملك "النمرود" الذي دُهِشَ
دهشة حقيقية من أن تفعل فتاة واحدة كل هذا.. فاستدعاها لمكافأتها..
وكان أول لقاء بين الملك النمرود وبين "سميراميس".
كان الملك "النمرود" جالسًا على عرشه يُعنِّف مستشاريه كعادته.. وكان منهم
المستشار "أونس".. وفجأة دخلت "سميراميس".. بكل جمالها وثقتها وقوتها
دخلت.. رافعة رأسها راسمة على ملامحها تعبيرًا عسكريًّا صارمًا بدا عجيبًا على
ملامحها الجميلة.. وفور أن رأت "زاهاك" شعرت بخفقة في قلبها.. ساءلت
قلبها عن تلك الخفقة.. أتُراك خفقت ألنك رأيت الملك األعظم للبالد ألول مرة..
لكنها رفضت هذا.. فهي ليست من الطراز الذي يهتز لرؤية أحد.. في نفس
الوقت كان "زاهاك" يحدِّث أحد مستشاريه بعصبية.. ثم لما شعر بحضور شخص
ما التفت إليه بحدة.. وعندما رآها قام من على عرشه.. وكان يسائل نفسه أثناء
قيامه.. لِمَ يقوم ؟.. إنه ليس من الطراز الذي يقوم لحضور أحدٍ.. التقت عيناهما
لقاءً حجبَ عن مجال رؤيتهما أي كيانات أخرى سواهما.
31
اقتحمت المجال نظرات أخرى آتية من شخص آخر يرى المشهد.. نظرات غاضبة
موجَّهة من "أونس".. زوجها.. الذي لم تسره تلك النظرات التي عجز الطرفان
عن إخفائها.. ثم اقتحمت المجال نظرات أخرى ترى المشهد بعين شيطان..
نظرات "لوسيفر".
* * *
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ إلا وكان يمكنك أن ترى المستشار "أونس" وهو يسقط
صارخًا من فوق قلعة النمرود.. بينما يقف النمرود فوق القلعة ناظرًا إليه
بسخرية.. ثم أمكنك أن ترى النمرود يتزوج من "سميراميس" زواجًا اهتزت له
أرجاء المملكة البابلية اهتزازًا لم تهز قبله مثله ولا بعده.. حتى استمرت
الاحتفالات ثالثة أيام متواصلة.. ووُزعت الكثير من الكابرا )حقائب الهدايا(
المليئة بالملبس والحلويات البابلية الأخرى.. واجتمع الشمس والقمر كما تقول
الأساطير.. الشمس هو إله الشمس النمرود والقمر هي "سميراميس".
زادت قوة مملكة النمرود بعد انضمام "سميراميس" بكل دهائها إليه.. انضم
الدهاء العسكري إلى القسوة والطغيان إلى سطوة السحر.. وظلت ممكلة
النمرود تغزو الممالك التي تجاورها حتى أصبح النمرود ملك الأقاليم السبعة..
ولم يكتف بذلك.. بل تطلع إلى مزيد من السلطان.. أراد أن يغزو السماء.. فجمع
ستمئة ألف رجلٍ من كافة ممالكه السبعة وأمرهم أن يبنوا بُرجًا شاهقًا لا يصعد
المرء إلى قمّته إلا بعد مسيرة عام كامل.. برج يتجاوز السحاب ارتفاعًا.. وبالفعل
بدأ العمال والمهندسون وحتى الجن في بناء ذلك البرج العظيم.. ولم تمضِ عدة
سنوات إلا وتم بناء أول عجيبة من عجائب الدنيا السبع.. برج بابل.. ذلك البرج الذي
كان قصر النمرود وعرشه على الأرض.
* * *

كان النمرود نائمًا في أحضان الجميلة "سميراميس" التي كانت تمسح بيدها على
شعره في حنانٍ لم تعهده في نفسها.. لكن النمرود وقتها كان في شأنٍ آخر..
كان يرى حُلمًا عجيبًا.. تراءى له مابدا وكأنه فارسٌ على صهوة جواده يطير في
السماء عند الافق.. ورأى نفسه يطير في السماء مواجهًا لذلك الفارس.. أعاد
النظر مرة أخرى إلى السماء فرأى الفارس قد اختفى وحلَّ محله كوكب متألق..
نظر إلى الموضع المواجه للفارس والذي رأى نفسه فيه.. فلم يجد نفسه بل وجد
الشمس.. ثم اختفت الشمس فجأة من السماء وبقي ذلك الكوكب المتألق.. أعاد
النظر مرة أخرى فرأى الفارس في موضع الكوكب المتألق يغير اتجاهه الأول
ويقترب بسرعة رهيبة من الأرض هاجمًا بفرسه على النمرود نفسه ففزع وصحا
من نومه صارخًا فجأة لتقابله عينا "سميراميس" الجميلتين القلقتين ويداها
الحانيتين على جبينه.
أحضرت "سميراميس" للنمرود أعلم أهل بابل ليفسروا له ذلك الحُلم.. وكانوا
خائفين من التصريح بالتأويل الحقيقي لذلك الحُلم.. ثم حسموا أمرهم في
النهاية وأخبروه.. قالوا له إن هناك مولودًا سيولد على هذه ألأرض عمَّا قريب..
وأنَّ هلاكًا سيكون على يديه.
ثار النمرود ثورة رهيبة.. وأمر بقتل كل المواليد في جميع الأقاليم السبعة.. ونزل
جنوده يقتحمون البيوت ويقتلون األطفال. في تلك األيام بالضبط وُلِدَ نبي الله
"إبراهيم".. وأخفته أمه من جنود النمرود.. حتى كبر وصار شابًا.. وكان شعب
بابل يعبدون الكواكب ويصنعون لها أصنامًا يتضرعون إليها.. ومن تلك
الكواكب الشمس والقمر؛ فالشمس هي المعبود األعلى وهو الملك النمرود
والقمر هو المعبود التابع وهي "سميراميس".. أما "النمرود" فقد كان ولاؤه
للشيطان وحده.
كان قد فسق في تلك الأيام وفجر وتجبَّر وحكم الناس بالحديد والنار.. بدأ
"إبراهيم" يدعو الناس ليعبدوا إلهًا واحدًا.. ويحاول إقناعهم أن أصنامهم تلك لا

هي بضارة ولا نافعة.. وحدثت القصة الشهيرة في عيد الربيع.. ذلك العيد الذي
حطَّم "إبراهيم" فيه أصنام بابل المصطفة في معبد "أور" وعلق فأسه على صنم
شديد الضخامة منهم يدعى "مردوخ".. ولما عاد القوم من عيدهم وجدوا كل
أصنام آلهتهم قد تحطمت ماعدا واحد.. وذلك الواحد هو "مردوخ" العظيم..
الذي كان يقف في رأس المعبد بشموخ ويحمل فأسًا على كتفه.
ضجَّ القوم وتذكروا كراهية "إبراهيم"ل لصنامهم فاستدعوه وسألوه فأجابهم
الجواب الشهير..
- بل فعله كبيرهم هذا.. فاسألوه إن كان ينطق.
ثارالقوم وأوصلوا الخبر إلى إلههم الملك النمرود.. وكانت المواجهة الشهيرة
بين النمرود و"إبراهيم".
- من هو ذلك الله الذي تعبده يا "إبراهيم"؟
- إنه اإلله الذي يُحيي ويميت .
- أنا أحيي وأميت.. أضرب عنق سجين لدي فأميِتُه وأترك الآخر فيعيش.
- إلهي يُخرج الشمس من المشرق.. فأخرجها أنت من المغرب.
فبُهت "النمرود" ولم يدرِ ما يقول.. وأمر بقتل إبراهيم قتلًا يكافىء جريمته في
حق الآلهة.. أمر بأن توقد نار هي أعظم نار أوقدت على ظهر األرض وأن يُلقَى
فيها "إبراهيم".. وظل أهل بابل يجمعون الحطب لإيقاد تلك النار شهرًا كاملًا..
ولما أوقدوها نارًا عظيمة أصبح نورها يُرَى من آخر المدينة.. ثم ألقوا "إبراهيم"
فيها بالمنجنيق.. وتركوها أيامًا ولياليَ حتى انطفأت.. فهرعوا إليها ليجمعوا
رماد الرجل الذي تجرأ على الآلهة.. فوجدوه واقفًا هنالك وليس به خدش واحد..
غضب النمرود غضبًا شديدًا.. لكنه غضبٌ مكتومٌ هذه المرة.. غضب موجه ناحية
حليفه الذي وعده بالقوة والملك.. غضب على "لوسيفر".
* * *

كان الشيء التالي الذي فعله النمرود هو أعجب شيء يمكن أن يقوم به بشريٌّ..
وربما استحق لقب النمرود بسبب فعله لهذا الشيء وحده؛ ذهب النمرود إلى جبل
دنباوند وتحديدًا إلى ذلك الغار الذي كان يتردد عليه بين الفينة واألخرى ليتعلم
السحر.. غار "لوسيفر"..
- أين كانت تلك القوة المطلقة التي تدعي.. كيف لنار مستعرة ألاتحرق
إنسيًّا من لحمٍ ودمٍ؟
- ألنه شيطان مثلي.
- حقًّا؟ أتقصد شيطان أعظم منك؟ ثم أننا كلنا نعرف "إبراهيم" ونعرف
أباه "آزر" النحات.
- ليس لك أن تعرف كل ما أعرف.. فلست أنا وأنت إلا حلفاء بحلف أنا
السيد فيه.. وما أنت ببالغ مبلغي.. فما أنت في النهاية سوى بشري
تجوع وتبول وتموت.
- أين هي القوة؟ لقد صعدت إلى السماء فوق السحاب ببرجي ولم
أجدها.. وهبطت معك إلى أسفل سافلين ولم أجدها.
- القوة هي أنك مَلِك الاقاليم السبعة.. ولا يوجد بشري إلا ويرتعد عند
ذِكر اسمك.. وعائلات كاملة من الجن تأتمر بأمرك.
- كلهم إلا واحد.. "إبراهيم".. ما الذي يملكه ولا أملكه أنا ولا تملكه
أنت
- هو فقير لا يملك شيئا إلا الحيلة.. والحيلة هي التي أنجته من النار
- أنت كاذب.. كاذب وحقير.. وأقسم أني قاتلك وممزقك إربا.. فور أن
أجد تلك القوة
أعلن تمرده على حليفه "لوسيفر".. فبعد أن تمرد النمرود على والده بقتله.. وتمرد
على الله بالكفر وادعاء الأولهية.. وتمرد على الكواكب التي يعبدها قومه
بتجاهله الكامل لها.. وتمرد على كل الأعراف والأخلاق بطغيانه ودمويته وتجبره

ملكة جروح 12-15-2020 08:34 PM

في البلاد.. بعد كل هذا أعلن في النهاية تمرده على من علمه السحر.. أعلن
تمرده على "إبليس".. فالنمرود من التمرد.. وكان "زاهاك" هو أمير التمرد بلا
منازع في تاريخ األرض.
* * *
- سيدي "زاهاك".. وصل الطباخ الجديد للملك بعد أن أمرتنا أن نطرد
الطباخ الأول
- دعه يدخل.. ولينه حديثه سريعا
كان "النمرود" يناقش أمرا ما بجدية مع مستشاريه.. حتى شعر بوقع خطوات
هادئة.. رفع رأسه لينظر إلى من سيعرف بعد قليل أنه الطباخ الجديد.. لكن عيناه
اتسعتا بوضوح لاحظه كل المستشارين.. فالطباخ الجديد كان شكله يبدو مألوفا
جدا.. عجوز.. أعرج. شبه معدوم ألأسنان.. عباءة سوداء ممزقة.. وابتسامة
ساخرة زادت منظره بشاعة.
قال العجوز بصوت كالفحيح الساخر :
- أتيت ألقدم لك يا سيدي عينة مما تستطيع يداي عمله .
وتقدم العجوز مقدما للنمرود طبقا ذهبيا عليه بعض الطعام المطهو.. قال له
"النمرود" بصوت واضح القلق :
- الداعي للعينات ياهذا.. أنت مرفوض
ابتسم العجوز ابتسامة بانت فيها أسنانه المبعثرة ببشاعة وقال :
- إنني أعتذر منك ياسيدي.. ولتسمح لي أن أقبل منكبيك احتراما
وخضوعا لحضرتك.

تقدم العجوز من "النمرود" بخطوات خاضعة ذليلة حتى وضع رأسه في األرض
تحت قدميه.. ثم قام ببطء وقبل منكب النمرود الأيمن.. ثم الايسر.. ثم استأذن
وانصرف إلى حال سبيله.
- لماذا رفضته يا سيدي إن طهوه رائع جدًّا
لم يرد "النمرود" عليه.. كان شاردا.. هل يعني "لوسيفر" بهذه الحركة الاعتذار..
أم أنه يعني شيئا آخر.. قام "النمرود" من مكانه وتوجه إلى غرفته عند زوجته
ومعشوقته "سميراميس" كعادته إذا حزبه أمر.. فدهاءها يزن جبل دنباوند ذهبا
ومثله معه.. وفور أن دخل "النمرود" إلى غرفته ونظر إلى جمال "سميراميس"
وهي تصفف شعرها الذهبي البني الطويل.. حتى شعر فجأة بألم رهيب في
منكبيه يصاحبه انقباض كأن عظامه قد انطبقت على بعضها.. صرخ "النمرود"
وسقط على الأرض.. التفتت إليه "شميرام" وهرعت إليه.. لكنها توقفت مكانها
ناظرة إلى الجنون الذي بدأ يحدث أمام عينيها المتسعتين.
فمن منكبي "النمرود" العريضين خرج ثعبانان أسودان بشعان.. يلتفان حول عنقه
تارة.. ويزحفان على منكبيه تارة.. وينزلان بداخل ملابسه تارة أخرى.. ثعبانان يبدو
أنه لا ذيل لهما.. كأنهما برزا فجأة من داخل منكبيه.. وشرع الثعبانين يصدران
فحيحا مفترسا ويفتحان أنيابهما.. ولم يحدث أي رد فعل سواء من "النمرود" أو
من "شميرام".. لأن كليهما كان قد سقط مغشيًا عليه.. ولم يبق في الغرفة إلا
فحيح الثعابين.
* * *

أرسل "لوسيفر" رسالة إلى النمرود كتب فيها:
" أطعم األفواه الجائعة كل حين.. لأنها لو لم تجد شيئا تأكله فلن تجد إلا رأسك"
ومنذ ذلك الحين والنمرود قد بدأ يتخذ عادة جديدة.. أصبح يأمر زبانيته كل يوم أن
يأتوا له برأسين بشريين.. فقد تعلم أن هاتين الحيتين لا تأكلان سوى رؤوس
البشر.. ويفضل أن تكون رؤوسا صغيرة لأطفال.. لأن الحيتين ترفضان أحيانًا
رؤوس البالغين.. وبدأ زبانيته ينزلون إلى البلاد في كل يوم ليعودا له برأسين
مقطوعين.. ولم يعرف أحد لماذا يصر النمرود على هذا كل يوم.. ولماذا يقتل
كل من يتقاعس في تنفيذ هذا الأمر بالذات.. ولم يدر أحد ماتلك العباءات العجيبة
التي صار "النمرود" يرتديها.. ثم ماهذا الذي يتحرك تحت العباءة.. لم يدر أحد..
ولم يجرؤ أحد على السؤال.
حاول النمرود أن يذبح الحيتين.. وكانا كلما ذبحهما نبتا على كتفيه في الحال..
أما "سميراميس" فلم تشعر بشيء سوى بالشفقة على حال زوجها معشوقها..
وقد أتت له بالأطباء من الاقاليم كلها.. وكلما رآه طبيب عجز عن استئصال
الحيتين.. وكان كلما رآه طبيب وعرف سره قتله.
في الجانب الاخر من المدينة كان هناك رجل حداد يقال له "كاوي".. تعرف في
وجهه بأس شديد وقوة.. وتعرف في وجهه حزنا عميقا.. فقد زاره زبانية
"النمرود" منذ أيام وقطعا رأس ولديه الصغيرين أمام عينيه.. وأخذا الرأسين
وقدماها للنمرود.. كان "كاوي" الحداد مسلما.. متبعا لدين "إبراهيم".. وقد نزل
بين الناس المقهورين المظلومين المقطوعة رؤوس أوالدهم وذويهم.. نزل
بينهم وأشعل نار الثورة في قلوبهم.. وتسللت روح الثورة من قرية إلى قرية..
ومن إقليم إلى إقليم.. حتى جمع "كاوي" الحداد تحت رايته خلق كثير يملؤهم
الغضب على النمرود.
وفجأة دخل "كاوي" الحداد إلى برج بابل.. أدخله "النمرود" ظنا منه أنه مجرد حداد
أتى يستعرض ما تقدر يداه أن تصنع..
قال له "كاوي" الحداد بلهجة حازمة لم يعتدها النمرود :
- يا ملك بابل وآشور وعظيمهما.. أسلم تسلم.. وأتركك على ملكك
- وهل من إله غيري يا هذا ؟
- الله رب السماوات والارضين
- أتقول مثلم قول "إبراهيم"؟
- "إبراهيم" نبي الله ونحن بدعوته مؤمنين.. وإنا ندعوك لعبادة الله وحده
لا شريك له.. فإن أبيت قاتلناك
- هل جننتم؟ أنا "زاهاك" عظيم بابل وآشور وملك الاقاليم السبعة..
اجمعوا جموعكم إلى ثلاثة أيام وأجمع جموعي.. ولأمسحنكم
وجموعكم عن وجه الارض حتى لا يتبين لكم أحد أثرا.
وهكذا جمع "كاوي" الحداد جموعه الغاضبة لمدة ثلاثة أيام.. وجمع النمرود
جنوده.. ونزل النمرود يقود جنوده بنفسه ونزلت معه زوجته الفارسة
"سميراميس".. وكانت جموع النمرود أضعاف جموع "كاوي" الحداد.. ووقف
الجيشين أمام بعضهما. . كان كاوي وجنوده ينظرون إلى عظمة جيش النمرود
وتسليحه وتنظيمه وتجهيزه.. وينظرون إلى أنفسهم في قلتهم وأسلحتهم
المتواضعة.. نظر النمرود و"سميراميس" إلى جيش "كاوي" الحداد في سخرية..
ثم نظرا إلى بعضهما.. دخل في نفوس جنود النمرود الحماسة لتقطيع ذلك
الجيش الضعيف إربا حتى لا يُبقوا منهم شيء.. لكن عيون جنود الجيشين
توجهت فجأة إلى جهة واحدة ينظرون كلهم إلى شيء ما.. شيء آت من جهة
مشرق الشمس..
إن القوة التي بحث عنها النمرود طويلا ولم يجدها قد قررت أن تريه اليوم من
آياتها عجبا.. قوة اهلل جبار السماوات واألرض وعظيمهما.. ففجأة وبدون سابق لا يُبقوا منهم شيء.. لكن عيون جنود الجيشين
توجهت فجأة إلى جهة واحدة ينظرون كلهم إلى شيء ما.. شيء آت من جهة
مشرق الشمس..
إن القوة التي بحث عنها النمرود طويال ولم يجدها قد قررت أن تريه اليوم من
آياتها عجبا.. قوة الله جبار السماوات والارض وعظيمهما.. ففجأة وبدون سابق

ملكة جروح 12-15-2020 08:49 PM

إنذار رأى الجمعين جيشا آخر قادما من جهة المشرق.. جيش آت من السماء..
جيش ستر من كثرته عين الشمس.. جيش من البعوض.
في البداية لم يفهم أحد من الجيشين شيئًا.. مابلا هذا البعوض يسد عين
الشمس. وخلال لحظات فقط كان جيش البعوض قد اقترب حتى دخل في مجال
الرؤية.. ضيق النمرود عينيه الوسيمتين ناظرًا إلى السماء محاوِلًا أن يفهم ماالذي
يعنيه هذا.. وتحول البعوض من الطيران الأفقي في السماء إلى الانقضاض
الرأسي.. الانقضاض على جيش النمرود الذي اتسعت عيناه وعيون جنوده الذين
ساد في تنظيمهم الهرج والتحركات العشوائية التي يحاول فيها كل فرد
الالتفات والهرب.. لكن ذلك البعوض لم يكن بعوضًا عاديًّا.. كان نوعًا من
البعوض لم تعرفه الارض ولا حتى في العصر الجوراسي أيام الديناصورات.. نوع
متوحش.. انقضَّ على أفراد جيش النمرود الصارخين الساقطين من على جيادهم
والهاربين.. حتى لم يدع في أجسادهم لحمة إلا افترسها.. وافترشت أجسادهم
الارض على بساط من دمائهم.. أما النمرود وزوجته فقد كانا يحثان جيادهما
الراكضة على الهرب بعيدًا عن تلك المهزلة.. نظر النمرود إلى السماء وقال :
- من أنت ياصاحب القوة؟ أين أنت؟ هل أنت شيطان؟
كان يركض وزوجته ويتبعهما سرب من البعوض.. لكن كان يبدو أن فرسيهما
سريعان كفاية للهروب من السرب.. إلا أن بعوضة واحدة قد تمكنت من اللحاق
بالنمرود وفعلت شيئًا غريبًا جدًا؛ فما إن لحقت به حتى دخلت في أحد منخريه..
ففقد النمرود توازنه صارخًا.. وكاد يقع عن جواده لولا أن أمسكت به
"سميراميس" بحركة بارعة جدًا.. ونقلته من فرسه إلى فرسها.. واستمرت في
الركض بجوادها حتى هربت من سرب البعوض تمامًا ودخلت إلى برج بابل..
وأغلقت الأبواب وراءها.
* * *

هُزِم النمرود في هذه المعركة هزيمة مروّعة.. فقد فيها جيشه الذي خرج
معه كاملًا.. ولم يبقَ سوى جيش بسيط يحمي برج بابل.. أما جيش "كاوي" فلما
رأوا تلك المعجزة سجدوا جميعًا شكرًا لله.. وأسلم منهم من لم يكن مسلمًا..
ثم رفع "كاوي" الحداد رايته عاليًا وقاد جيشه متوجّهًا ناحية برج بابل.. حيث قصر
النمرود وعرشه.
أما النمرود فقد كانت حالته شديدة البؤس.. البعوضة التي دخلت في منخره باتت
في مخه.. وكانت كلما تحركت يجن جنونه ولا ينقذه إلا أن يضربه جنوده بالنعال
على رأسه ووجهه.. وكانت "سميراميس" تنظر إليه وعيناها تدمعان باكية من
قلة حيلتها.. كانت تود لو تفديه بنفسها.. وتولت مهمة إطعام الثعبانين اللذين
على منكبيه في كل يوم حتى لا يجهزا عليه.. أي شيء هذا الذي وضع النمرود
نفسه فيه؛ ثعبانان وبعوضة متوحشة.. كان متمردًا على قوى لا قِبَل له بها.. ولا
قبل لاي أحدٍ بها.. لكنه عنيد ومتمرد.
وصلت جيوش "كاوي".. وبدأت تحاصر برج بابل.. وجيش النمرود الباقي استبسل
في الدفاع عن البرج.. استمر الحصار أربعين يومًا كاملة.. ولم يدرِ أحدٌ ما الذي
يحدث داخل البرج.. كانت عينا النمرود حمراوين ووجهه أحمر من الضرب
بالنعال.. وفجأة انكسرت بوابات برج بابل.. ودخل "كاوي" الحداد ووراءه جيشه..
لم يكن شيء ليقف في طريق "كاوي" الحداد في سعيه.. كان يريد الانتقام لما
فعله النمرود في ولديه.. ويبدو أنه قد تم له ما أراد.
* * *

جبل دنباوند.. في ظلمة من الليل كالحة.. كان "كاوي" الحداد يدق أوتادًا حديدية
في الجبل.. والنمرود ملقى على الأرض مقيدًا بقربه.. وصوت فحيح الحيّتين على
منكبيه يصم الأذان.. نظر إليه "كاوي" وقال ساخرًا:
- لم تخبرني أن لديك حيتين على منكبيك يا "زاهاك".. ربما كنت
سأعذرك.
لم يرد "زاهاك" بأي كلمة.. وإنما كان يصرخ من وراء كمامة وضعها "كاوي"
على فمه.. يصرخ من ألم تحرُّك البعوضة بداخل رأسه.. ولم يمضِ وقتٌ طويل
حتى أنهى "كاوي" عمله الذي كان يعمله في الجبل.. والتفت إلى النمرود..
وحمله وبدأ يربط حبالًا سميكة في ساعديْ النمرود وقدميه.. ثم بدأ يربط كلا
منها في وتدٍ من ألاوتاد الاربعة التي ثبتها على الجبل.. حتى صار النمرود معلّقًا
في جبل دنباوند من يديه ورجليه.. والثعبنان السوداوان على منكبيه يتلويان حول
رأسه شاعران بالجوع.
فكَّ "كاوي" الحداد كمامة النمرود وقال له :
- بلغ تحياتي إلى صاحب تلك الثعابين.. فهما من سيحظى بشرف رأسك
اليوم ولست أنا.
ارتفعت صرخات النمرود بينما يرفع رأسه إلى السماء وكأنه ينادي على شيء أو
يحدِّث أحدًا ما.. أما "كاوي" فقد كان قد جمع عدته ورحل.. وبقى النمرود وحده
يصرخ.. وعلى سفح الجبل.. كان هناك جمعٌ قد اجتمعوا ينظرون إلى النمرود في
صمتٍ مهيبٍ.. جمع من الأطفال ذوي الشعور الطويلة والنظرات الجامدة.. ولم
يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى تحرك الحوتان والتفا حول رقبته ثم انقضا على رأسه
ينهشان فيها نهشًا متوحشًا دمويًّا.. وظلا ينهشانها وينهشانها حتى خرجت
منها بعوضة طارت بعيدًا إلى حيث ما جاءت.. وطوى التاريخ آخر صفحة في حياة
رجل تجبَّر في الأرض حتى فاق كل حد.. وكانت نهايته على مستوى تجبُّره...
صفحة الملك النمرود.
تـمَّت
****

موعدنا بأذن الله بكرة لجزء ثانى وقصة اخرى
قراءة ممتعة للجميع واتمنى الاقى تعليقاتكم عن القصة للتشيجع ومناقشة احداثها وتكملتها
ليلة سعيدة

ملكة جروح 12-16-2020 06:48 PM

لا تظن أن هذه الحكاية هي حكاية أسطورية.. بل هي حقيقية.. ورغم أنها
تعتبر ملحمة تاريخية إلا أنه لم يُمثل فيها فيلم ولم تُكتب فيها رواية.. وذلك
ببساطة لأنه قصد إخفاءها.. فالنمرود مذكور في كتب التاريخ المعترَف بها
كلها.. العربية منها والعالمية وقصته معروفة.. وتذكر كتب التاريخ نفسها
قصة أخرى عن رجلٍ آخر حكم نفس البلاد في نفس فترة النمرود.. رجل اسمه
"زاهاك".. وتسميه كتب العرب الضحاك.. وبعض تلك الكتب التاريخية المعترف
بها تقول إن الشخصيتين في الحقيقة هما شخص واحد.. وتذكر كتب التاريخ
نفسها أيضًا قصة رجل ثالث عاش في نفس الفترة وحكم نفس البلاد.. وتقول
عنه إنه هو أول ساحر في التاريخ وتسميه "زوروستر".. ومرة أخرى تربط بعض
كتب التاريخ المعترف بها بين "زوروستر" والنمرود فتقول إنهما في الحقيقة
نفس الشخص.. وحتى تعرف القصة كاملة يجب عليك أن تقرأ سيرة الشخصيات
الثلاث هذه: النمرود والضحاك وزوروستر.. وتكتشف أنهما فعلًا شخص واحد..
ثم تربط بين هذه السير المتشابهة وبين القصة التي ذُكرت في التوراة وفي
القرآن.. وستظهر لك القصة الكاملة.. أما أنا فقد اختصرت عليك هذا البحث
الطويل المضني.
سترى النمرود في الكتب بأسماء أخرى مثل "مين" و"مينوس" و"نينوس" و"نينيب"
و"ماردوش" و"ماردوك" و"االزدهاق" و"بيوراسب".. وسبب كل تلك التسميات هو
أنه شخصية أسطورية عند الفرس والكرد وألافغان والهند والتركمان والعرب..
وتحرَّف اسمه كثيرًا من التحريفات عبر مروره على مختلف اللغات والحضارات..
حتى إنه قد تم تأليف ملحمة إيرانية كبيرة عنه تدعى "الشاهنامة".
إن تمثال "كاوي" الحداد لازال موجودًا حتى اآلن في أصبهان.. والمغارة التي عُلق
فيها "زاهاك" في جبل دنباوند لازلات موجودة ومعروف مكانها.. لازال
الإيرانيون حتى اليوم يحتفلون بالعيد الذي قُتِلَ فيه هذا الملك الجبار ويسمونه

عيد نوروز.. ورغم أن برج بابل كان مرتفعًا فوق السحب بالفعل إلا أنه قد دُمِّر
تدميرًا كاملًا فلم يبقَ له أثر.. ولذلك لن تجده مذكورًا ضمن عجائب الدنيا السبع
رغم أنه العجيبة الاولى.
أما الفاتنة "سميراميس" فهي الفتاة التي تحمل الشعلة في تمثال الحرية.. وهي
نفسها الفتاة التي تراها تحمل الشعلة في الشعار الشهير لشركة Columbia
Pictures لألفلام.. وقد حكمت بعد وفاة النمرود خمس سنوات.. أقامت فيها
ضريحًا عظيمًا شديد الفخامة لزوجها زيَّنْته بالتماثيل الذهبية.. وبنت حدائق بابل
المعلَّقة التي صارت العجيبة الثانية من عجائب الدنيا السبع.
هكذا تعلم الأنسان السحر لأول مرة.. وقد علَّم النمرود السحر لنفر كثير جدًّا
من خاصته وكان اسمهم "الماجي".. أي السحرة.. ومنها كلمة "ماجيك" التي
تستخدم آلان في اللغة الإنجليزية وتعني السحر.
أعتقد أن اللعبة قد بدأت تروق لك.. لازلنا في البداية على أية حال.. المجموعة
التالية فيها ستة أوراق أيضًا.. دعني أكشفهم لك بسرعة قبل أن يضيع
حماسك..
الورقة ألاولى: هي ورقة ألارواح المحترقة وعليها صورة رؤوس شياطين وسط
نار مستعرة.
الورقة الثانية: هي ورقة النار وهي شبيهة بالأولى.. عليها صورة جماجم تحترق
وسط النار.
الورقة الثالثة: هي ورقة الساحرة وعليها صورة ساحرة شابة جميلة.
الورقة الرابعة: هي ورقة الملائكة وعليها صورة ريشة بيضاء كرمز للملائكة.

الورقة الخامسة: هي ورقة تزييف المعجزات.. وعليها صورة بالأبيض والأسودلا أتبين ما هي..
الورقة الأخيرة: هي ورقة التعويذة المضادة.. وعليها صورة ساحرٍ ذي شكل غريب.
وهاقد وضعناهم بترتيبهم الصحيح.. وحان وقت كشف السر الثاني.. والحكاية
الثانية.
***

ملكة جروح 12-16-2020 07:29 PM


اهبطي يا "إنانا"..
1900 قبل الميلاد





[size=
نظر بافتتان إلى جسدها شِبه العاري والمستلقي في استسلام عجيب على ذلك
السرير الوثير ذي األغطية الحمراء.. والذي تنبعث من حوله إضاءة حمراء خافتة
لشموع صغيرة أضفت جوًّا محبَّبًا من اللذة.. اقترب من جسدها حتى دخلَ في
مجال عطرها.. تنفَّسه في نشوة.. ثم غشيته الشهوة فتحركت يده بسرعة إلى
شعرها فقبضت عليه في عنف رومانسي يجيده كما يجيد التقبيل.
اقترب وجهه من وجهها.. لفحتها أنفاسه الحارة.. نظر إلى شفتيها عن قُربٍ..
ليست هاتان شفتين.. إنما هذا توت أو ياقوت.. قبّلهما بعنف رجولي يعجب
النساء.. نظر إلى عينيها.. هذه المرأة كل ما فيها جميل.. ظلَّ يقبِّل شفتيها
ووجنتيها وعينيها حتى ثمل.
إن الكاميرا التي تصوِّر لك هذا المشهد تصوِّره لك عن قُربٍ متعمَّدٍ؛ فتارة ترى
شفتيْ الفتاة وهو يقبِّلهما ببطء وتارة تركز الكاميرًا على عينيها الجميلتين
الساهمتين في أمرٍ ما لا تدري ما هو.. ثم تقرر الكاميرا أن تلتف حول وجهها
لتصورها لك من الخلف.. إن لها شعرًا أسود طويلًا يمسكه الرجل بقبضة يده
القوية بينما شفتاه آخذتان في تقبيلها بحرارة.
بدأت الكاميرا تنزل شيئًا فشيئًا منذرة بمشهدٍ خلفيٍّ لجسد عارٍ فاتن يناسب جمال
هذا الوجه.. وظلت الكاميرا تنزل ببطءٍ حتى تسارعت دقات قلبك المحروم وبرزت
عيناك من اللهفة لما ستراه بعد قليل.. ثم اتسعت عيناك.. ولم يكن اتساعها عن
شهوة ولا نشوة.. بل لقد اتسعت عيناك من الذعر.. فلما انتهت الكاميرا إلى
نهاية شعر الفتاة لم ترَ ظهرها عاريًا كما هو مفترض.. بل لم ترَ شيئًا على
الإطلاق.. لم ترَ إلا رداء الرجل.. ثم ابتعدت الكاميرا بسخرية شيئًا فشيئًا لتريك
المشهد الكامل.. مشهد لرجل يقف ممسكًا برأس فتاة ويقبِّلها بنهمٍ بينما
يستلقي جسدها بعيدًا.. على فراش وثير.. وأغطية حمراء.. وعزفت لك الكاميرا
موسيقى رومانسية جميلة إمعانًا في السخرية.


لما شبع الرجل أبعد وجهه عنها قليلًا ونظر إلى الرأس المقطوع بتشفٍّ.. ثم رمى
الرأس الجميل حتى اصطدم بالحائط بعنفٍ واستقر على ألارض.. وهو في رحلته
هذه - الرأس- صنع بقعة من الدماء على الجدار متصلة إلى موضع الرأس
الساكن على األرض.. نظر الرجل إلى البقعة بلا مبالاة ثم اتجه بعيدًا عن السرير..
يمكنك أن ترى الارضية آلان.. أرضية رخامية جميلة .. لكن أفسد جمالها بضع
دوائر مرسومة عليها داخل بعضها البعض في شكلٍ مريبٍ.
مرحبًا بك في بابل مرة أخرى.. الارض الملعونة.. نحن في عهد ما بعد النمرود..
لا تدع المشهد السابق يصدمك.. والتحزن على الفاتنة أبدًا فهي "إنانا".. وهي
ملعونة في األرض وملعونة في السماء.. وال تستغرب من هذا الرجل ذي الرداء
فهو "هازارد".. و"هازارد" هو أشد سحرة بابل فتكًا في ذلك الزمان.. وقبل أن
نكمل المشهد لابد أن تعرف معلومة واحدة.. وهي أن هذا الساحر يلقَّب بـ
"مانزازو".. و"مانزازو" في البابلية تعني نكرومانسر.. ونكرومانسر تعني..
فلنتابع المشهد لنفهم أكثر..
وقف الرجل في وسط الدوائر.. كان يرتدي إزارا طويلًا أحمر عليه خطوط سوداء
عريضة.. تنحدر على ظهره قلنسوة رداء الراهب المعروفة.. أخذ يتلو الكثير
من التراتيل التي يرتفع فيها صوته حينًا وينخفض حينًا آخر.. وترتفع يداه فيها
حينًا وتنخفض حينًا آخر.. ثم إنه خرج من الدوائر وتوجَّه إلى رأس "إنانا" الملعونة
وأمسك بشعرها الجميل ثم انحنى بالرأس على الرخام وأخذ يفعل شيئًا عجيبًا.
وضع الرأس على الأرض وأخذ يحرِّكه في اتجاهات مختلفة ويضغط على
مواضع معينة منه.. هذا رجل يعرف ماذا يفعل.. لم يكن بإمكانك أن تفهم ماذا
يفعل إلا بعد أن انتهى مما يفعل ورمى الرأس بعيدًا مرة أخرى.. لقد كان هذا
الرجل يكتب.. وقلمه كان رأس "إنانا".. ومُداده دمها.. بالطبع لن تفهم حرفًا
مما كتب لأنه كتبه بلغة بابلية قديمة.. إن حروف هذه اللغة تبدو مخيفة.

ثم أخذ يتلو بصوتٍ متهدج يجيده السحرة :
- إيتيمو.. إيتيمو.. من فلكك الملعون الدائري اهبطي يا "إنانا".. يا من
انحنت لشفتيك هامات الرجال ونواصيهم.. إيتيمو.. إيتيمو.. يامن
تنزهت قلوب عن كبريائها بنظرة من عينيك.
وأخذ يتلو ويتلو حتى أُوقدَت نار من مكان ما حول دوائره.. وصار يهيأ له أنه يرى
رؤوس الشياطين.. رؤوس بشعة تلفحها النار التي أوقدتها التلاوات.. ومن بين
رؤوس الشياطين برزت له رأس ثم اختفت ثم برزت.. رأس "إينانا".. أو هكذا خُيَّل
له.. لابد أن قلب هذا الرجل شديد الثبات.. إن رؤوس الشياطين والحق يقال
مخيفة.. مخيفة إلى درجة أن رأس "إينانا" الجميلة التي ظهرت وسطها فقدت
جاذبيتها.. ثم انطفأت النار فجأة وأضرمت في مكانٍ آخر.. أضرمت في رأس
"إينانا" الحقيقية الملقاة على الأرض.
لم تكن هذه نارًا وإنما كانت خيالات أودعتها الشياطين في عين "هازارد".. ويبدو
أن ما كان يفعله نجح.. وحضرت من تستقي كل جماالت النساء من جمالها..
حضرت "إينانا".. أو كما يلقبها الرومان "فينوس".. ويتحدث اليونان عنها باسم
"أفروديت".. أو كما عبدها العرب باسم "الالت".. حضرت "عشتار" كما يناديها
البابليون.. جاءت كما يجب أن تجيء آلهة الجمال.. جاءت في أبهى ثوب وأحلى
زينة.
جاءت كطيفٍ أضاء جوانب هذا المشهد المظلم.. بُهِتَ "هازارد" للحظات أمام
عظمة هذا الجمال.. ثم تمالك نفسه وقال لها :
- "إينانا" أيتها األميرة.. حدثيني بخبر الساحرين "عزازيل" و"شمهازي"..
عن رحلتك المقدسة حدثيني يا "إينانا".
نظرت "فينوس" بجمال عينيها إليه بنظرة كانت للسخرية أقرب وقالت :

- لم يكونا ساحرين يا "هازارد".. ولم تكن هذه أسماؤهما.. بل كان
أحدهما يدعى "هاروت".. واسم الأخر "ماروت" .. ولم تكن رحلتي
مقدسة.. إنما كانت ملعونة.
اندهشت تعابير "هازارد" الصارمة وقال :
- أرجوك يا سيدة أهل الجمال أخبريني بكل ما رأيت كما رأيت.
تقدمت "فينوس" بخطوات ملكية إلى منتصف الدوائر المرسومة على ألأرض..
ثم رفعت ثوبها الطويل قليلًا وجلست مكانها.. وبدأت تحكي..
تقول "فينوس". .
إنما كنت مبعوثة من قِبَل سحرة "أوروك" إلى مدينة بابل.. وأنت تعلم عظمة
مدينة أوروك وتفوقها في علوم السحر.. إنها المرة الوحيدة التي أخرج فيها
من مدينتي الحبيبة أوروك.. والمرة الأخيرة في الواقع.. كانت القصة أنه أتى إلى
كبار سحرة أوروك نبأ وجود ساحرين في مدينة بابل طغى سحرهما على سحرة
بابل كلهم من أكبرهم إلى أصغرهم.. وأن أحدهما يدعى "عزازيل" وآلاخر
يدعى "شمهازي".
وقيل إن هذين الساحرين يُعلّمان الناس السحر بلا مقابل.. بل ويطلبان ممن
يتعلّمه منهما أن ينشره بين أكبر عدد ممكن من الناس أو هكذا قيل عنهما..
كانت مهمتي أن أتعلم منهما كل ما يُعلّمانه للناس وما يخفيانه عن الناس..
وأنت تعرف أنه لم يُخلَق رجل ملكًا كان أو ساحرًا.. شابًا كان أو شيخًا.. أمكنه أن
يصمد أمام سحري الخاص.. سحري الأنثوي الخاص.. الخلاصة أنني كنت الوحيدة
المناسبة للقيام بهذه المهمة.. وكان عليَّ أن أدوِّن كل أتوصَّل إليه وأنقله إلى
سحرة "أوروك".
المشكلة أن سحر هذين الساحرين أبطَل كل سحرٍ كان يبرع فيه سحرة بابل
أجمعين.. كان هذا كلاما عجيبًا جدًا.. فهناك أصناف من السحر في بابل لم

يستطع أعتى السحرة في أوروك فهمها.. فضلًا عن معرفة كيفية فكها
فكها.. مثل سحر اللوحة؛ تلك اللوحة التي قد رسموا عليها أنهار بابل كلها..
فإذا خالفهم الناس في أمرٍ يريدونه وضعوا إبرة في موضع أحد األنهار في
الرسمة.. فإذا فعلوا هذا توقف جريان النهر الحقيقي وغار ماؤه. وسحر المرآة..
فمن غاب له عزيز كان يأتي سحرة بابل ويقدم لهم ما يطلبونه.. فيسمحون له
أن ينظر في المرآة ليرى ذلك الغائب على حاله التي هو عليها.. المشكلة أن سحر
هذين الساحرين كان يبطل كل هذا وأكثر منه.
رائعة هي بابل.. بغضّ النظر عن مهمتي التي لم أكن متحمسة جدًّا لها..
كان لابد من رؤية برج بابل العظيم وحدائقها المعلقة.. ورغم أن هذين كان لا
يدخلهما سوى ملك آشور وعائلته إلا أنك تعرف حكاياتي مع الملوك.. وتعرف أن
آخر ملك زرته انتهى به الأمر راكعًا تحت قدمي يقبّلهما.. وكنت أعرف أن هذين
الساحرين سيركعان تحت قدمي بدورهما وسيُقرّان لي بكل ما تعلماه منذ كانا
أطفالًا يلعبان في المروج.
لكنني منذ أن بدأت أسأل عن "عزازيل" و"شمهازي" هؤلاء كنت أسمع قولًا
عجبًا.. قيل لي إن لديهما مغارة على حدود بابل الجبلية.. وأن هذه المغارة
يقصدها الأن نفر كثير من أهل بابل.. ومن يذهب إليها يُختبر اختبارًا غريبًا.. فلو
فشل فيه يُطرَد ويعود.. ولو نجح فيه يدخل إلى هذه المغارة ويظل فيها سنة
كاملة الا يخرج منها.. ولما يخرج.. يكون لديه من الفنون والعلوم ما يفوق عِلم
أي ساحر في بابل أو خارج بابل.. والا يتمكن أي ساحر أن يسخِّره كما يسخر عامة
الناس.
لم تكن المغارة تُفتَح إلا يومًا واحدًا فقط في السنة كلها وتظل بقية السنة
مغلقة فلا يقدر على فتحها أعتى الجبابرة.. وقد كان ذلك اليوم الذي تُفتح فيه
تلك المغارة قريبًا جدًا.. لطالما كنت محظوظة.. وها أنا ذا يسوقني راع أُعجب
بجمالي على حصانه ويتجه بي إلى تلك المغارة..

- هاقد وصلنا أيتها الفاتنة.. هذه هي المغارة.. لا أدري ما الذي يُجبر
أميرة من أميرات الانس أن تدخل إلى هذا المكان.
- لا شأن لك بهذا أيها الراعي.. انتظرني هنا.. فإن لم أخرج لك عد إلى
ديارك.
- يمكنني أن أنتظرك العمر كله يا أميرتي.. فالديار من بعد رؤياك
ستصير قبورًا.
يحق للراعي أن يقول هذا وأكثر.. فقد كان يحمل "فينوس" بنفسها.. دعنا منه
الآن.. لم يكن منظر المغارة يوحي بأن لها شأنًا ما.. كانت مجرد فتحة صغيرة
في الجبل.. وكان واقفًا أمامها رجال كثير ونساء.. وقد وقفت معهم حتى خرج
لنا الساحران إياهما.. وليتني لم أرهما.
كانت المرة ألاولى التي أرى فيها بشرًا أجمل منِّي.. ليس واحدًا بل اثنين.. وليستا
امرأتين بل رجلين.. المرة الاولى التي يخفق فيها قلبي بهذه القوة.. منذ متى
كان الرجال بهذا الجمال.. منذ متى كانت الرجولة بهذه القوة.. يبدو أن مهمتي
هنا قد فشلت قبل أن تبدأ.. فمجرد النظر إلى هذين الرجلين كان ينسيني ما كنت
آتية بشأنه.
دخلت المغارة مع الساحرين الوسيمين.. وقد أبقى ما رأيته بداخل المغارة شفتاي
مفتوحتان من الدهشة.. كيف يمكنني أن أصف شيئًا كهذا.. في البداية حتى
يمكنني أن أنقل لك ما رأيته يجب أن تلغي كل الصور التي في ذهنك عن
الكهوف والمغارات التي تكون دائمًا ضيقة.. هذه المغارة كانت واسعة
كالقصر.. سقفها بعيد جدًّا عن رؤوسنا.. يجري أمامنا نهر أوله عند قدمي
وآخره في الافق.. ينبع من نبع ماء عذب قريب.. الجدران تبدو وكأن بها شيئًا
مختلفًا.. فهي ليست صمَّاء ككل الصخور.. بل هي مليئة بالشقوق الصغيرة

الدقيقة جدًّا والتي تُظهِر الشكل العام للجدران من بعيد وكأنها مزخرفة.. كانت
هذه هي أول صورة قابلَتْها عيناي.
أخذنا الرجلان فأوقفانا على حافة النهر الجاري.. وطلبا منا طلبًا غريبًا جدًا.. يبدو
أن هذا هو الاختبار الذي يقولون عنه.. طلبا منا واحدًا واحدًا أن نتفل في النهر
ثالث تفالت.. قالا إن هذا اختبارٌ صغيرٌ يعرفان به الساحر من غيره.. كنت الثالثة
في الطابور.. تفل الرجل الواقف في بداية الصف مرته الاولى.. نظرت إلى الماء
لعلي أرى شيئًا؛ فرأيت نقطة زرقاء تمضي مع النهر في جريانه.. ورأيت مثل هذا
في تفلته الثانية والثالثة.. اقترب منه أحد الساحرين الوسيمين وطلب من أحد
رجاله أن يأخذه معه إلى صخرة ما لست أذكر اسمها.
ثم تفل الرجل الثاني.. نظرت إلى المياه فرأيت نقطة حمراء تجري مع جريانه..
ورأيت مثلها عندما تفل الثانية والثالثة.. قال له أحد الساحرين الوسيمين بلهجة
معاتبة:
- ليس هذا مكان لمن تعلموا السحر في مكان آخر.
وساقه أحد الرجال إلى الخارج.. وآلان جاء دوري.. الان فهمت الاختبار فابتسمت
بثقة.. أنا لم أتعلم السحر في أي مكان.. تقلت ثلاث تفلات رقيقة في الماء..
ونظرت إليها فوجدتها كلها زرقاء.. وهنا أخذني أحد الرجال إلى تلك الصخرة
إياها التي نسيت اسمها.
كانت صخرة ضخمة تقف بشموخ في وسط النهر.. وكانت مليئة بالشقوق
الصغيرة إياها.. لكن هناك جملة قد كُتِبَت في أعلى الصخرة باللغة البابلية..
جملة تقول " من فُتن بنا فليس منا.. من فُتن بنا فقد كفر".. لم أفهم شيئًا ولم
أكترث.. الجميل في هذه المغارة العجيبة أن فيها غرفًا منحوتة في الجدران..
أشعر أن هذه ليست مغارة.. أشعر أنها قرية صغيرة عجيبة.. عرفت معلومة[/size]

ملكة جروح 12-16-2020 07:45 PM


أخرى لم أكن أدري كيف وصل غبائي لئلا يفكر فيها من قبل.. نحن لن نخرج من
المغارة إلا بعد سنة كاملة ال ينفتح فيها بابها كما قال الأهالي.. فماذا سنأكل؟
كان الطعام هو النواشف التي لا تفسد.. مثل الزبيب والجوز واللوز التي يأتون
بها بكميات كبيرة جدًّا ويخزنونها لتكون لنا طعامًا.. والشرب هو من مياه النبع
العذبة.. هكذا فهمت كيف تدار الأمور هنا.. لكن بالنسبة لمهمتي فلا أدري..
كل هذا لم يكن بحسباني.. ثم إن الرجلين لم ينظرا لي لأكثر من ثانية.. أنا أعرف
الرجال عندما ينظرون إليَّ.. أعرف كيف يتوترون لما يحدثونني.. لكن هذين
الوسيمين أشعراني بأني جدار لا تأثير له على أحدٍ.. لكن لم يُخلَق رجل وقف أمام
"فينوس".. ولن يخلق.
في كل يوم كان يمر عليً وأنا في هذه المغارة أعرف مقدار خطورة المهمة
التي أُرسلتُ فيها.. علمت أن السحرة الذين كانوا يسخّروننا لخدمتهم إنما هم
حثالة الناس يا "هازارد".. بل إن الحيوانات أطهر منكم يا "هازارد".. تعلمت أن
قدرتكم الإعجازية هي في الحقيقة ليست قدرتكم وليست إعجازية.. إنما هي
قدرات الشياطين الذين بعتم لهم كرامتكم.. عرفت في تلك المغارة معنى
الإعجاز الحقيقي.. علمت أن الكواكب السبعة والشمس والقمر التي يُعلمنا
سحرتنا أن نتقرب لها ونعبدها ما هي إلا أجرام وأن لها إلهًا واحدًا هو إله
"إبراهيم".. وعلى مثل "إبراهيم" تكون المعجزات.. علمت أن كل ماتفعلونه
وهم.. وكل ما تقولونه وهم.. علمت أن أولئك السحرة هم أضعف شيء وأن
الشياطين هم أضعف شيء.. علمت لكل تعويذة ساحر تعويذة تفكها.. علمت
أن "عزازيل" و"شمهازي" هي أسماء شريرة أشاعها السحرة عن الساحرين
الوسيمين.. لقد كان اسمهما يبدو أجنبيًّا جدًّا وجميلًا جدًا.. كان أحدهما يدعى
"هاروت" والاخر "ماروت".
"وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر"

لكن هذين الساحرين لم يكونا يقدمان ملكًا ولا سلطانًا.. ولا يقدمان ذهبًا ولا
فضة.. من يخرج من تحت أيديهما يكون مصونًا لا يقدر عليه أعتى ساحر.. لأنه
يعرف الحقيقة.. وبالنسبة لي في ذلك الوقت فقد قررت أن أجمع بين الاثنين.. أن
أعرف الحقيقة حتى لا يكون لساحر سلطانٌ عليَّ.. وأن ألبس الذهب والفضة..
وليس هذا يأتي إلا بإتمام مهمتي هنا والعودة
إلى سحرة أوروك بكل ما تعلمته.. ولكني سأشترط أن أكون أميرة يا "هازارد"..
سأملك كل أولئك السحرة وسيركع تحت قدميَّ الجميلتين كل الملوك والسحرة
الذين يسيرون الملوك.
يلقبونني بالزُهرة.. لأن حُسني بين كل النساء كحُسن الزهرة على سائر
الكواكب السبعة.. ورجلان مثل "هاروت" و"ماروت" لابد أن لهما رغبات مثل كل
الرجال.. مثل كل البشر.. وفي ذات ليلة يا "هازارد".. كان كل من في المغارة
يغُط في سبات عميق.. خرجت من غرفتي المنحوتة في الصخر وليس على
جسدي الجميل سوى ملاءة صغيرة تبدي أكثر مما تخفي.. إن "فينوس" آتية.. إن
سيدة الاقمار السبعة آتية.
مشيت في هذه المغارة بمحاذاة النبع إلى المكان الذي يُفترض أن يكون غرفة
الساحرين.. لم تكن المرة الأولى التي سأرى فيها تلك الغرفة على أية حال.. فلي
في هذا المكان ما يقرب من التسعة أشهر.. لكنها كانت المرة الأولى التي
أمشي فيها وحدي في المغارة في هذا الوقت.. كانت هناك مشاعل معلقة على
الجدران في أكثر من موضع لتضيء المغارة كل الوقت.. فلسنا ندري أفي نهار
نحن أم ليل.. ظللت أمشي وأنا أضم ملاءتي الصغيرة على جسدي الفاتن.
ولما اقتربت من غرفتهما سمعت تراتيلَ كثيرة بأصواتهما الجميلة.. ماذا يقول
هذان الرجلان بالضبط وأي لغة هذه.. استجمعت أنفاسي ودخلت..
- هل يحرَّم على البشر في ناموسكم أن يتكاثروا؟

نظرا إليَّ بلا اكتراث.. يا إلهي إنهما يشعرانني أني نكرة .. ثم إنني أسقطت عن
جسدي ثوب الحياء وظهرت أمامهما كما ولدتني أمي.. قلت إني أريد أن آخذ
منهما مالم يأخذه بشر قبلي.. نظرا إلى وجهي.. فقط إلى وجهي.. ثم إن
"هاروت" قال لي بهدوء جاد :
- أن تذهبي عنا الآن هو خير لك.. لئلا يلعنك ربي في الملعونين.
وقال "ماروت" في هدوءٍ أشد:
- عودي إلى أوروك مدينة الفرات.. ولا تكفري كما كفر قومك.
قلت في ثورة :
- بكم قد كفرت وكفرت بربكم.. ما أنتما ببشر.. أنتما من قبيل
الشياطين.
وتبدلت الارض غير ألارض ورأيت السماءَ لأول مرة.. لم تعد هناك كهوف ولا
شقوق ولا "هاروت" ولا "ماروت".. إن هذا لسحر عظيم.. لا ليس هذا بسحر..
إنما هو معجزة.. جريت إلى بابل وليس على جسدي سوى ملاءة قصيرة تبدي
أكثر مما تخفي.
قال "هازارد" بغضبٍ:
- ألم تمكثي سوى تسعة أشهر؟ وهل دونت ما تعلمت؟
قامت "فينوس" عن الارض ونظرت إلى "هازارد" نظرة أنثوية تجيدها:
- لقد استغلني الحثالة أمثالك من السحرة في أوروك ودوَّنوا عنِّي كل ما
تعلمته ولم أجد نفسي بعدها سوى جثة مقطوعة الرأس.
ثم تحولت نظرتها الجميلة إلى نظرة مخيفة وقالت:

- لقد أصبحت ملعونة إلى الابد يا "هازارد".. لُعِنت مرتين.. مرة لما
حاولت أن أفتن مالكين كريمين.. ومرة لما كفرت بكل ما علماني
ونقلته إلى الحثالة أمثالك في أوروك.
تراجع "هازارد" وفقد صرامته مع تقدمها الحثيث منه.. وكانت هذه فرصتها..
لابد أن يكون النكرومانسر قويًّا بما يكفي للسيطرة على الروح التي يود أن
يستدعيها.. ولكنه لم يكن يدري.. لقد كانت "فينوس" غاضبة.. وملعونة.. ولقد
مزقت روحه شر ممزق.. روحه التي صعدت مع ملائكة العذاب إلى السماء..
السماء التي برق فيها في تلك الليلة كوكبٌ ببريق أحمر جميل.. كوكب الزهرة.
تـمَّت
****

ملكة جروح 12-17-2020 05:46 PM


لم تُذكر هذه القصة بكمالها هذا في أي مكان.. إنما ذُكِرَت بشكل مكذوب
في التوراة والانجيل.. وذُكِرَت بشكل مختصر جدًّا في القرآن.. وبسبب هذا
الاختصار.. ذكر بعض كبار مفسري القرآن القصة المكذوبة الواردة في التوراة
واإلنجيل.. وردَّ عليهم المفسرون الكبار الآخرين.. ولقد عرفت القصة الكاملة
لأنني ساحر.. نعم.. أنا كذلك.. ولا تجزع.. فأنا ساحر سابق.. ولقد تركت هذا
الطريق وصرت أحاربه.. ألم أقل لك إنني على شفا حفرة من الموت؟
إن القصة المكذوبة ببساطة هي أن المالئكة ذات يوم عاتبت الله لأنه استخلف
على ألارض بني آدم.. وهم الذين سفكوا الدماء وأفسدوا في الارض أيما فساد..
فقال الله لهم إنه لو أنني أنزلتكم إلى الارض وزرعت فيكم ما زرعته في ابن
آدم من الشهوات لسلكتم مثل سلوكهم.. فرفضت الملائكة ذلك وأصروا على
رأيهم؛ أنه يستحيل عليهم أن يفعلوا كما فعل بني إلانسان.. فقال لهم الله أن
يختاروا أفضل اثنين منهم فينزلان إلى الأرض.. وسيزرع فيهما ما زرعه من ابن
آدم من الشهوات.. وبالفعل اختارت الملائكة اثنين من أفاضل المالئكة..
"هاروت" و"ماروت".. ورزع الله فيهما ما زرع في ابن آدم وأنزلهما إلى الارض.
عمل "هاروت" و"ماروت" قاضيين.. وذات يوم مرت عليهم امرأة جميلة هي
"إنانا".. وكانت تلقَّب بالزُهرة من جمالها.. فافتُتنا بها على الفور وأتيا إليها
يبغيان جسدها.. قالت لهما لا أعطيكما ما تريدان إلا بعد أن تفعلا ثلاثة أمور..
أن تكفرا بالله.. وأن تقتلا نفسًا.. وأن تشربا الخمر.. فرفضا وقالا لا نكفر ولا
نقتل.. واختارا شُرب الخمر.. فشربا الخمر فقتلا ثم كفرا.. فلعنهما الله وصارا
ملعونين.. وذهبا إلى النبي إدريس ليشفع لهما عند ربهما فتعجب كيف يشفع
أهل ألارض لأهل السماء ولم يملك لهما من الله شيئًا.. وأصبحا يُعذبان في
مغارة معروفة باسمهما حتى قيام الساعة.
والحقيقة بالطبع أن كل هذا كذب.. كذب متعمَّد.. القصد منه إخفاء القصة
الحقيقية؛ لأن هناك أمورًا من الخير أن تظل مخفية أبد الدهر.. فلا توجد ملائكة

تجادل الله في أمرٍ وتتحداه وتقول له بل نحن قادرون.. وليس من مقام الملائكة
أن تكفر وتزني وتقتل و تشرب الخمر وتعذب وتلعن.. الحقيقة فقط أظهرها
المسلمون.. فهم لما يرون كوكب الزهرة طالعًا في السماء يلعنونه.. ويقولون
إن هذا اللعن بسبب أن الزُهرة هي من أغوت "هاروت" و"ماروت".. فلا هما
بقاتلين ولا ساحرين.. إنما كانا يُعلّمان الناس طريقة التغلب على سحر سحرة بابل
الذين طغوا في البلاد.. ولم تفتنهما "إنانا" ولم يزنيا بها.. بل إنهما قد طرداها..
وهي التي لُعِنَت لأنها حاولت إغواءهما.
المشكلة أن "إنانا" قد دوَّنَت كل ما تعلمته من "هاروت" و"ماروت" ووصل ما
دوَّنته إلى سحرة بابل.. وبدأ السحرة يستخدمون تلك التعاويذ الخاصة بالملكين
ويطورونها ويزيدون فيها لتُستخدَم في أغراضهم القذرة.. فالسحر إذن
سحران.. سحر علَّمه إبليس للنمرود.. وسحر علمه "هاروت" و"ماروت" لأهل
بابل.. وهناك جزء كبير من السحر الثاني وصل إلى أهل السحر الاول فزادوا فيه
وحولوه إلى أغراض شريرة.. وهذا هو السر الثاني الذي أهديك إياه.
وقبل أن نكمل لعبتنا يجب أن أعترف لك بأمر.. نحن لسنا وحدنا.. إن هناك سبعة
شياطين تنظر إلينا أنا وأنت بينما نجلس معا جلستنا هذه.. تنظر إلي وأنا أحكي..
وتنظر إليك وأنت تقرأ.. لكن ال تجزع.. فإن هناك تلاوات وتعاويذ كثيرة جدًّا قد
ملأتُ بها هذه الغرفة.. تعاويذ لن تصمد طويلا أمام هؤلاء الشياطين السبعة
لكنها على ألاقل ستعطيني سويعات يمكنني فيها أن أقول كل ما أريد.
والآن دعني أقلب في هذه الأوراق الملعونة.. ودعني أعرض عليك المجموعة
الثالثة.. هي أربعة أوراق فقط..
الورقة ألاولى هي ورقة الكهنة وعليها صورة لكهنة مريبي المنظر يرتدون
عباءات بنية ذات قلنسوات تغطي رؤوسهم..

الورقة الثانية هي ورقة الفرسان وعليها صورة فارس من فرسان الصليب في
العصور الوسطى.. يرتدي ذلك الرداء الأبيض المميز لفرسان الصليب والذي
يتوسطه صليب أحمر كبير.
الورقة الثالثة هي ورقة الأسرار التي لم ينبغِ للإنسان أن يعرفها.. وعليها صورة
وجه رجل منبهر اكتشف شيئًا ما أبهره..
الورقة الاخيرة هي ورقة الجمعة الثالث عشر.. وعليها صورة مليئة بالإيحاءات
المظلمة من التقويم المفتوح على يوم الجمعة الثالث عشر.
وهذه الحكاية سيحكيها لك واحد من الشياطين السبعة الذين يراقبوننا الآن..
لأنها حكاية تتعلق به.. لا تسألني كيف أجعله يحكيها لك بينما هو يجاهد مع
قبيله لكسر تعاويذي والدخول إليَّ وقطع رأسي.. هذه ألامور لا تسأل عنها مرة
أخرى أبدًا؛ لأنها من أمور السحر الأسود الذي برعت فيه ذات يوم.. ومن أمور
الجن التي لن تفهما لأنك لست ساحرًا ولا ينبغي لك أن تكون.
***
65
تسعة أعطيناهم النور
950 قبل الميلاد – 1300 بعد الميلاد

ملكة جروح 12-18-2020 10:15 AM

إن أروع شيء يمكنك أن تفعله في حياتك هو أن تبيع روحك لي.. أنا أملك كل
شيء.. أملك نفوس الناس.. وأملك عقولهم.. وقلوبهم.. أنا أفتح لك كل
الابواب.. كلها بلا استثناء.. أين تريد أن تصل؟ مال أم سلطة أم جاه أم شهرة..
أنا أعطي بلا حساب.. عطاءً حقيقيًّا سريعًا تلمسه بيدك.. أنا الذي خُلِقت لما خُلِق
الزمن.. وسأحيا إلى أن ينتهي الزمن.. إنهم يخفون اسمي عنك.. يوهمونك بأنني
سيء.. يريدون أن يحتفظوا لأنفسهم بالكعكة كلها.. لكني سأخبز لك
كعكتك الخاصة.. قلها معي ولا تخش شيئًا.. "بافوميت".. اسمي العظيم هو
"بافوميت".. لابد أنك تريد أن تراني.. لست مؤهّلًا بعد لهذا الأمر.. لا لنقص فيك
يا عزيزي حاشاك النقص.. وإنما ألن قلبك المرهَف لربما يتفتت من عظمة ما
يراه.
لكني سأريك مثلًا لي.. مثلًا يخضع لقوانين عالمك الذي لم أرَ عالمًا بمثل عظمته..
تعالَ معي ياعزيزي.. تعال ولا تخف.. تعال إلى هذه الكنيسة.. أمدد يدك وافتح
بابها ولا ترتجف.. أنا أنتظرك.. ادفع الباب بقوة وادخل بأيِّ قدميك تشاء.. دعك
من الرجال العرايا الذين يتزاوجون فيما بينهم هنا وهناك.. دعك من الدماء التي
على شفاههم وجلودهم.. دعك من كل هذا وتقدَّم.. إلى تلك الطاولة الكبيرة
هناك.. هل رأيتني الآن؟ ها أنا هناك في المنتصف.. ها أنا ذا "بافوميت".
سأحكي لك كل شيء.. من حقك أن تعرف كل شيء.. تعالَ معي إلي القدس..
ليس قدس اليوم.. بل قدسٌ منذ أكثر من ألف سنة.. قدسٌ لم تعد قدسًا.. بل
صارت أنهارًا حمراء.. دماء كانت تجري فيها وصلت إلى كعوب الجياد.. دماء
المسلمين.. دماء فرسانهم وأطفالهم ونسائهم وشيوخهم.. إن المسلمين
أشرار كما سأوضح لك فيما بعد.. لكن هذا ليس نقاشنا الآن.. لن نتحدث عن تلك
الأنهار الحمراء التي كانت تجري في شوارع القدس كأنما أضافت فراتًا جديدًا
إلى خريطة العالم.. فرات أحمر قانٍ.. الناظر إليها يظن أنما الأرض قد جرحت

ودمت. لن نتحدث عن تلك النساء التي كان فرسان الصليب يغتصبوهن بأيادٍ لم
تجف بعد من دمائهن.. ولا عن أولئك األطفال الصغار الذين كانت رؤوسهم
الصغيرة مسحوقة تحت حوافر الجياد.. ولا عن تلك القدور التي كان فرسان
الصليب يغلونها ويلقون فيها الرجال والنساء والأطفال.. لن أحدثك عن كل ذلك
وإنما سأحدثك عن قدس مابعد جفاف تلك الدماء من ألاراضي لتقطر من قلوب
ساكنيها المسلمين.. القدس المحتلة.. وأسمّيها محتلة لأنه بعد تلك الواقعة
احتلها الصليبيون لأول مرة من المسلمين وفي رأيي أنها ليست حقًّا لأي منهما..
إنما هي حقٌّ لنا نحن.. من نحن؟ هذا ما أنا قادم ألحدثك بشأنه.
حديثنا سيكون عنِّي أنا في البداية.. كنت بائع تحف قديمة عربي في القدس.. لا
تستنكر هذا الآن وتسألني عمَّا رأيته على الطاولة في تلك الكنيسة التي أدخلتك
إياها سابقًا.. هذا تساؤل سابق ألوانه.. عجوزًا كنت.. أكثر أسناني قد سقطت..
وفي لحيتي سبع شعيرات منثنيات.. وها أنا أجلس نصف عارٍ في أحد حمَّامات
القدس الشهيرة.. حمَّام علاء الدين.. وكلمة حمَّام في ذلك العصر كانت تعني
ذلك البناء اإلسلامي الفخم الضخم ذا الثلاث قاعات )بيوت( والذي يرتاده الناس
للاستحمام.. كنت في بيت التسخين.. والبخار يسخن جسدي العجوز.. لم تغب
عيناي عن ذلك الشاب المفتول العضلات الذي يجلس بالقرب منِّي في شرودٍ..
كنت أرتقبه منذ أيام.. وهاقد جاءت الفرصة لأحدثه على طبقٍ من ذهب.. اسم
هذا الشاب هو الاسم الذي بدأ به كل شيء.. اسمه "هيو بايون".. فارس من
فرسان الصليب ذي أصول يهودية.. وأريدك أن تتذكر أصوله اليهودية هذه
جيدًا.
- "هيو بايون".. هل علمت زوجتك "كاثرين" بالأمور الشنيعة التي
فعلتها في نساء العرب ؟
التفت "هيو" إليَّ وكأنما حية لسعته وقال :

- ما.. ماالذي تقوله ياهذا؟ من أنت.. وكيف عرفت اسم زوجتي؟
قلت له بصوت كفحيح الحية التي لسعته :
- "كاثرين كلير".. لقد علمت زوجتك كل شيء فعلته.. كل فتاة
اغتصبت جسدها قبل أن تمزقه إربًا بسيفك.. لقد علمت أنك مريضٌ يا
"بايون".. ويبدو أنني أسمعها آلان تحكي قصتك لقبيلتك المحافظة
كلها.
قال "هيو بعينين متسعتين مندهشتين:
- ما الذي.. بل كيف تقول.. من أنت أيها العجوز الخرف؟
نظرت إلى عينيه المتسعتين وقلت:
- أنا عملك القذر يا "بايون".. أنا وجهك الأسود الذي تخفيه وراء قناع
الفروسية والتديُّن.
استيقظ الفارس الكامن في "هيو" وأمسك برقبتي في عنفٍ وقال:
- من أنت أيها العربي الحقير.. وكيف تجرؤ على التفوّه بهذا الكلام
القذر.. وكيف تعرف كل هذا الهراء ؟
توقف كل ذي استرخاء عن استرخائه واعتدل مرتادو حمام علاء الدين لينظروا
للفارس "هيو بايون" وهو في أكثر لقطاته جنونًا.. حيث يصرخ ويمسك ويهدد
العمود الرخامي الذي يجلس بجانبه.. انتبه لهم "هيو" للحظات ثم أعاد النظر إليَّ
ليجد فراغًا يزينه عمود رخامي ذو نقوش إسلامية جميلة... أخذ "هيو" ينظر حوله
كالمجنون يبحث عنِّي.. ثم ينظر إلى دهشة الناس ويقول :
- ولكن.. ولكنه كان هنا.. ذلك العجوز.. الخرف.. ألم يرَه أحدكم ؟

عيد الزيتونة المسيحي.. أو مايسمونه هنا عيد الشعانين.. تجمَّع سكان القدس
من صليبيين حاملين لأغصان الزيتون وحجَّاج ومسلمين فضوليين متفرجين في
ساحة قبة الصخرة في الحرم القدسي.. ثم توجهوا في موكبٍ ضخم إلى وادي
الأسباط المجاور.. ليقابلوا هناك موكبًا ضخمًا من رجال الدين ورؤساء الأديرة
الذين يحمل أحدهم الصليب المقدس.. فيجتمع الموكبان ويعودان ليتجها إلى
ساحة قبة الصخرة.. كان "هيو بايون" وسط كل هذا.. ويبدو أنه كان يستحم
ذلك اليوم في حمَّام علاء الدين لأجل هذا العيد.
كان رجال الدين وفي مقدمتهم حامل الصليب المقدس يطوفون حول الساحة..
وفي هذا رمز لطوفان الصليب المقدس حول هيكل سليمان.. كنت هناك واقفًا
مع المتفرجين الفضوليين.. اقتربت من "هيو" في هدوء وقلت له :
- هؤلاء الحمقى لايعرفون أنهم يطوفون وتحت أقدامهم كنز من
ملكه ملك العالم أجمع.. ومن خسره خسر العالم أجمع.
نظر لي "هيو" بدهشة ثم تحولت دهشته إلى غضبٍ وقال :
- اسمع ياهذا.. لو بقيت أمامي لحظة أخرى سأخفيك من الوجود تمامًا
بقبضتي هذه وحدها.
- بل اسمع أنت يا "بايون".. ستأتيك رسالة اليوم بعد مغرب الشمس من
زوجتك في شامبين بفرنسا.. ستحكي لك فيها عن رؤى تراها وتقض
مضجعها كل ليلة.. وستصف لك رجلًا.. ولو لم يحدث ما أقوله لك
تعالَ إلى متجري في السوق واقتلني.. وإن حدث كما أقول فتعالَ أيضًا
إلى متجري وسأخبرك.
- بماذا ستخبرني أيها المأفون؟ ومالك ومال زوجتي أيها الحثالة؟

مرت بيني وبين "هيو" عدة أجساد كانت كافية لأتوارى عن ناظريه. وفي المساء
جاءت لـ "هيو" رسالة من زوجته تقول له فيها إنها ترى رؤيا مزعجة تأتيها كل
يوم.. ترى رجلًا عجوزًا بأسنان مكسورة يطوف بساحة قبة الصخرة المقدسة
وفي منتصف الساحة ترى "هيو" وهو يضاجع فتاة سمراء مقطوعة الرأس
وسيفه بجوار رأسها.
- هل أنت ساحر ياهذا؟
نظرت إليه من بين تحفي ألاثرية في متجري قائلًا:
- أنا تاجر تحف أثرية كما ترى ياسيدي.
- كيف عرفت اسم زوجتي أيها اللعين وكيف عرفت بأمر رؤياها ؟
- هل أزعجتك رؤياها؟ هل تريدها أن ترى الفتيات الأخريات ومافعلته
معهن؟
- كيف تعرف كل هذا؟ من أنت بالضبط؟
- "بافوميت"
- ماذا ؟
تقدمت بهدوءٍ ناحية أحد الرفوف وأمسكت بتحفة كبيرة تمثل مجسمًا للحرم
المقدس كاملًا.. وضعت المجسم على الطاولة الرئيسية وقلت له:
- أنا أقرأ عقلك ككتاب مفتوح يا "بايون".. أنت الان تفكر أن تنهي
أمورك في القدس وتسافر عائدًا إلى شامبين.. وتفكر ألا تكرر
المشاركة في أي حروبٍ قادمة لأن الإثارة التي حصلت عليها في
الحملة الصليبية أشبعتك.
- من أنت؟

- أنا "بافوميت".. "بافوميت" الذي سيحولك إلى أغنى رجل في أوروبا
كلها.. بل في العالم كله.
- ما الذي تريده مني ياهذا؟ لست من النوع الذي يصدق خرافات
المشعوذين؟
- بالطبع.. بدليل أنك ذهبت إلى "جوليان" الساحر في كلومونت.
هنا اتسعت عينا "هيو" في دهشة ورعبٍ.. كنت أخبره عن أمورٍ لا يدري بها
مخلوقٌ على وجه الارض سواه.. وعن أسرارٍ لم يحدِّث بها سوى نفسه التي بين
جنبيه.. وبدأت لهجته تتحول في الكلام معي من العدائي المندهش إلى المحاوِر
المنبهر.. وهذا هو ما أردت الوصول إليه؛ أن يثق بي.. إن الإنسان الذي يثق بك
يكون كالمضغة بين أسنانك تفعل به ماتشاء.. وقد مضغت "هيو" وشكَّلته حتى
صار كالكرة التي أقذفها أينما أريد.. وقد قذفته أول ما قذفته إلى شامبين
بفرنسا.. حيث سيفعل هناك كما أريد له أن يفعل هناك.
سافر "هيو بايون" إلى شامبين بفرنسا.. وهناك جمع ثمانية رجال.. بعضهم
إخوته وبعضهم أولاد عمومته.. وكلهم مثله ذوو أصول يهودية ألنهم من
نفس العائلة.. وتوجه بهم جميعًا عائدًا إلى القدس.. ودخل بهم إلى الملك
"بالدوين الثاني" ملك القدس الصليبي.. أقنع "هيو" الملك بأنه من الالزم الحتمي
أن يشكل تنظيمًا خاصًا من الفرسان لحماية الحجاج الصليبيين الذين يحجون إلى
الحرم المقدس ويتعرضون لعمليات قتل وقطع طريق ينفذها المسلمون
الحاقدون.. ورغم أن الملك "بالدوين" اقتنع إلا أن "هيو" كان كاذبًا كبيرًا..
فالمسلمون لم يكونوا يقتلون أحدًا بل القتلة هم قُطَّاع طرق المجرمين.. لكن
أداء "هيو" كان مذهلًا أمام الملك.. تمامًا كما نصحته أن يفعل.
بهذا تكون تنظيم الفرسان.. "فرسان الهيكل".. وسُموا بهذا الاسم لأن الملك
"بالدوين" قد أعطاهم مقرًّا خاصًا بهم في جناح من القصر الملكي في جبل

ملكة جروح 12-18-2020 10:32 AM

الهيكل.. وجبل الهيكل كلمة يهودية تعني الحرم القدسي؛ لأن الحرم القدسي
في عُرف اليهود قائم على أنقاض هيكل سليمان.. أي أن جناح الفرسان كان
بجوار المسجد األقصى.. تمامًا كما أردت له أن يكون.
دعني أعلمك أمرًا قبل أن نسترسل في قصة الفرسان.. أنا شيطان كما لابد أنك
قد فطنت.. ومعنى أنني شيطان أي أنني أجري من ابن آدم مجرى الدم.. تأتيني
أفكاره وكأنها كتاب أفتحه على أي صفحة أشاء.. ليس هذا فقط بل إنني أعدل
على أي صفحة أريدها وأناقش ابن آدم فيها حتى تتملكه.. كان سهلًا جدًّا أن
يقتنع "هيو" بكلامي.. وسهلًا جدًّا أن يقتنع الملك "بالدوين" بكلام "هيو"..
وسهلًا جدًّا أن يقتنع ثمانية رجال بكلامٍ غريبٍ يحدثهم به "هيو".. كل هذا
سهل.. سهل لأنني "بافوميت".. سهل لأنني الشيطان.. سهل ألنني ألتف بأفكار
ابن آدم كما تلتف الحية حول صيدها.. بل أكثر من ذلك ياصديقي.. أكثر من ذلك.
لم يسجل التاريخ حالة واحدة حمى فيها فرسان الهيكل أي حاج.. بل أي إنسان
كان.. لقد أمضوا أيامهم الاولى في القدس يفعلون شيئًا آخر لا علاقة له بأي
حجاج ولا صليب ولا فرسان.. لقد أمضوا أيامهم الأولى في الحفر.. الحفر تحت
الحرم القدسي نفسه.
- أنت أيها العجوز.. لم لا تقترب لتلقي نظرة على الحفر بنفسك.. لِم
تقف على طرف الساحة هكذا.
- لا عليك منِّي.. استمر فيما تفعل.. وإن لم تجد ما وعدتك به فتعالَ
واقتلني.
- بل إنني سأشرب من دمك يا "بافوميت".. لقد بدأت أقتنع بسخف الأمر
كله.
لم أكن أستطيع الاقتراب من ذلك المكان أبدًا.. لو اقتربت منه احترقت كما تحترق
الشياطين.. ضيقت عيني العجوزتين وتذكرت أيامًا.. أيامًا في غاية المرارة.
.
كنت أقف في هذا المكان ذاته.. قبل ألفيْ عام فقط.. كانت أيامًا فقدَ فيها
معشر الجن والشياطين كل شيء.. منذ فجر الخليقة ونحن نفعل ما يحلو لنا متى
يحلو لنا.. نلعب بالبشر كأنهم النرد.. نحرّكهم كأنهم قِطع شطرنج.. نأتيهم
من بين أيديهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمائلهم ونجري فيهم كما
تجري السفن.. حتى رأينا رجلًا من الإنس ألجمنا كما تُلجم الكلاب من أحناكها..
ملك لم يأتِ مثله قبله ولا حوله ولا بعده.. رجل يسمونه "سليمان".
كنت خادمًا من مردة الجن البنائين.. وهؤلاء كان يستخدمهم الملك "سليمان"
لبناء كل ما لا يقدر على بنائه بنو الانسان.. والشيء الأساسي الذي كنا نبنيه هو
القصر.. قصر سليمان.. لم نكن نفهم كيف يحكمنا هذا الرجل بالضبط.. كيف
يكلّم الطير ويكلم النمل.. كيف يركع تحت قدميه ملوك الجن يمرغون
نواصيهم في التراب من أجله.. نحن الذين أنزلنا السحر على بني آدم.. نحن الذين
لو رآنا بنو آدم لفزعوا وماتوا من فورهم.. كيف يُفعَل بنا هذا؟ كيف نُجر على
وجوهنا كالبهائم.. كيف لإنسان واحد أن يزيحنا عن الدنيا بنظرة واحدة؟ لم يكن
سليمان ملكًا.. ولم يكن ساحرًا.. بل كان نبيا.. نبيًا دعانا فكفرنا.. فلما كفرنا
تسلط علينا فسخًرنا من أكبرنا إلى أصغرنا.
كنت أقف هناك في طرف من هذه الساحة.. مثلي مثل بقية الشياطين.. فلو
اقترب أحدنا من كرسيه احترق.. نظرت إليه وهو جالس على كرسيه العظيم..
لم يؤتَ أحد مُلكا كهذا الملك ولا كرسيًّا كهذا الكرسي.. كنت أكرهه..
أمقته.. أحقد عليه.. حاولنا بكافة الطرق الشيطانية وغير الشيطانية للنيل منه
لكنه كان يملك شيئًا لا نملكه.. لا ندري ماهو هذا الشيء لكنه كان يملكه..
وفجأة لاح لنا الامل.. الأمل في الأنتقام.. وربما ألامل في الخلاص.
لقد مرض "سليمان" فجأة.. ويبدو أن المرض الذي غزا جسده كان على مستوى
الجسد الذي غزاه.. مرض حار فيه أطباء الإنس وحكماء الجن.. حتى الطيور

أَحضرت له من أطراف ألارض أعشابًا لم تُجدِ معه أي نفع.. مرض جعل "سليمان"
عندما يجلس على كرسيه العظيم يجلس وكأنه جسد بلا روح.. كأنه ميت من
فرط الأعياء والسقم.. وكان هذا المرض يزيد كل يوم عن اليوم الذي يسبقه..
وظلَّ يزيد ويزيد حتى صار جسده هامدًا لا يقدر على شيء.. وكانت هذه هي
فرصتنا لالنتقام.
لم نكن نستطيع مجرد الاقتراب من كرسيه.. ولم نحتج إلى ذلك لأن الرجل قد
دخلت في جسده ذَرَّة واحدة من مرض فعلت به ما عجز عن فعله كل شيطان
زنيم.. وبدا واضحًا أن هذه الذَّرَّة ستقتله إن عاجلًا أم آجلًا؛ لذا اتخذ انتقامنا شكالً
آخر.. شكلًا شيطانيًا آخر.. ظللنا نعمل في ساحة الهيكل تلك وكأن شيئًا لم
يكن.. لكن أحدًا لم ينتبه إلى أننا في الحقيقة لم نكن نعمل لبناء قصر"سليمان"..
لقد كنا نحفر تحت كرسي "سليمان".
جئنا بأعظم وأمهر كتبة الجن ووجعلناهم يكتبون كتبًا أملينا عليهم فيها كل
ما كنا نعلمه للناس من السحر في الماضي.. السحر الأسود الذي تبلغ شدته أن
لو قرأت سطرًا واحدَا منه صدفة أصابك شره.. ليس هذا فقط وإنما كتبنا أيضًا
كل ما تعلمناه من "هاروت" و"ماروت" ذلك السحر الذي زاد على السحر األسود
شدة حتى أصبح يبطله.. لكنا كتبناه بطريقتنا ليستخدم في الأمور التي نريدها..
وأضفنا إلى السحرين كل ما جاء به الجن المستمع من خبر السماء مما سيحدث
على الارض.. تسألني لماذا نفعل هذا؟ وما دخل هذا بالأنتقام من سليمان؟ ها أنا
سأجيبك على الفور.
لقد جمع "سليمان" كل كتب السحر في مملكته وأحرقها بل إنه قتل كل ساحر
في عصره وحتى من اشتُبه بأنه ساحر.. وهدد بقطع رقبة كل من يستمع شيئًا
من خبر السماء من الجن ورقبة كل من يقول من الإنس أن الجن يعلمون خبر
السماء.. أحبط "سليمان" عملنا كله بسبب قدرته علينا.. وكان لابد لنا أولًا أن

نحتفظ بكل عِلمنا هذا في كتب لأن "سليمان" جاء ووضع لجنسنا قواعد تمنعنا
من الاتصال بالإنس تمامًا مهما بذلنا في ذلك من جهد.. أعني الاتصال المباشر..
لكن كان لازال بإمكاننا الدخول إلى قلوبهم وعقولهم والوسوسة فيها بما
نريد.. ولا زال بإمكاننا أن نتمثل في هيئة بشرية أو حيوانية.. لكن لم يكن بإمكاننا
أن نضرهم إذا أردنا.. ولا أن نتصل بهم ونعلّمهم فنون العلوم كما كنا نعلمهم
قبل "سليمان".. ولما قتل "سليمان" السحرة وأحرق كتب السحر الأسود منع رجال
الإنس أن يتواصلوا معنا.. ولم يبقَ على الأرض إلا سحر القرى البعيدة.. أما سحر
بني إسرائيل الأسود فقد أحرقه "سليمان" عن بكرة أبيه.
هذه الكتب لم تكن لأجلنا فأمثالنا الوجود للكتب في عالمهم.. إنما كانت هذه
الكتب لأجل الإنس.. حتى يستمر ويعيش الوصل بينهم وبيننا.. أما "سليمان" فبعد
أن يقتله مرضه ويموت.. سنوسوس لأشد الناس شرًّا أن يُخرجوا تلك الكتب..
وسنعلّمهم أن هذه كتب "سليمان".. وكيف أنه كان ساحرًا لعينًا.. وسيظلوا
يلعنوه إلى يوم الدين.. هكذا نكون قد حفظنا علومنا وانتقمنا ممن أحرقها
وأهان جنسنا.
ظللنا نحفر ونحفر وكأننا نعمل في أعمال البناء خاصتنا.. لم ينتبه "سليمان" لما
نفعل.. حتى حفرنا لعمقٍ بعيدٍ جدًا.. مسافة أسفل الكرسي لا نحترق لو دخلنا
فيها.. مرت خطتنا بسلامٍ تام.. كانت قلوبنا الشيطانية تنبض بالخوف.. فمثل
"سليمان" لا يؤمَن جانبه أبدًا.. وبنينا بنيانًا أسفل الكرسي ووضعنا الكتب كلها
فيه.. ثم ملأنا ما حفرنا بالتراب حتى اندثر تمامًا.. ومرت حكايتنا بسلام.. مرت
بسلام بعد شهر كامل من العمل الشيطاني الذي لا ينقطع.
استمر مرض "سليمان" أربعين يومًا حتى شُفي منه فجأة.. وعاد من مرضه أقوى
وأشد وأقدر وأعظم مما كان قبله.. أصبح "سليمان" يملك الريح يأمرها كيف
يشاء.. أصبح قادرا على تسخير الجن الغواص الذي كان يستخرج له اللؤلؤ

والأحجار الكريمة من قاع البحر ليزين بها مانبنيه نحن الجن البنّاء.. وأصبح قادرً ا
على نوع آخر من الجن.. جن آخرون سلسلهم كالوحوش بسلاسل عظيمة من
فرط طغيانهم.. جن أمثال "لوسيفر" العظيم الذي كان مُسلسلًا.. إنها المرة
الوحيدة التي أرى عظيمنا مهانًا بهذا الشكل.. لم نكن نفهم شيئًا.. حقًّا لم نكن
نفهم أي شيء.. مرت فترة حُكم "سليمان" علينا صعبة مريرة حتى انتهت بموته
الذي اكتشفناه بالصدفة.. وتحررنا من عبوديتنا.. وظللنا ننتظر الفئة المناسبة التي
يُمكنها أن تخرج هذه الكتب ووتستخدمها كما نريد بالضبط.. فئة انتظرناها
طويلًا جدًا.. حتى ظهرت في التاريخ فجأة فئة يهودية تحمل في مكامنها كل
بذور الشر التي كنا نبحث عنها.. وها أنا أراهم أمامي يحفرون ليصلوا إلى كتبنا..
كتب السحر األسود.
- "بافوميت" انظر هناك جدار مستوٍ هنا.. تعالَ أيها العجوز .
نظرت إليهم نظرة أخيرة بدت لهم غامضة.. ثم إنني طرت كما تطير الشياطين
مبتعدًا عنهم وعن الساحة.. بل عن عالم الإنس كله.. طرت إلى حيث أنتمي..
وتركت فرسان الهيكل يضربون الجدار المستوي بحماسٍ.. لقد أديت اليوم عملًا
عظيمًا انتظره بنو جنسنا سنينَ كنا نظنها لاتنتهي.
وجد فرسان الهيكل الكتب التي خبأتْها الشياطين منذ ألفيْ عامٍ كاملة.. لم
يفهموا معنى أن تكون هذه الكتب كنزًا.. كانوا يريدون كنزًا من الذهب واللؤلؤ
ولكن هيهات.. إن "سليمان" كان قد طلب من ربه الذي كان يدعو إليه أن يجعل
ملكه لا ينبغي لأحد من بعده.. فستفنى الأرض ويفنى التاريخ وليس لأحد من أهل
الأرض ولا أهل السماء أن تكون له قطعة معدنية واحدة كان يملكها
"سليمان".. ولن يأتي ملك يمتلك كما امتلك "سليمان".
ولهذا عجزت كل علوم الإنسان أن تعثر على أي أثر من ملك "سليمان" حتى إن
البعض اعتبره أسطورة من أساطير الأديان.. لكن الواقع أن الأسطورة الحقيقية

ملكة جروح 12-18-2020 10:46 AM

هي هيكله.. لازال هناك من يحلف ويملأ الأرض صراخًا بأن الهيكل تحت الحرم
القدسي.. لكن الحقيقة أن الهيكل يعني المعبد و"سليمان" لم يبنِ أي هياكل أو
معابد بل كان يبني مساجد.. لقد كان يؤمن برب "إبراهيم" و"موسى".. إنما كان
"سليمان" يكسر ظهورنا في بناءات أخرى.. منها تجديد بناء المسجد الأقصى
الذي بناه "آدم".. ومنها بناء قصره المهيب الممرد من قوارير أي الزجاج الفاخر..
هذا القصر الذي كان يعتبر أروع شيء في ملكه.
نحن فقط نعرف أين هي كنوز "سليمان" ونعرف أين قصره بالضبط.. إن طائفة
من جنسنا كانت تؤمن به وبدعوته خبأت هذه الكنوز في باطن الأرض وخبأت
قصره بطريقة لا يستوعبها أمثالك من الإنس.. بالنسبة للكنوز فهي في بطن
بلدان معينة في الشرق الاوسط أبرزها العلا في الجزيرة العربية.. ويقف حارسٌ
أمينٌ على هذه الكنوز أشد أهل تلك الطائفة من الجن فتكًا.. فهي محروسة
من الجن.. وستظل كذلك حتى تفنى الأرض.. ذهب ولؤلؤ ومرجان.. كنوز تُشع
كما الشمس والقمر.. لكنها لن تكون لإنسيٍّ ولا جنيّ من بعد "سليمان".
الخلاصة أن فرسان الهيكل لم يجدوا شيئًا سوى الكتب التي كتبها كتبتنا.. كانت
تلك الكتب كنزًا من نوع آخر.. كنزًا حقيقيًّا من العِلم سيغير وجه التاريخ بأكمله..
كنز مسطر بأيادٍ شيطانية.. بعقول شيطانية.. لعلماء شياطين.. اعتزل الفرسان
الناس وقرأوا تلك الكتب كلها.. ومع كل صفحة يقرأونها كان ينكشف لهم
سر من أسرار هذا العالم لا ينبغي على الإنس أن يعرفوا عنه شيئًا.
دعني أُدخلك الآن إلى تلك الكنيسة التي أدخلتك إياها في بداية حديثنا.. الان انظر
إلى كل شيء حولك بتمعن.. هؤالء هُم فرسان الهيكل.. هل تسألني لماذا
يمارسون الشذوذ الجنسي مع بعضهم على الأرض بهذا الحماس؟ أم تسألني
لماذا يشربون من كأس الدم ذاك؟ ما كل تلك الرموز؟ سأقول لك إن هذه
طقوس ربما تبدو غريبة للوهلة الأولى لكنها توصلك إلى أصل النور.. توصلك

إلينا.. انظر مرة أخرى إلى تلك الطاولة.. انظر إلى الرأس المثبتة في منتصفها..
إنها رأس "بافوميت".. رأس الشيطان.. رأس الشيطان التي تتحدث إليك الان..
وتتحدث إليهم كلما أنهوا طقوسهم.. لقد باعوا أرواحهم وأجسادهم
وأخلاقهم لأجل الشيطان "بافوميت".
تسألني ماذا أخذوا في المقابل؟ تريد أن تأخذ كما أخذوا؟ لقد أخذوا مالم يأخذه
أحد على وجه الأرض في زمنهم.. لقد عاد فرسان الهيكل إلى أوروبا.. وتحولوا
من مجرد فرسان فقراء متقشفين إلى أغنى فئة في أوروبا كلها بل في العالم
كله آنذاك.. بلغ من غِناهم أن الملوك والأمراء كانوا يقترضون منهم.. وبلغ من
شرفهم بين الناس أنهم كانوا أشرف وأعظم تنظيم عسكري عرفه الصليبيون
في تاريخهم.. نعم لقد كوَّنوا تنظيمًا عسكريًّا أذاق المسلمين الويل في
الحملات الصليبية.. حتى إن "صلاح الدين" لما أسرهم ذات مرة قتلهم كلهم..
خالف ما كان يصنع مع باقي الأسرى.. وسبب هذا الإجرام الذي فيهم أنهم
كانوا يختارون المجرمين من فئات الشعب ويقولون لهم.. هاقد آن أوان
المجرمين والسارقين أن يتحولوا إلى فرسان.. كان مظهرهم الخارجي رائعًا..
لكن أحدًا لم يكن يعلم لماذا يغلقون كنائسهم على أنفسهم دائمًا.. نحن فقط
من كنا نعلم كل شيء.. نحن أعطيناهم النور.. وسنظل نعطيهم النور حتى
يصلوا به إلى حامل النور.. إلى أنتيخريستوس.
وفجأة انكشف كل شيء.. استيقظت أوروبا على فضيحة.. خبر القبض على
فرسان الهيكل.. فجأة بدون سابق إنذار أصدر الملك فيليب أمرًا باعتقالهم
كلهم.. كان يبدو أنه كان يبحث عن ذريعة ما ليتخلص تمامًا منهم بعد أن وصلوا
إلى مستوى من الثراء جعلهم دائنين ألكثر ملوك أوروبا ودائنين للملك فيليب
بنفسه.. لكنه لم يحصل على ذريعة.. لقد حصل على فضيحة تهتك بها ستر

فرسان الهيكل وطٌعن بها شرفهم.. لقد وصلت له أخبار أنهم يمارسون السحر
ويهينون الصليب.
كان حدثًا هامًا في تاريخ أوروبا ذلك الذي ستشاهده الأن.. في يوم الجمعة الثالث
عشر.. نُصبَت أخشاب على منصّات في أكثر طرقات باريس أهمية.. أخشاب
رُبِطَت عليها أجساد كانت لفرسان.. فرسان تصورت شعوب أوروبا أنه ينحدر كل
شرف من شرفهم.. فرسان كانت تلك الشعوب تُقدِّم لهم أبناءها حتى ينالهم
شرف يظل يضيء في رؤوسهم كالنجوم في حياتهم وبعد مماتهم.. نجوم
يبدو أنها قررت أن تأفل الآن فجأة.. وشرف قرر أن تسيل دماؤه على األرض
فجأة.. أخشاب رُبط عليها زعماء فرسان الهيكل.. وقد تجمّعت أمم نزلت من
بيوتها وغادرت أحياءها لتقف أمام تلك المنصات بعيون طغت عليها حيرة وحزن
وغضب.. وعيون أغمضت جفونها غير قادرة على متابعة ما صعد أولئك الجنود
فجأة لفعله.. صعدوا على المنصات المربوط عليها الفرسان.. وأوقدوا نارًا.
ضج الجمع بصوت لا تدري عم يعبِّر بالضبط.. لقد قرر الملك "فيليب" إحراق
زعماء فرسان الهيكل؛ إحراقهم بتهمة ممارسة السحر الأسود.. وتهمة
البصق على الصليب وإهانته.. وتهمة ممارسة اللواط في الكنائس.. وتهمة
تحضير أرواح شيطانية.. وتهمة إنكار المسيح.. تهم اعترفوا بها كلها بعد أن
جمعهم الملك "فيليب" وعذبهم أبشع تعذيب يمكن أن يخطر على بالك..
المشكلة أن الجنود لم يوقدوا نارًا عادية.. لقد أوقدوا نارًا هادئة.. كان الملك
"فيليب" يريد لهم أن يموتوا ببطءٍ.. ووقف الخلق ينظرون إلى هذا كله.
إلى الكنيسة التي دخلتها معي نعود لننظر.. جنود دخلوا ليزيلوا كل أدوات فرسان
الهيكل وأغراضهم.. جنود كانوا يفتشون كل شيء ويبعثرون كل شيء.. حتى
وصلت أياديهم إليَّ.. رأس مجففة موضوعة في صندوق فضي مزيَّن بنقوش
غريبة ومثبته بوضع رأسي.. تقزز أحد الجنود فأمسك بي ورماني بعيدًا لأسقط

على الأرض تحت تمثال لصليب منكس على رأسه.. انظر إلى عينيَّ جيدًا ولاتقلق..
لقد أخفى الفرسان كل الكتب التي حصلوا عليها من الحفر.. إن من قبض الملك
عليهم لم يتعدوا نصف عدد الفرسان.. الفرسان الباقون هربوا إلى مكانٍ آخر..
مكان ليس فيه "فيليب".. مكان كان يصارع للحصول على استقلاله من إنجلترا
بقيادة "ويليم والاس".. لقد هرب الفرسان إلى اسكتلندا.
تـمَّت
****

ملكة جروح 12-18-2020 06:59 PM

لهذا صار الجمعة الثالث عشر يومًا مشؤوما.. لكن بعد هذه الحكاية أنا أقول
إنه كان يومًا سعيدًا.. إن قصة فرسان الهيكل معروفة في كتب التاريخ
بنهايتها المشؤومة بإحراقهم أحياء.. لكن كتب التاريخ الأجنبية تحتار دائمًا كلما
أتت على ذِكر الشيء الذي كان التسعة فرسان الأولون يحفرون تحت الحرم
القدسي لإيجاده.. وتذكر هذه الكتب العديد من الروايات والتكهنات.. ذكروا
في رواية واحدة من الروايات أن الفرسان لما حفروا وجدوا كتب السحر.. وما
يجعل هذه الرواية هي الصحيحة هو وجود مقابل لها من أمهات كتب تفسير
القرآن.. حيث أجمع المفسرون أثناء تفسيرهم آلية "هاروت" و"ماروت" في
القرآن.. أن الشياطين دفنت كتب السحر تحت كرسي سليمان.. أي تحت الحرم
القدسي.. وأن هناك أناسًا أتوا بعد ذلك تهيأ لهم الشيطان في هيئة بشرية
وأراهم مكان دفن تلك الكتب.. فاستخرجوها.. لكن المفسرون لم يعرفوا من
هُم أولئك الناس الذين تهيأ لهم الشيطان واستخرجوا الكتب.. الجمع بين كتب
التاريخ الأجنبية وكتب التفسير العربية يُظهر لك القصة الحقيقية التي حدثت..
ذلك الجمع الذي لم يُكلف أحد من الناس نفسه ويفكر فيه.. وها أنا أقدمه لك
اليوم على لسان الشيطان الشهير الذي كان فرسان الهيكل يعبدونه كما
اعترفوا بلسانهم.. الشيطان "بافوميت".
إن شكل "بافوميت" سيبدو مألوفًا لديك.. هو الجدي الذي يجلس متربعا ويرفع
إحدى يديه ويخفض الأخرى.. وهو الجدي الذي يضعون رأسه دائمًا داخل نجمة
داوود في ذلك الرمز الشيطاني الشهير الذي يدعى "بصمة الشيطان".. وقد قال
عنهم الساحر الشيطاني "أليستر كراولي" إنهم زملاء عبادة الشيطان.. بينما
يقول عنهم عابد الشيطان الشهير أنطون ليفي "لقد أعدت إحياء طقوس فرسان
الهيكل"
والشيطان "بافوميت" معبود الفرسان مرسوم في رسمة شهيرة جدًّا والفرسان
يحملونه في أحد معابدهم إكبارًا وإجلالا.

ويبدو أن كتب السحر والعلوم تلك علمت فرسان الهيكل الكثير.. فحقًّا صاروا
أغنى أغنياء أوروبا.. وعملوا أول منظمة بَنكية في العالم تقرض العامة والخاصة
والملوك والأمراء نقودًا.. ولأن الفائدة كانت محرمة في الكنيسة الكاثوليكية
فقد تحايلوا على النسبة وسموها الإيجار أو الرسوم.
وقد هربوا إلى اسكتلندا لأنها كانت البلد الوحيدة التي لا تخضع للكنيسة
الكاثوليكية.. وقد استقبلهم ملك اسكتلندا "روبيرت البروس" بحفاوة كبيرة
وكانوا سلاحه السري الفتاك الذي هزم به الإنجليز وحصل به على استقلاله..
وصارت لهم هيبة في اسكتلندا.. وبدأوا مرة أخرى في بناء معابد لهم في
اسكتلندا مليئة برموزهم الشيطانية.. ولكنهم تعلموا الدرس هذه المرة مما
حدث لهم في إنجلترا.. تعلموا أن يجعلوا تنظيمهم هذا مخفيًّا عن العامة تمامًا..
وغيَّروا اسمه اتقاءً للشكوك.. سموا تنظيمهم اسمًا سيبدو مألوفًا لديك: البنائين
الأحرار.. أو كما تُنطق بالإنجليزية Freemasons ..الماسونية.
وفي اسكتلندا أيضًا أكملوا ممارسة ما كانوا يمارسونه.. ليس في كنائس وإنما
في مباني سمّوها بالمحافل الماسونية.. والمحفل هو مبنى مصمم من الداخل
على تصميم هيكل سليمان المزعوم تمامًا.. وهو المبنى الوحيد الموصوف في
التوراة وصفًا تفصيليًا.
تعلموا أن سِرَّ قوتهم هو الخفاء وعدم الظهور.. ومن العِلم الشيطاني الذي
بحوزتهم والذي لا يحوزه غيرهم طوَّروا من أنفسهم ومن منظمتهم.. تعلَّموا
طريقة عجيبة لإخفاء الكتب التي بحوزتهم إخفاء لا يشك به أحد.. تعلموا
طريقة تشفير سرية لم تُعرف من قبل في التاريخ.. هذه الطريقة هي المعمار.
ابتكروا طريقة معينة في المعمار اسمها الجوثيك أو الطريقة القوطية..
طريقة شيطانية تكون فيها المباني مزيَّنة ومزخرفة بالكثير من الزخارف
والرموز والتماثيل والنقوش بطريقة تبدو جميلة جدًّا ولكنها في الحقيقة طريقة
تخزين لكل الأسرار بشفرة ليس كمثلها شفرة.. وبنوا بهذا الطريقة الكثير جدًّا

من المباني والمحافل وحتى الكنائس.. وانتشرت في كافة أنحاء أوروبا.. وفي
طريقة الجوثيك في البناء يمكنك أن ترى رموزًا وتماثيل شيطانية كثيرة
لبافوميت ولغيره.. ولا أحد يفهم معناها ويظنونها نوعًا من الديكور.
واسم البنائين الأحرار سمّوا أنفسهم به بسبب ابتكارهم لهذه الطريقة وحدها
في البناء.. وأصبح رمز منظمتهم هو مسطرة المعماري والفرجار.
ومرة أخرى صار فرسان الهيكل بنمظمتهم الخفية الجديدة "الماسونية" هم
أغنى أغنياء أوروبا.. فلا شيء يمكن أن تعطيه لك الشياطين بسخاء أكثر من
المال والذهب.. وأصبح خفاؤهم هذا هو سر قوتهم.. فلا أحد يمكنه أن يدمر
شيئًا خفيًّا.
ستسمع كثيرًا عن الماسونية مسامع كثيرة تفتقر كلها إلى الدقة.. وهذا
متعمَّد.. لأنهم يريدون إخفاء حقيقتهم عن الجميع.. أما أنا فسأخبرك بالحقيقة
وحدها.. فأنا ماسونيٌّ سابق.. ها أنت تعلم سِرًّا جديدًا عنِّي. .
أنا ماسوني من الدرجة الحادية والعشرين.. وهي درجة متقدمة جدًا.. فعدد
الدرجات في الماسونية 33 درجة.. ومن تدرُّجي في الماسونية تعرفت إلى السحر
وأصبحت ساحرًا.. وليس كل من يتدرجوا يصيرون سحرة.. فقط بعض من
يختارون لأنفسهم أن يكونوا سحرة. . و كنت واحدًا من هؤلاء.. وها أنا قد
تركت كل هذا ورميته خلف ظهري وجلست هنا أمامك لأبين لك الحقيقة
وحدها.
الماسونية باختصار شديد غير مخل هي السبط الثالث عشر لبني إسرائيل..
فاليهود كما تعرف أو لا تعرف قطعهم الله كما قال في القرآن إلى اثني عشر
سِبطا.. والسِبط هي الفرقة.. أي أن الله فرّقهم إلى اثنتي عشرة فرقة.. لكل
فرقة منها نظامٌ خاصٌ في معيشته.. أما الماسونية فهم جماعة من اليهود
الذين شذّوا عن هذه الفِرَق جميعًا وقرروا أن يُنشؤوا لأنفسهم سِبطا يهوديًّا
خاصًا.. السِبط الثالث عشر.. ومهمة هذا السِبط ببساطة هو إعادة بناء هيكل
سليمان في القدس.. لا تسألني الآن لماذا يريدون فعل ذلك.. لأني سأخبرك لاحقًا..
لكن حاليًا كل ما يجب عليك أن تعرفه هو أن الشياطين هي التي أوحت لهم
بفعل هذا.. أرى نظرة استخفاف في وجهك بسخف الأمر كله.. لكن لا داعي
للعجلة.. فستفهم كل شيء لاحقًا.
واعلم أن الماسونية والكابالا هما نفس الشيء.. فالكابالا هي الأسرار الشفهية
اليهودية التي زعم اليهود أن الله أوحى بها إلى موسى شفهيًّا.. ولأنها أسرار
فإن "موسى" كان لا يكتبها.. وإنما يختار كبار تابعيه ويخبرهم بها شفهيًّا.. إن
في الكابالا 33 درجة من درجات الحكمة.. ومن يسير عليها يصير في النهاية
قادرًا على التوحد مع ربه.. ولهذا صارت الماسونية 33 درجة أيضًا.. والدرجة الـ
33 هي درجة فخرية لتسجيل المنضمين فيها إلى السبط الثالث عشر لبني
إسرائيل.
ولهذا صرت ساحرًا.. لقد اخترت لنفسي هذا الطريق لأن فيه علومًا عجيبة جدًا..
فلديهم على سبيل المثال لا الحصر سِرٌّ من أعظم أسرار الكابالا تعلمته في
الدرجة الماسونية الـ 91 ..وهو طريقة قتل الناس بنظرة واحدة فقط.. هذا ما
يدعى عين الشر.. أو كما يقولون "إن ها رع".. وهي طريقة تستقي مبادئها من
مباديء العين والحسد.. فالعين والحسد قادران على أذية أي إنسان.. لكن كيف
يمكنك أن توظف هذه القوة وتوجهها وتتعلم التحكم بها تحكُّمًا كاملًا.. هذا
ما تعلمته وأثارني.
هناك إصدارات كثيرة تفرعت عن الماسونية قد تكون سمعت عنها.. الصليب
الوردي أو الروزكروشن.. الجمجمة والعظام.. الكلوكلوكس كالن..
الإيلوميناتي ولكل منظمة منها مهمة معينة.. لكنها كلها تستقي من نبع
الماسونية ونبع منظمة فرسان الهيكل القديمة.
87
والآن لدينا ثالثة أوراق جديدة وضعتُهم أمامك على الطاولة.. ولنكمل لعبتنا
الملعونة مع الشياطين قبل أن يُجهزوا علينا..
الورقة الأولى هي ورقة الكأس المقدسة وهي ترمز للمسيح عيسى.. وعليها
صورة للكأس المقدسة التي شرب منها المسيح على طاولة العشاء الأخير..
الورقة الثانية هي ورقة الحربة المقدسة.. وعليها صورة الحربة المقدَّسة التي
طعن بها جنب المسيح المصلوب للتأكد من موته..
الورقة الثالثة هي وقة الجهاد.. وعليها صورة رمزية للمجاهدين المسلمين.
وهذه الحكاية سوف يحكيها لك شيطان ثانٍ من الشياطين السبعة الذين
يراقبوننا.. وليس عليك إلا أن تصمت وتتابع حديثه.. فسيأخذنا بعيدًا عن السحر
والماسونية وكل هذه المصطلحات المظلمة إلى عالم آخر.. عالم ربما يكون
أكثر إظالمًا من هذا كله.
***

أفـخر أنواع السموم..
0
400 قبل الميلاد -660 بعد الميلاد

ستنظر إلى خريطة عالمك بتمعًّن.. ستبحث في أرجائها عنِّي.. لكنك لن تجدني..
رغم أن عالمك يحترق عن بكرة أبيه.. لكنك لن تجدني.. فأنت تنظر إلى الخريطة
الخطأ.. ها أنت ذا تتدارك نفسك وتزيح هذه الخريطة الجغرافية جانبًا وتفتح
خريطة أخرى.. خريطة تاريخية.. وتنظر في أرجائها بتمعُّن.. ومرة أخرى لم
تجدني.. هنا تقرر أن يتخذ بحثك صبغة رقمية.. فتفتح أقرب جهاز كمبيوتر إليك
وتنظر إلى شاشته الحديثة في اهتمام.. ها أنت قد أحضرت الخريطة التاريخية
إلى الشاشة.. وكنوع من التأثيرات الرقمية المحببة إليك أوقد لك الكمبيوتر نيرانًا
في أماكن بعينها من الخريطة.. نظرت إلى النيران بعين اتقدت حماسًا.. أنت تراني
الآن.. تراني أزحف على خريطة عالمك ببطءٍ.. صغيرًا كنتُ في البداية.. حتى تقع
إحدى نقاط الخريطة بين أنيابي.. فألتهمها.. فيكبر حجمي.. ثم أزحف.. ثم
ألتهم فأكبر.. ثم أزحف.. وأوقد النيران.. وأنفث السم من بين أنيابي في كل
مكان أجول فيه.. لقد عرفتَ الآن إلى من تنظر.. لقد كنت تنظر إلى "سيربنت"..
الثعبان.
بدأت الزحف أول ما بدأت في بابل.. الأرض الملعونة.. قبل أكثر من أربعمئة سنة
من والدة المسيح.. كان هناك يهود كثيرون.. شُرِّدوا من فلسطين.. وأُخِذوا إلى
بابل عبيدًا مذلولين.. ناقمين حاقدين.. كارهين لأنفسهم ولدينهم ولربهم..
يحملون التوراة في أيديهم بعد أن سقطت من قلوبهم.. ماعادوا يصدّقون بكل
الوعود وعدهم بها ربهم.. لقد أصبحوا عبيدًا الآن.. نساؤهم حلال ودماؤهم
حلال.. تحطمت بلادهم ومقدساتهم وأحلامهم.. وعملوا بحسرتهم تحت أقدام
أجنبية بابلية قاسية.. حُرِقَت أرضهم وحرًقت قلوبهم وحُرِقَت كرامتهم.
وفجأة لاح الأمل.. كانت الغيمة البابلية السوداء التي حطت على تاريخهم على
وشك الزوال.. وانهزمت ممكلة بابل على يد مملكة فارس.. وسمح الفارسيون
لليهود أن يعودوا إلى بلادهم.. وقبل أن يعودوا إلى رشدهم وإلى توراة ربهم..
فتحت فكيَّ عن آخرهما.. ونفثت نفثة مسمومة شيطانية تلقّتها قلوبهم

المريضة بترحاب.. واجتمع كبراؤهم بكبرائهم.. وخرجوا للعالم بكتاب مقدس
جديد تفوق قدسيته قدسية التوراة.. وضعوا فيه أشد عقدهم وأفكارهم سوادًا
ممزوجة بأشد سمومي فتكًا.. خرج "التلمود" إلى العالم كشيطان مريدٍ وضع
التوراة تحت قدمه.. وقالوا إنما التلمود هو الأسرار الشفهية التي تلقاها موسى
من ربه.. وسموا هذه الأسرار الشفهية "الكابالا".. ثم ألقى موسى الكابالا إلى
خاصته منهم.. فألقاها الخاصة إلى الخاصة.. حتى قرر خاصة الخاصة أن
يكتبوها لئلا تضيع.. ولما كتبوها صارت كتاب التلمود.. من الرائع أن ترى أناسًا
مخلصين لأفكارك التي بثثتها في نفوسهم.. من الرائع أن أصعد إلى هذه
المنصة المقدَّسة وأنظر إلى هذا التلمود الموضوع عليها بعناية.. يتملكني
الفضول لأقرأ..
" إن الله لم يعد يلعب مع الحوت ولم يعد يراقص حواء كما كان يحب أن يفعل..
فأنى له أن يلعب ويرقص وقد تسبَّب في دمار الهيكل.. لقد أمسى في كل ليلة
يزأر كالأسد ويقول تبًّا لي لأني سمحت بخراب بيتي.. سمحت بخراب الهيكل..
لكن صبرًا أيها اليهود.. فالله لديه ما سيسركم.. صبرًا فإن المُخَلِص سوف
يأتي.. من بين جنبات الظالم سيأتي.. وسيعيد بناء هيكل الرب.. لكن أيها
اليهود.. لن يأتي صاحبكم إلا إذا انتهى حُكم الغوييم.. أنتم أيها اليهود وحدكم
البشر.. أما غيركم فهم غوييم.. والغوييم ليسوا بشرًا.. بل هم حيوانات..
حيوانات قد سخَّرها اإلله لخدمتكم.. وإنما صوَّرها على هيئة بشرية ليتسنى لها
القيام بهذه الخدمة.. اعلموا أن قتلكم الغوييم هو قربان إلى الله.. ولو أن
أحدكم رأى واحدًا من الغوييم قد وقع في حفرة.. فليس عليه إلا أن يردمها
بالصخر.. حتى يموت الغوييم.. واعلمن يا نساء اليهود.. لو خرجت إحداكن من
حمّامها فرأت كلبًا أو حمارًا أو رأت واحدًا من الغوييم أو خنزيرًا أو بُرصًا فقد
تنجست وعليها أن تستحم مرة أخرى.. ولو كان أحدكم أيها اليهود طبيبً ا ماهرًا
فلا يعالج الغوييم.. وإن كان طبيبًا فاشلًا فليعالج الغوييم حتى يكون في عالجه
هلاك هذا الغوييم"

ملكة جروح 12-18-2020 07:08 PM

"إنما يسوع الناصري ابن زنا.. وإنما حملت فيه أمه وهي حائض سفاحًا من
العسكري بإنذار.. وإنما يسوع الناصري كذَّاب ومجنون ومضلل وساحر ومشعوذ
ووثني ومخبول.. واعلموا أنما الراهبات المسيحيات مومسات.. وأن القساوسة
الرهبان المسيحيين مخنثون.. وأن الكنائس إنما هي بيوت دعارة"
"أيها اليهود.. لمّا يناكح الرجل البالغ طفلة صغيرة فلا شيء في ذلك.. ولو كان
عمرها ثلاث سنوات.. الأمر كأنك تضع إصبعًا في عين.. وأن تناكح ولدًا صغيرًا
فهذا لا يعتبر عملًا جنسيًّا فاحشًا تخشاه"
لم أدرِ أن سُمّي في قلوب هؤلاء القوم قد وجد سكنًا أعجبه.. لقد تعدوا ما أردت
لهم أن يكونوه.. لقد أفسدوا دينهم تمامًا.. سأعترف أن بني إسرائيل قد
أبهروني.. لقد وعدهم ربهم في التوراة الأصلية بأن مُلكَهم سيعود لهم مرة
أخرى بعد أن يُطردوا من بلادهم.. وأنه لما يعيد لهم مُلكهم سيُرسل لهم نبيًّا
يُعرَف بالمسيح.. يحكم العالم بالعدل.. من عرش النبي "داوود".. ولما حقق الله
لهم وعده وانهزمت بابل وأعادهم الله إلى أرضهم في فلسطين.. وجددوا
المسجد الأقصى الذي بناه أبو البشر "آدم" وصلى فيه "إبراهيم" و"إسحق"
و"يعقوب".. ثم جدده "سليمان".. والآن جددوه بأنفسهم وصار اسمه عندهم
الهيكل.. هيكل سليمان.. ولما جددوه وصلت إثارتهم إلى ذروتها وانتظروا
نزول المسيح الموعود على أحرِّ من الجمر.. والذي سيحكم العالم من عرش
"داوود" في الهيكل.
ولما خرج فيهم المسيح "عيسى" بن مريم.. رفضوه.. وقالوا إنه ابن زنا.. ولما
رأوه يموت على الصليب أمام أعينهم .. ثاروا.. وقالوا إن هذا إلا محتال.. فقد
مات ولم يحكم العالم من عرش "داوود" كما قالت النبوءة.. لم يدرِ أحدهم أن
النبي "عيسى" الذي أُرسِلَ إليهم كان المسيح الحقيقي الذي قالت عنه نبوءة
التوراة.. لم يدرِ أحدهم أنه لم يكن ابن زنا بل كان نبيًّا.. ولم يدرِ أحدهم أنه لم
يمت على الصليب كما رأوا وإنما رفعه الله إليه.. وأنه سيعود في نهاية الزمان

ويحقق نبوءة التوراة ويحكم العالم بالعدل من عرش "داوود" في فلسطين.. لم
يدرِ أيٌّ منهم هذا.. لقد تملكهم التلمود حتى صاروا يتنفسونه.
قالوا إن من يؤمن بالتوراة ولا يؤمن بالتلمود فليس مؤمنًا؛ فالتلمود هو أشد
قدسية من التوراة.. لأنه يحمل الأسرار الشفهية التي هي أقوى من التوراة
المكتوبة.. لم يدرِ أحدهم أنه لم تكن هناك أسرار.. إنما هي نفثات شيطان..
شيطان ثعبان زحف على بالدهم وأكل حتى شبع ثم واصل الزحف بحثًا عن قرية
أخرى.. وقلوب أخرى.. وكنت أنا هذا الثعبان.
وبعد سنوات من وفاة النبي "عيسى" بن مريم.. عدت أزحف بسمومي إلى
أورشليم.. كان أتباع "عيسى" الحواريون يتولون نشر الإنجيل التي ينادي بالحب
والمساواة بين الناس ويوافق التوراة اليهودية التي نزل بها "موسى" وأصبح
"عيسى" يبشر بنبيٍّ يأتي في نهاية الزمان اسمه "محمد".. أصبح إنجيل "عيسى"
يعارض كل سمومي التي نفثتها في تلمود اليهود.. لذا نفثت سمومًا جديدة..
فبمثل ما نفثت في قلوب أهل التوراة سمومًا نفثت في قلوب أهل الإنجيل
سمومًا.
فجأة دخل على الحواريين رجلٌ فزعوا لرؤيته فزعًا عظيمًا.. "شاول".. رجل
يهودي قوي مكلَّف من قِبَل أكابر اليهود باعتقال الحواريين أحياء أو ميتين
باعتبارهم كفار باليهودية التلمودية.. رجل مُرسَل من جمعية يهودية أُنشِئَت
خصيصًا لقتل أتباع المسيح الحواريين ودفن المسيحية.. جمعية تدعى القوة
الخفية.. جمعية يهودية يرعاها ملوك الرومان.. تحفز الحواريون لمَّا رأوا
"شاول".. لكن أعينهم اتسعت عندما قال لهم اليهودي فجأة :
- إني كنت لكم كارهًا.. عليكم مسلَّطًا.. لم تكن رؤسكم المقطوعة
لتشفي غليلي فيكم.. لكن نورًا عظيمًا من السماء الح لي أثناء سيري
الحثيث إليكم.. نور خرَّ جسدي من عظمته على الأرض صعقا.. وأتاني
هاتف بصوت بدا كـأنه ملأ أرجاء الأرض يقول لي "لماذا تؤذي أتباعي

يا شاول؟" "قم وادخل دمشقًا فهناك يقال لك عمَّا يجب أن تفعل"..
لقد كان النور الذي أتاني هو "عيسى".. وإني أتيت لكم اليوم مؤمنًا بـ
"عيسى" ولست كافرًا.. جئتكم ناصرًا ولست قاتلًا.
ظلَّ الحواريون على فزعتهم الأولى من "شاول".. فهو كان في الحقيقة أكثر
من طالهم بالأذية.. لكن "برنابا" توسط له عندهم.. فبدأوا يستمعون له.. وبدأ
السُّم الزعاف يملأ كأس النصرانية حتى فاض السم خارج الكأس المملوءة.. ثم
سال السم من كثرته على الأرض.. وضيقت عينيَّ المشقوقتين في تشفٍّ..
واستمعت معهم لأحاديث "شاول" الذي أصبح اسمه القديس "بولس" وأصبح
رسميًا قادرًا على تلقي الوحي من المسيح "عيسى" وقادرًا على التشريع. .
كان الله واحدًا لا إله إلا هو في عقيدة المسيح "عيسى".. فأصبحوا ثلاثة آلهة
في عقيدة "بولس". . الله و"عيسى" والروح القدس..
كان الله ليس كمثله شيء في عقيدة المسيح.. فأصبح الله في عقيدة "شاول"
أبا والمسيح "عيسى" هو ابنه..
كانت هناك شريعة الله شرَّعها في التوراة اسمها الناموس.. شريعة تحرِّم
الخمر ولحم الخنزير والميتة وتفرض الصلاة والصيام.. فأصبحت المحظورات
كلها في عقيدة "بولس" مباحة.. ولا توجد واجبات.. لا يلزم المرء عند "بولس"
صلاة أو صيامًا أو أي تكليف.. لايلزمه سوى الإيمان وحده.. الإيمان بالله.. وابن
الله. والروح القدس.. الثالوث الشهير.
أنكر بعض الحواريين على "بولس" ما يقول بينما صدَّقه البعض الآخر.. لكن
أغلبهم خالفوه في إلغائه شريعة التوراة.. وانقسمت المسيحية إلى طوائف
عديدة بينها اختلاف شديد جدًّا لمدة ثلاثة قرون كاملة.. خلال هذه القرون كنت
كلما أفتح الإنجيل لأقرأه أجد كلامًا عجيبًا..
لوط" النبي كانت له ابنتان.. وكانت هاتان البنتان تسقيانه خمرًا وتتكشفان له
وتغريانه حتى عاشرهما وأنجب منهما أولاد زنا.
أحد أبناء "يعقوب" واسمه "روبن".. كان يمارس الجنس مع أمه على سطح
المنزل.
"يهوذا" أبو العرق اليهودي كان معجبًا بزوجة ابنه.. فحاصرها مرة على جانب
الطريق وعاشرها وأنجب منها أولاد زنا.
زنا محارم صريح في الإنجيل.. الحقيقة بالطبع أن هذا لم يكن الإنجيل وإنما كان
ما كتبه هؤلاء بالسم الذي زرعته في قلوبهم وفي أقلامهم.
جاء بعدها الإمبراطورعابد الآلهة الرومانية الوثني قسطنطين وجمع أكابر
الطوائف المسيحية كلها في مجمع واحد.. مجمع نيقية.. وحتى يزيل االختالف
فيما بينهم أجرى تصويتًا على ألوهية المسيح.. وصوتت كل طائفة بصوتها..
وانتهى الاجتماع بقرارٍ رسميّ باعتبار المسيح إلهًا مع اهلل وأنه ابن اهلل.. كان هذا
كافيًا جدًّا.. إن مفعول السم قد أصاب قلوبًا كانت بالله مؤمنة موحِّدة منزَّهَة..
فأصبحت من بعد السم بالله مشركة.. بل وألغت شريعة الله بأكملها بحلالها
وحرامها.. هل رأيتم سُمًّا بهذه الفاعلية من قبل؟
الرسول المسيح "عيسى" يصير فجأة ابنًا لله وإلهًا معه أيضًا وناموسه يصير
لاغيًا.. وكل هذا يُبنى على شخص يهودي غريب لم يرَ المسيح في حياته.. رجل
كان يالحق الحواريين لقتلهم يأتي ويزعم بين ليلة وضحاها أنه رأى نورًا ينزل
عليه من السماء.. وأن هذا النور هو "عيسى".. وأنه ليس نبيًا بل هو إله.. وهو
ابن الله أيضًا.. وزِنا محارم في كتاب اهلل اإلنجيل يرتكبه أنبياء الله وأولادهم..
وشخص روماني وثني يجعل الناس تصوِّت على ألوهية المسيح.. فيصوّتون
عليها وكأنهم في انتخابات.. لم يكن العيب في عقول الرجال.. بل كان في
قلوبهم.

هكذا أُفسِدَت كل الشرائع التي أنزلها الله إلى الناس فسادًا تامًا كاملًا.. وعُدت
إلى خريطة العالم.. عدت أزحف بحثًا عن قلوب أخرى.. وقد وجدت ضالتي بعد
حوالي ثلاثمئة سنة من انعقاد مجمع نيقية.. فجأة سمعنا نحن الشياطين من نبأ
السماء أمرًا عجبًا.. كل أحاديث الملائكة التي نسترق منها السمع كانت تتحدث
عن حدث عظيم يوشك أن ينزل بأهل الأرض.. حدث سيقلب كل شيء رأسًا على
عقب.. كنت أتوقع حدوث ذلك الحدث وأنتظره.. بل ننتظره جميعًا. . كانت األرض
تستعد لأن تشهد والدته.. والدة محمد.
وإني قد رأيت من أمر هذا الرجل مالم أرَه في حياتي الممدودة كلها.. قبل حوالي
شهرين من ولادته حدث أمر أسطوري لم أشهد مثله منذ قرون.. رأينا سماء
مكة قد مُلْئْت بالطير حتى لم نعد ترى شيئًا من السماء.. كانت نوعًا من الطير لم
يُرَ مثله من قبل.. طير بحجم النسر طويل العنق أقدامه حُمر.. سمَّاه العرب
العنقاء.. مُلِئْت السماء بالعنقاء في مشهدٍ مهيبٍ وكل طير منها يحمل في
منقاره حجرًا وفي أقدامه حجرًا.. وكانت أرض مكة ممتلئة بجيش أتى من اليمن
على أفيال عظيمة يريدون هدم الكعبة.. كان مشهدًا أسطوريًّا رهيبًا وجنود
الجيش ينظرون إلى السماء في رعبٍ وتوترت الأفيال.. ولم يدرون إلا والطير قد
رمت عليهم الحجارة التي كانت تحملها.. حصيا صغيرة كانت.. لكنها مست
أجساد القوم فهلك منهم من هلك من فوره.. ومن بقي منهم تساقط جلده
وأعضاؤه عضوًا عضوًا حتى صار كالفرخ المذبوح.
هرعنا إلى السماء نبغي سماع الخبر كما اعتدنا أن نفعل منذ الأزل.. لكن شيئًا ما
في السماوات لم يعد كما كان.. نظر بعضنا إلى بعض في استغرابٍ وواصلنا
الصعود.. وفجأة رأينا أجرامًا من السماء تسقط على رؤوسنا.. ولينا أدبارنا هربًا
لكن تلك الأجرام أصابتنا فأحرقتنا ونزلنا إلى الأرض محرًقة أجسادنا وقلوبنا.. يبدو
أن وقت سطوة الشياطين قد انقضى زمانه.. وقد بدأ زمن إلهي جديد.. زمن
"محمد".

اهتزت أرض مكة فسقط الثلاثمئة وستون صنمًا المثبتون بالمسامير حول
الكعبة على رؤوسهم. . وانطفأت نار فارس التي كانت تُعبد وهي النار التي كان
يتناوب على إذكائها الكُهان منذ ألف عامٍ فلم تنطفىء إلا اليوم.. وهرعنا نحن
الشياطين إلى بيت أمه لنشهد والدته.. وهناك رأينا أمرًا لم نصدقه في الوهلة
الأولى؛ مريم ابنة عمران.. وآسيا آمرة فرعون ونساء أخريات لم نرَ في مثل
حسنهن والكل يقف حول آمنة أم "محمد" ليشهد ولادة "محمد".. ياللعجب كيف
أتين إلى هنا.. ولمّا خرج انتظرنا نغزة الشيطان له ليبكي لكن الشيطان لم يأتِ..
وخرج الطفل محمد ولم يبكِ.. قال لنا الشيطان بعدها إنه لم يجرؤ على الأقتراب..
نظر بعضنا إلى بعض في حيرة.. إن لكل ما مضى من الزمان شأن.. ولزمان هذا
الرجل شأن آخر.. اعتصرت أكثر أنواع سمومي فتكًا.. وزحفت بجسدي كله الذي
طال مع الزمن طولًا عظيمًا ونزلت مكة.. وعرفت أنني سأبقى فيها طويلًا.
مرت السنين وبُعِثَ "محمد" نبيًّا.. أبطل هذا الرجل كل سم زرعته في تاريخ
الأرض.. حكى الحقيقة المجردة وحدها.. حكى أن "إبراهيم" و"موسى"
و"عيسى" إنما كانوا يدعون كلهم إلى دينٍ واحدٍ.. وأن اليهود تركوا كتاب
التوراة وأخذوا بكتاب من وحي خيالهم.. وأن النصارى حوَّلت المسيح من رسول
الله إلى ابن وإله لكن الله إله واحد لم يلد ولم يولد.. وقال إن النصارى كتبوا في
إنجيل عيسى كل ما طاب لهم من الكذب.. وأن عيسى لم يمت وإنما رفعه الله
إليه.. وأنه عائد في نهاية الزمان ليحقق نبوءة التوراة ويحكم العالم كله بدِين
"إبراهيم" و"موسى" و"محمد".. دين الله الذي ليس له ثانٍ.. وأعاد الناموس
والشريعة التي أسقطها النصارى.. وبرأ "سليمان" من تهمة السحر التي كان
اليهود يرمونه بها وقال إنه كان نبيًّا مُرسلًا امتلك الإنس والجن والطير والدواب
بمعجزة من الله وليس بالسحر.. ورغم أن دولة "محمد" لم تكن تتجاوز الجزيرة
العربية فقط.. إلا أنه صنع فيها رجالًا من ورائه إيمانهم قوي كالصخر ثابت
كالجبال.. رجال على أتم استعداد لفتح العالم كله.. رجال لا يقدر عليهم

شيطان.. بل إن الشياطين تهرب منهم.. لم تكن هناك طريقة لهزيمة هؤلاء
إلا قتلهم المباشر.. وأولهم النبي "محمد".
زحفت ناحية المدينة.. وتحديدًا إلى مساكن اليهود فيها.. ثم خرجت منها بعد
أن أودعت في قلوبهم ما أودعت.. وفجأة أهدت واحدة من هؤلاء اليهود شاة
مذبوحة مشوية إلى النبي "محمد" وأصحابه.. وسألَتْ هذه المرأة شيوخ اليهود
عن أشد سم زعاف من سمومهم فتكًا.. فسموا لها واحدًا بعينه فأودعَته في
الشاة.. وسألت عن أي جزء يحب النبي "محمد" أن يأكل فقيل لها الذراع.. فزادت
في ذراع الشاة أضعاف ما وضعت في جسدها من السم.. وكان "محمد" يقبل
الهدية فقبلها وجلس وأصحابه حول الشاة.. وتحفزت عيناي المشقوقة.. وأخذ
النبي "محمد" الذراع وأكل منه أكلة.. ثم تبعه أحد أصحابه وأكل ثم استوقفهم
النبي "محمد " فجأة وقال لهم:
- كفوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة.
ضيقت عيني في خبث شيطاني.. كنت أعلم أن تلك القضمة الواحدة التي أخذها
من الشاة كانت كافية لقتله.. ولو بعد حين.. وبالفعل مرض النبي "محمد" مرضا
شديدا بعد ثلاث سنوات من أكله للشاة.. وقال في مرضه :
- مازلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة.. فهذا أوان انقطاع الأبهر
مني.
وهكذا أصبح الطريق ممهدًا أمامي لأبث مزيدًا من السموم.. حاولت بكل
جهدي أن ألوّث أفكار دين الإسلام لكن "محمدا" لم يكن قد ترك شيئًا قابلًا
للتسميم.. لم ينس شيئًا إلا وبينه.. وكانت قلوب أصحابه أشد صلابة من الماس..
والمشكلة الأكبر أن الله قد تعهَّد القرآن بالحفظ فلم يكن لي أي مخرج
لتحريفه.. ولم يترك القرآن شيئًا إلالذكره في مواضع عديدة بوضوح.. لكني لم
أعتد أن يقف شيء أمام زحفي وسُمي.. ولذلك وجدت مخرجًا.. أو شبه مخرج.

مات صاحبا الرسول "أبا بكر" و"عمر".. وتولى الخلافة بعدهما "عثمان ابن عفان"
واتسعت دولة "محمد" لتكون من الصين إلى تونس.. ولو تُرِكت بضع سنين كانت
ستغزو العالم كله.. فقد بنى "محمد" جيلًا كاملًا من الشخصيات اللامعة النادرة
القوية المخلصة بطريقة لم تحدث في التاريخ من قبل ولن تحدث في التاريخ من
بعد.. وإن أعظم حضارات العالم تفخر لو وجد فيها شخص واحد من هؤلاء.
فكيف بحضارة فيها أكثر من مئة ألف منهم.. لم يكن مناسبًا أن أعتمد على أحدٍ
في بثِّ سمومي هذه المرة.. كان من المحتّم أن أنزل بنفسي إلى ساحة الأحداث..
وخلعت عني هيئة الثعبان واتخذت لنفسي هيئة بشرية.. ونزلت إلى المدينة
المنورة.. المكان الذي ربَّى كل هؤلاء الرجال.. نزلت إليها على هيئة رجل أسود
قادم من اليمن.. بل شيطان أسود.. شيطان يدعى "عبد الله".. "عبد الله بن سبأ".
بدأت أخلط سما فكريًّا عزافًا لحقنه في قلوب هؤلاء.. نظرت إلى عقيدتهم
وكتّابهم ورسولهم فلم أجد ثغرة أنفذ منها.. لكنني أمعنت النظر وأمعنت حتى
وجدتها.. وجدت الثغرة التي سأحقن فيها سمومي كلها.. فبعد وفاة رسولهم
اجتمع كبار صحابته في سقيفة بني ساعدة ليختاروا واحدًا منهم خليفة
للمسلمين.. لكنهم أغفلوا واحدًا من أهم الصحابة.. رجل شديد الأهمية لم يكن
في هذه السقيفة معهم بل كان مشغولًا يغسل جسد النبي "محمد" تجهيزًا
لدفنه.. كان هذا هو "علي".. "علي بن أبي طالب".. ابن عم الرسول وصهره.
المشكلة أنه كان من المستحيل التأثير على عقائد هؤلاء الرجال أبدًا.. بل إنني
خِفت على عقائدي كشيطان أن تتأثر لو اقتربت منهم.. لذا كان يجب أن يكون
السم سياسيًا هذه المرة.. سياسيًا بحتًا.. إن "علي بن أبي طالب" من آل بيت النبي
وسماه الرسول وليّ المؤمنين فكيف يجتمعون بدونه في السقيفة ويختارون
خليفة لهم بدون حتى أن يأخذوا رأيه.. ضيقت عيني المشقوقتين في رضا
شيطاني ومضيت في طريقي.

ملكة جروح 12-18-2020 07:17 PM

لكنني خرجت من المدينة مدحورًا مذمومًا.. لقد أجمع أهل المدينة كلهم على
رأي السقيفة.. وبايع الكل بلا أدنى تردد الخليفة "أبو بكر".. حتى "علي" نفسه
بايعه ببساطة.. هؤلاء يعرفون كلام رسولهم جيدًا.. فقد رتب أكثر من مرة
أصحابه حسب الفضل "أبو بكر" فـ "عمر" فـ "عثمان" ثم "علي".. ومزاعمي أن
هؤلاء الثلاثة قد سرقوا الخلافة من "علي" ثلاث مرات ضاعت في الهواء..
فكيف يسرقون الخلافة ولم يخرج أحدهم منها حتى بثوبٍ جديدٍ بل ماتوا جميعًا
مديونين.. قدموا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
لكن هذا السم الذي حضرته ولو لم يكن قادرًا على التأثير في هؤالء فهو قادر
على التأثير في ضعاف أو حديثي الإسلام.. وبهذا توجهت إلى الشام.. وحاولت
نشر فكري هناك لكنني خرجت منها مدحورًا مرة أخرى.. فكان أمير الشام
"معاوية بن أبي سفيان" يدير الشام بطريقة يستحيل معها أن تشتعل أي فتنة..
فخرجت من الشام وتوجهت إلى العراق.. وهناك فقط وجدت ضالتي.
في البداية نشرت مطاعن عديدة في كل أمراء البلاد.. فإذا تقبَّلها الناس سيكون
سهلًا عليهم أن يتقبّلوا مطاعن في الخليفة "عثمان بن عفان".. وبالفعل تقبَّل
كثيرٌ من الناس كلامي ومنهم كبار قواد الجيوش مثل "الأشتر النخاعي".. تقبَّلوا
مطاعني في الأمراء وتقبَّلوا مطاعني في "عثمان".. وظللت أطعن وأطعن حتى
سار معي ثلاثة آلاف رجل ودخلنا المدينة وواجهنا الخليفة "عثمان" بمطاعننا
وطلبنا منه أن يخلع نفسه عن الخلافة ويولي "علي". . لكن حتى هذه كان الرسول
قد أخبره شخصيًّا بها.. فقد قال له إن هناك منافقين سيأتونك ويطلبونك أن تخلع
قميصًا قمصكه الله فلا تخلعه.. وبهذا رفض "عثمان" أن يخلع نفسه من
الخلافة.. وبهذا حاصرناه ومنعنا عنه الماء.. حتى قتلناه.
وبهذا بايع الناس "علي بن أبي طالب" خليفة.. لكن اختلف أكابر الصحابة؛ فريقٌ
رأى أن يقتص الخليفة "علي" من قتلة "عثمان" أولًا وإلالن يبايعوه.. على رأس
هؤلاء "عائشة" زوجة الرسول و"طلحة بن عبيد الله" و" الزبير بن العوام".. الفريق
الآخر وهو فريق الخليفة "علي" رأى أن يؤجَّل القصاص.. لسبب سياسي بحت هو
أن القتلة من أكابر قبائل العراق وشرق المملكة الإسلامية وهم حديثي الإسلام..
فلو تم القصاص الفوري منهم ستنشق نصف المملكة الإسلامية عن الخلافة..
وقد استخدمتُ رأي "علي" السياسي هذا شر استخدام.. فأشعت في معارضيه
فكرة أن "علي بن أبي طالب" كاره لـ "عثمان بن عفان" ولهذا هو يُقرّ قتلته على
ما فعلوه.. وإنما يتخذ حجته السياسية هذه ذريعة ليساعد القتلة على الهرب..
ويبدو أنني بدأت فعلًا في إشعال النار.
قرر "طلحة" و"الزبير" أن يسافروا إلى العراق للقصاص من القتلة بأنفسهم
ومعهم خمسة آلاف رجل.. لكنهم أخذوا معهم "عائشة" زوجة الرسول لترقيق
قلوب القوم هناك.. ولما وصلوا للعراق طالبوا القبائل بتسليم قتلة "عثمان"
للقصاص لكن القبائل رفضت رفضًا شديدًا كما توقع "علي".. وبدأت الحرب..
وقتل جيش "طلحة" من القبائل الكثير.. وقتل القليل من قتلة "عثمان".. أيضًا كما
توقع "علي".
هنا انطلق "علي" بنفسه إلى العراق لحل هذا النزاع وعاتب "طلحة" والزبير"
و"’عائشة" على عدم تصديقهم لنظرته السياسية التي توقعها.. فهدأوا جميعًا
وبايعوا "عليا" بالخلافة واتفقوا على رأيه.. كان يبدو أن "علي" نجح في إخماد النار
التي أشعلتها.. لكن هيهات.. ففي الليل بعد أن نام الجميع.. تسللت ورجال معي
إلى مخيمات رجال "طلحة" وقتلنا منهم نفرًا يسيرًا.. ثم ذهبنا لمخيمات رجال
"علي" وقتلنا منهم نفرًا يسيرًا.. ونادينا في كلا الطرفين بينما أغار علينا الطرف
الآخر الحاقد.. وهكذا قام الرجال والتقت سيوفهم.. ونزل "علي" ينادي الجميع
أن يوقفوا القتال.. ونزلت "عائشة"على جملها ونادت في الجميع أن يوقفوا القتال
حتى أصابت ناقتها سهام كثيرة لم يدرِ أحد من أين تأتي.. فأحاط "علي" بجمل
"عائشة" بجسده في مشهدٍ بطولي حقيقي ومهَّد لها الطريق لتخرج من
الساحة.. ثم أمر نساءً من آل بيته لمرافقتها إلى المدينة.. قُتِل "طلحة" بسهم

مجهول.. فلما رآه "علي" بكى.. وقُتِل "الزبير" بطعنة غادرة أثناء صالة الظهر..
وأتى من يُبشر "علي" بقتل "الزبير" فقال له "علي" أن يبشر قاتل "الزبير" أنه في
النار.. ودفنه "علي" بنفسه وقال :
- إني لأرجو أن أكون أنا و"طلحة" و"الزبير" و"عثمان" ممن قال الله فيهم
)ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين(
وبما أن العراق كانت مكانًا غير مستقر فقد فضَّل "علي" أن يحكم المسلمين من
الكوفة.. وبهذا كاد "علي بن أبي طالب" أن يطفىء النار مرة أخرى..
ولكن هيهات.. لازلت هنا.. لازال الأسود بن السوداء "بن سبأ" هنا.. كانت هناك
العديد من الثغرات قد تكونت الآن.. فـ "علي" أثناء تحقيق سياسته بتأليف قلوب
قبائل العراق اضطر لإبقاء من كان منهم قائدًا للجيش كما هو.. ومن هؤلاء
كان "الأشتر النخاعي" أحد رموز التمرد على "عثمان" وغيره الكثير.. وصرخت بين
الناس أن انظروا كيف ترك "علي بن أبي طالب" مدينة رسول الله وذهب ليقيم
الخالفة من الكوفة مهد قتلة "عثمان بن عفان".. انظروا كيف كان جيشه يقاتل
جيش "عائشة" و"طلحة" و"الزبير" ويقتل منه من يقتل.. ويرفض أن يقاتل من
قتلوا "عثمان بن عفان".. ألا يدل ذلك على حقده على "عثمان بن عفان"؟ ولكن
صرخاتي تلك لم تؤثر سوى في حديثي الإسلام.. فالمسلمون يعرفون جيدًا من
هو "علي بن أبي طالب".. ابن عم النبي.. وزوج ابنته "فاطمة".. ومستشار الثلاثة
خلفاء الذين كانوا قبله.. قال فيه النبي " إن الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وأبى
أن يجعل ذريتي إلا من صلب علي".. و"من كنت مولاه فعلي مولاه".. فلم تجد
صرخاتي صداها.
لكن ما ساعدني بشدة كان أن هناك بلدًا واحدًا فقط معارضًا بأكمله لموقف
"علي بن أبي طالب" السياسي منذ البداية ورافضًا أن يبايعه إلا بعد أن يقتص من
قتلة "عثمان بن عفان".. بلد واحد فقط لكنه شديد الأهمية.. الشام.. بأميره
"معاوية بن أبي سفيان".. ونفر من الصحابة الكبار أبرزهم "عمرو بن العاص"..

لما أتيت الشام قبل مقتل "عثمان" لم أتمكن من فعل شيء.. أما الآن ومع تبنّيهم
هذا الموقف المعارض.. صار إشعال النار عندهم أسهل بكثير.
فذهبت بصرخاتي إلى أنصار "علي بن أبي طالب" وقلت.. إن "معاوية بن أبي
سفيان" يرفض مبايعة "علي بن أبي طالب" لأن "علي" قتل خاله وقتل أخوه.. كما
أنه كبير قبيلة بني أمية التي منها و"عثمان بن عفان".. فهو ولي دم "عثمان"..
وهو يقدِّم ولاءه للدم على ولائه للخليفة.. لكن صرخاتي لم تجد لها صدى كبيرًا
في تلك الأيام.. فالناس كانت تعرف من هو "معاوية بن أبي سفيان".. تعرف أنه
من القلة الذين ائتمنهم النبي "محمد" على تدوين القرآن.. وعنه يحفظون أحاديث
كثيرة جدًا.. ودعا له "محمد" فقال "اللهم اجعله هاديًا مهديًا".. والمسلمون
يتعاملون مع دعوات النبي معاملة الدستور.. بل إن أخت معاوية هي زوجة النبي
"محمد".. ولذا يلقبونه بخال المؤمنين.. وهم يثقون به تمامًا لأنه ورغم أن "عمر
بن الخطاب" أثناء خلافته عزل الكثير من الولاة مثل "خالد بن الوليد" و"أبو موسى
الأشعري" و"سعد بن أبي وقاص" و"عمار بن ياسر" إلا أنه لم يعزل "معاوية بن
أبي سفيان" أبدا.. وذلك لشدة حنكته في الإمارة وعدله.
لكن طال إصرار "معاوية" على رفض مبايعة "علي".. ونصح الصحابة الخليفة
"علي" بأن يخرج ليعيد الشام إلى حُكمه.. فخروجها عن الخالفة يجعل غيرها
يستمرىء الخروج على الدولة.. وبهذا خرج "علي" بجيش قوامه مئة وعشرون
ألف رجل إلى الشام ليعيدها.. وجهز له "معاوية" جيشًا قوامه تسعون ألف رجل..
كنت في غاية السعادة.. فالصحابة.. أصحاب القلوب الذهبية على وشك التقاتل
مع بعضهم البعض.. وتقاتلهم هذا يعني سقوط دولتهم.. ويعني أن الثعبان
سيجد ضحية جديدة.
التحم الجيشان وسقط قتلى ما يقارب الأربيعن ألفًا.. لكن كان هناك شيء عجيب
في هؤلاء القوم.. توقفت قليلًا لمحاولة استيعابه.. هؤلاء يتقاتلون بالنهار..
وفي الليل يتزاورون.. القرآن يدوي في ذلك الجيش.. ويدوي في الجيش الآخر..

كل طرف مؤمن أنه يقاتل لأجل الدين.. الطرف الأول يقاتل لأجل تفعيل حد
القصاص لأن في تعطيله مخالفة لشريعة الله.. والطرف الثاني يقاتل لأجل
استقرار الدولة الإسلامية.. يتقاتلون ولا يكره طرف منهما الطرف الآخر..
بالعكس يعظمون بعضهم البعض.. وفي المعركة يظل الرجلان يتلاحمان بلا
قتل.. فكل القتل الذي حدث في المعركة كان بفعل أتباعي.. قتلة "عثمان" الذين
كانوا في جيش "علي" لكن لما كان صحابيان يتقابلان فإن سيفيهما يصطكان
ببعضهما بلا قتل وقلباهما سواء.. وقفت بين هؤلاء وهؤلاء.. ليس لمثل هؤلاء
وضعت سُمي.. لقد أشعلت ما ظننته نارًا في القلوب.. فأصبحت النار بردًا وسالمًا
عليهم كأنها لم تكن.. أنا أضيع وقتي هنا.. هؤلاء سيصطلحون بعد حين
ويعودون أشد قوة مما كانوا.
وبالفعل اصطلح الرجال.. وعملوا هدنة لسنة.. خلال هذه السنة زحفت على
ضعاف النفوس والإيمان.. فلست أقدر إلا عليهم.. جعلت نفرًا كثيرًا منهم
يعتبرون كل من شارك في المعركة بين الصحابة كافرًا.. وجعلتهم يحاولون
الانقلاب على الخليفة "علي".. الذي انشغل تمامًا بمحاربتهم والقضاء عليهم
حتى قتله أحدهم.. وهو"عبد الرحمن بن ملجم".. الذي ظنَّ بكل السم الزعاف
الذي أودعته في قلبه أنه قتل "عليا" وأنه سيدخل الجنة.. وقد قال الرسول إن قاتل
"علي" هو أشقى الآخِرين.. وقال أيضًا أن الطائفة التي ستقتل الخوارج هي أقرب
الطائفتين إلى الحق وهي هنا طائفة "علي بن أبي طالب".. أما الطائفة التي ستقتل
"عمار بن ياسر" أثناء الفتنة فهي الفئة الباغية وهي هنا طائفة "معاوية بن أبي
سفيان".. العجيب أن النبي "محمد" كان يقول أحاديثَ عن أحداث حدثت بحذافيرها
بعد موته.. هذه الأمة عجيبة.. حقًا لم يرَ التاريخ مثل هذه الأمة على الإطلاق.
تولى الخلافة بعد موت "علي بن أبي طالب" ابنه "الحسن".. وقد عمل عملًا بسيطًا
أصلح به كل شيء.. بعد ستة أشهر على خلافته ذهب إلى "معاوية" وتنازل له
عن الخلافة.. وبهذا اصطلح الكل ولم يعد في قلب أحد على أحد مأخذ.. هذا

الرجل غريب.. كان منذ البداية ينصح أباه "علي" بكل النصائح التي لو كان اتبعها
كانت المشكلة ستنتهي.. فنصحه ألا يخرج وراء "عائشة" إلى العراق.. وألا يخرج
لقتال "معاوية".. والآن تنازل عن الخلافة.. وقد قال عنه جده النبي إن الله سيصلح
به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين.. ومرة أخرى.. تحققت نبوءة النبي كما
قالها تمامًا.. وانتهت الفتنة تمامًا وخمدت النار.. وزالت السموم.. ونظرت إلى
نفسي.. لقد فشلت مع هؤلاء.. حقًّا لقد فشلت.. من أي شيء صُنعت قلوبهم
بالضبط؟.. من أي شيء صُنعت؟
تـمَّت
****

ملكة جروح 12-19-2020 12:06 PM

حقًّا هذه الحكاية أتعبتني شخصيًا وأسقمتني.. إن الشيطان الأفعى "سيربنت"
هو رمز الإغواء.. تقول عنه التوراة أنه هو الأفعى التي أغوت آدم وحواء
فأنزلتهما من الجنة.. لكن الحقيقة غير ذلك.. فمن أغوى آدم وحواء هو
"لوسيفر".. أما "سيربنت" فهو شيطان اختص بتدمير العقائد وإشعال الفتن
والنيران في أي بلد ينزل بها.
لم أعد أستغرب تلك المشاهد التي أراها على الشاشة دائمًا لليهود في إسرائيل
وهم يقتلون الأطفال ويذبحونهم بدمٍّ باردٍ تمامًا؛ فالحقيقة التي عرفتها هي أن
ذلك الجندي اليهودي لا يعتقد أنه يقتل بشريًّا.. إنما هو حسب عقيدة التلمود
يقتل حيوانًا هيأه الله على هيئة بشرية.. وهذا الحيوان يزاحمه في أرضه أيضًا..
فقتله واجب.. لكن ليس كل اليهود يؤمنون بالتلمود بالطبع؛ فهناك طائفة لا
تؤمن سوى بالتوراة وحدها.. وهم طائفة من اليهود اسمها اليهود القراوؤن..
بل إنهم يؤمنون بعيسى وبمحمد على أنهما نبيّا الله.. وحتى النبي "محمد" قد
قال عن اليهود المعاصرين له أنهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم حتى
قبل أن يولد.
وبمناسبة الحيوانات الذين على هيئة بشرية.. هناك نظريات علمية نشأت في
أحضان المحافل الماسونية وبرعايتها وأبرزها نظرية "داروين".. أن الإنسان أصله
قرد.. لو أردت رأي خبير فهم تبنوا هذه النظرية حتى يعمقوا في أذهان غير
اليهود أو الغوييم فكرة أن أجدادهم كانوا قرودًا.. أما اليهود أنفسهم فال
يؤمنون بهذه النظرية.. فبالنسبة لهم هذه النظرية فقط فسرت أصل الغوييم
الحقيقي.. ولو أردت رأيي أنا شخصيًا في هذه النظرية فسأقول إنه فقط رجل
بعقل بهيمة هو من يجد السلوان في الأصل البهيمي.

أما بالنسبة للأفاعيل التي فعلتها الأفعى في عقيدة المسيحيين فأقول إنه ورغم
كل التحريف الذي فاق الحد إلا أنني قرأت الإنجيل جيدًا بكافة نسخه.. ولم أجد
كلمة واحدة يقول فيها المسيح "عيسى" عن نفسه أنه إله.. أو أنه ابن الله.. أو
قال اعبدوني.. بل إنني لاحظت أنه ذات مرة رفض أن يناديه الناس بالرجل الصالح..
وقال إن الصالح هو الله.. وأنا أعرف أن الرجل لابد أن يقدم مزعمًا حتى يمكنني
تصديقه أو نفيه.. لكن هذا المسيح عيسى لم يقدم المزعم أصلًا.. لاقال إنه إله
ولا قال إنه ابن الله في أي كلمة أو حتى تلميح.
والمفترض أن الإنسان قد وصل لدرجة من الذكاء لا تسمح له أن يقول عن رجل
ما أنه إله.. فأين كان هذا الإله قبل أن يُولَد وكيف سيموت لما يأتي أجله؟ إذا لم
يحصل هذا الإله على الطعام والشراب ألن يموت؟ ثم يقولون إنه مات من أجل
البشرية.. فكيف مات وهو الله؟ ثم إنني قرأت أنه قد تمَّ ختانه وهو صغير.. هل
لما أمسك به الحكيم ويختنه كان يختن الله؟ كيف أمسك بالله وأختنه؟ ولما كان
على الصليب يقولون إنه صرخ ناظرًا إلى السماء وقال لِم تركتني؟ فهل يعقل
أن يقول الإله لأحد لم تركتني؟ ثم كيف يقولون إن الله شيء والمسيح شيء
والروح القدس شيء.. ثم يقولون إنهم كلهم شيء واحد وهو الله.. حقًّا لا
أدري كيف فعلها "سيربنت" لكنه غيَّب عقول هؤلاء قبل أن يغيب قلوبهم.
لعلي لم أخبرك.. لكنني مسلم.. ورغم أنني لم أكن كذلك إلا أنني فعلتها بعد أن
عرفت كل ما عرفت. وبعد أن تبحَّرت في بحور الماسونية والسحر ما تبحَّرت..
ورغم أن الأفعى "سيربنت" قد فشل تمامًا أن يدمر عقائد الصحابة كما فعل مع
الحواريين.. إلا أنه وبعد أن مرت القرون الثلاثة الأولى.. نجح سُمه أخيرًا في النفاذ
إلى النفوس.. لأن جيل القرون الثلاثة الأولى هذا كان جيلًا ذهبيًا تهرب الشياطين
منه بالفعل من فرط صلابته.

فبعد القرون الثلاثة الأولى نجح سمّ الأفعى "سيربنت" أن يخرج من عباءة
المسلمين فرقة كبيرة جدًّا تدعى الشيعة.. وخروج هذه الطائفة قد حدث تحديدًا
بعد استشهاد "الحسين بن علي" في كربلاء.
في البداية كانت فرقة تدعى الزيدية وهي الفرقة الوحيدة التي على صحيح
الإسالم.. وهؤلاء أتباع فكر "زيد بن علي بن الحسين" وهو رجل مجاهد يتفق
مع جمهور المسلمين في كل شيء لكنه يرى أن "علي بن أبي طالب" كان أولى
بالخلافة من "أبي بكر".. ويعرف فضل "أبو بكر" وفضل "عمر" جيدًا كما كان
كل المسلمين يعرفون فضلهما.. وترحم "زيد" عليهما قبل أن يموت.
وبعد وفاة "زيد" رفض البعض ترحمه على "أبو بكر" و"عمر" ومن هنا بدأ
الانحراف.. سميوا من رفضوا الترحم بالرافضة.. وهؤلاء انقسموا فيما بينهم
إلى بضع وسبعين فرقة.
وتاريخهم كله مشبع بالخيانات للدولة الإسالمية والتحالف مع أعدائها.. وإنني
كنت متعجبًا جدًّا كيف أن تلك المذاهب الشعية كلها قد ظهرت رغم أن
المسلمين اهتموا جدًّا بنقل الحديث بالأسانيد عن النبي.. ولم يتركوا سبيلًا أبدًا
للتلاعب في الأمر.. لكن الحقيقة المؤسفة التي أزالت هذا التعجب هي أن
المسلمين في القرون الأولى اهتموا فعلًا بنقل الحديث والفقه والتفسير
ولكنهم نسوا عِلمًا شديد الأهمية.. نسوا تدوين التاريخ.
ولما نسى المسلمون تدوين التاريخ .. نشط الشيعة في تدوينه.. واستفاضوا في
تدوين أحداث الفتنة التي وقعت بين الصحابة.. والمتتبع لأسانيد روايات أحداث
الفتنة يجد أن كل الروايات الطاعنة في "معاوية بن أبي سفيان" أو غيره من
الصحابة أيام الفتنة.. وضعها أربعة رجال شيعة اُشتهِروا بأنهم من الوضاعين
للحديث المكذوب.. والمحزِن أن رواياتهم قد انتقلت للمناهج الدراسية في بلدان

المسلمين كلها فأصبح الطلبة فيها يتلقنون أن "معاوية بن أبي سفيان" فيه كذا
وكذا.. وابنه "يزيد" فيه كذا وكذا.. وأبوه "أبو سفيان" فيه كذا وكذا.
وبالنسبة للروايات التي طعنت في "يزيد بن معاوية" فكلها وبلا استثناء روايات
شيعية مكذوبة الأسانيد موضوعة.. الشيء البشع أن هذه الروايات وأمثالها
الكثير شوهت التاريخ تشويهًا غيرت معالمه تغييرًا جذريا وأوقدت الفتنة بين
المتأخرين من األمة؛ فيزيد بن معاوية هذا تم اتهامه بأنه رجل سكّير وعربيد
وزِير نساء ولا يحق له الخلافة بعد "معاوية" أبدًا بل الأولَى بالخلافة "الحسين بن
علي" وقالوا إن "يزيد" هو الذي أمر بقتل "الحسين" في كربلاء.
والعجيب أن الرواية الوحيدة الصحيحة التي قيلت عن "يزيد" قالها عنه "محمد بن
علي بن أبي طالب" نفسه.. أخو "الحسن" و"الحسين".. قال "لقد عاصرت وعايشت
يزيد بن معاوية فما أنكرت عليه خلقًا قَط".. والأعجب من العجيب أن يصدق
المتأخرون هذه التهم عن "يزيد".. وكأن الجيل الذهبي من الصحابة الذين كانوا
يعيشون وقتها ويفتحون البلاد سيقبلون بأن يكون خليفتهم رجلًا سكّيرًا عربيدًا..
فكأن هذا طعن في الصحابة كلهم.. ويكفي أن "عبد الله بن عمر" فقيه
الصحابة في ذلك الوقت قد خرج وقال "أنا بريء ممن لم يبايع يزيد بن معاوية".
الغريب أن من اعترضَ على تولية "معاوية" البنه "يزيد" هم ثلاثة من الصحابة
فقط وهم "الحسين بن علي" و"عبد الله بن الزبير" و"عبد الرحمن بن أبي بكر"..
وحتى عندما اعترضوا قالوا مقولة واحدة وهي "أقيصرية أم كسروية"
فاعتراضهم كان على التوريث.. ولو كان هناك مطعن في أخلاق يزيد كما يشاع
الآن.. كان الأولى أن يقولوه حينها.. لكن الروايات الشيعية بالطبع تذكر مقولات
كثيرة مكذوبة على لسان أصحابها وأصحابها رضي الله عنهم منها براء.

والآن دعنا نترك كل هذه األحاديث العِقدية المعقدة ولنلتفت إلى الطاولة مرة
أخرى.. لدينا الآن ورقتان فقط.. الورقة الأولى ورقة الهلوسة وعليها صورة
رجل مغمض عينيه من الصداع وتتخلل رأسه بعض أطياف الهلوسة..
الورقة الثانية هي ورقة الأغتيال.
وهذه الحكاية لن يحكيها أي شياطين.. فلننح الشياطين جانبًا.. الحقيقة أنني
فصّلت في أمر الشيعة لأن الذي سيحكي الحكاية هذه المرة هو واحدٌ منهم..
وتحديدًا من الطائفة النزارية.. رجل من الفرقة الخطرة التي تدعى الحشاشين..
ومرة أخرى لا تسألني كيف يحكيها.. فقط استمع.

ملكة جروح 12-19-2020 12:12 PM

فارس من عِليين..
1000 بعد الميلاد – 1250 بعد الميلاد

لما دخلتُ جنة الخلد لأول مرة لم يكن على جسدي سوى ثوب من حرير أبيض..
يُمسك بي ملكان أبيضان شاهقا الطول.. حتى أفلتا يدي.. كان هذا يعني هلم
انطلق ياصاحب الروح المرضية.. تفقد بنفسك ما أعد لك ربك من أجلك.. نظرت
حولي بانبهار.. في أول لمحة رأيت نهرًا جاريًا.. كأنه نهر من لبن.. نظرت إلى
الناحية الأخرى.. نخيل باسقات في أحسن صورة لها تمرها منثور على الأرض
في إغراء حقيقي.. حقًّا لقد قرأت عن هذه الأمور.. إنها حقيقية.. هذا ليس
حلما.. أنا واع تمامًا لما أرى.. فقط أشعر أن دماغي في حالة خدر ماتع دائم..
لكنني واعٍ.. لرائحة رائعة تسللت إليً بلا استئذان.. نظرت حولي.. كأنها عبق الجو
نفسه.. الجو الذي أتنفسه.
"الجنة تنتظركم يا ناصري آل البيت.. يا أحباب عليّ .. الجنة هنالك لا يفصلكم
عنها سوى أن تدفعوا أبوابها"
شيء آخر تسلل إليَّ بال استئذان.. نوع من النغم المبهج.. لم أسمع في حياتي
عذوبة كهذه.. نظرَت عيني ناحية النغم.. كان هناك مايشبه المدخل المصنوع
من الأشجار.. ذلك النغم ينبعث من الداخل مع أصوات أخرى.. هناك أشخاص
بالداخل.. شعور غريب أن تكون في جنة الخلد وتكتشف مكانًا جديدًا فتتحرك
ناحيته لاستكشافه.. عالما أن ما بداخله من النعيم هو على مستوى كلمة جنة..
هذه الكلمات التي أقولها ال تصف ما أشعر به.. لكني أحاول أن أرسم المعنى
بكلماتي.. تقدمت من ذلك المدخل شاعرًا بالنغم العذب يسحبني من عنقي.
"نسبّح بحمد الأول.. ونقدّس لمُلك الآخِر.. إلهان قديمان عظيمان لا أول
لوجودهما ولا ثالث"
حقا كان ما بالداخل مُبهرًا.. كانت المرة الأولى التي أذوق فيها معنى كلمة
السعادة.. كانت روحي سعيدة.. منتشية.. تشعر بالمرح.. وقد زادت السعادة
والمرح أضعافًا مضاعفة لما دخلت إلى ذلك المكان.. غشيَت أذناي ألحان أصبح
صوتها واضحاً الآن.. ورأيت الكثير ممن أعرفهم.. إخوة العقيدة.. أراهم

يتكئون على أرائك وتتكىء بجوارهم فتيات جميلات هن أجمل مما يُسمَح
بوصفهن.. يلاعبونهن ويضحكن معهن.. كن يرتدين أثوابًا ذات ألوان فاتحة..
حمراء بعضها وبعضها بيضاء.. رأتني فتاتان وأنا أدخل إلى هذا النعيم فسارعتا
بالتقدم إليً وعليهما أجمل ابتسامة رأيتها على ثغر.. ومدتا يداهما إليَّ بأنوثة
لم أذقها يومًا من قبل.. وسحبتاني برقة لأنضم إلى الجمع السعيد.
"اقتلوا الخليفة حتى وإن قُتلتم.. فإن قتلتموه دخلتم الجنة.. وإن قُتلتم دخلتم الجنة
أيضًا"
أجلستاني على إحدى الأرائك.. ثم إنهما قبّلتا يدي برقة.. أرجوكما قولا لي إنني
لا أحلم.. فإن كنت لا أحلم أخبراني أنني لم أسكر.. وإن كنت لم أسكر ففسرا لي
لماذا أشعر أن دماغي منتشية.. لم أكن أعلم أن الجنة فيها نعيم حتى للدماغ..
والدماغ نعيمها الأنتشاء.. ذلك الأنتشاء العظيم الذي أذاقتاني إياه لأول مرة في
الدنيا شيخ الجبل.. الإمام الأعظم.. "الحسن الصباح".
وهنا رأيته يدخل إلى هذا الجمع الجميل بنفسه.. اإلمام األعظم بنفسه.. يالهيبة
هذا الرجل.. أذكر ذلك الشاب الذي أمره الإمام الأعظم أن يقف على سور قلعة
"ألاموت" ويرمي بنفسه.. فصعد الشاب فورًا ورمى بنفسه من فوق سور القلعة
إلى الهُوّة السحيقة التي تطل عليها فمات.. كان الإمام قد أمره بهذا ليُرِي أحد
الزائرين الصليبيين الذين زاروه في قلعته كيف أن أتباعه يُخلصون له ولو على
حساب حياتهم.. لابد أن هذا الشاب يمرح في أحد ربوع جنة الخلد الآن.. لم يفهم
ذلك الصليبي لماذا كنا مستعدين لقتل أنفسنا بروح طيبة.. ولو أنه رأى ما أراه
الآن لفهم.
قال لنا الإمام الحسن الأعظم :
- يا أنصار الله... إن كل هذا النعيم الذي تنعمون به هو أدنى أدنى درجات
النعيم التي وعدكم بها ربكم.. ودرجات عليين لا ينالها سوى

الشهداء وحدهم.. وإنني أتيتكم اليوم لأقدم لكم واحدة من الفُرَص
العظيمة لتنالوها.. الشهادة الشهادة يا مؤمنين.. من يريد الشهادة؟!
وقفنا جميعًا كلنا يريد أن يكون هو المختار.. لو كان هذا النعيم بهذه الروعة
فكيف بما هو أعلى منه.. لا تتحمل نفسي إلا أن تناله.. ولحُسن حظي.. اختارني
الإمام هذه المرة.
كانت واحدة من الفرص التي يهبها الإمام لمن يحب منا بين الفينة والأخرى.. أن
ننزل من الجنة إلى الحياة الدنيا لنُنهي شرًا من شرورها العظام.. فإما أن نقتل
أحد الخلفاء العباسيين الذين هم في الحقيقة أعداء الله ورسوله كما تعلَّمنا.. أو
نقتل أحد الصليبيين الذين هم أعداء الله ورسوله أيضًا.. أو ربما نقتل أحد العلماء
الذين يبثون أفكارًا مسمومة في أذهان الناس فهم أخطر على عقيدتهم من
الخلفاء.. لكن هذه المرة لم تكن المهمة مهمة قتل.. كانت مهمة بسيطة
جدًا.. كان عليَّ أن أسلِّم رسالة إلى "لملك "أموري" ملك القدس الصليبي.. كم
أنا محظوظ.. أنا أعشق إمامنا الذي أرسله لنا ربنا حتى يأخذ بأيادينا إلى طريق
الحق.. من حقنا أن يكون لنا إمام كما كان لكل قوم نبي في السابق.. من حقنا
أن يكون لنا إمام معصوم مكلف من قبل الله.. يأمرنا وينهانا ويشرّع لنا ويعلمنا
باسم الله.
كان الطريق طويلًا جدًّا في الواقع.. كنت أركض بفرسي العربية الأصيلة باتجاه
القدس وأمامي حوالي الشهر لأصل إليها.. والنجوم فوق رأسي تدلني على
الطريق.. وخواطر كثيرة تجيء على ذاكرتي وتروح.. خواطر تشعرني بالفخر..
تذكرت نشأتي في قلعة ألاموت العظيمة.. كيف كنت صغيرًا يتيمًا ضائعًا هزيلًا
فجاء من وسط ظلمة الليل والتقطني وأسكنني في قلعته.. بل أسكننا في
قلعته.. أنا والكثير جدًّا من الأطفال المشردين.. لقد قدَّم لنا إمامنا المأوى.. بل
قدَّم لنا ماهو أكثر من ذلك

لقد علَّمنا كل شيء منذ كنا أطفالًا صغارًا.. علَّمنا الفروسية والمبارزة وركوب
الخيل والقتال بالأيدي العارية والخناجر والرماح.. علَّمنا الرماية بالسهم والخنجر
والرمح.. علَّمنا الرجولة والتحمُّل والصبر وسرعة البديهة في القتال.. علَّمنا
الإخالص.. علَّمنا دين الشيعة.. شيعة "علي".. شيعة آل البيت.. علَّمنا أن نكون بلا
مشاعر فيما يتعلق بأعداء الدين الكفرة الفجرة عابدي أقدام النساء وفروجهن..
خلفاء بني العباس ومن يوالونهم.
لقد كان الإمام يُطعمنا ويسقينا أطيب مطعم ومشرب.. وأجمل ما كان يسقينا
إياه شراب عطر الرائحة.. شراب يجعلنا نرتفع بعقولنا فوق عقول البشر.. شراب
ينمّي ذكاءنا وإدراكنا وذاكرتنا.. تذكرت الشراب فمددت يدي في رحلي وأخرجته
فشربت منه حتى ارتوى دماغي.. كنت أشعر بالفخر.. لقد أصبحت مقاتلًا فذًّا قويًّا
مخلصًا؛ لقد جعلني الإمام أقوى شيء في الدنيا.. فأردت أن أكون أقوى شيء
في الآخرة.. وقد أوصلني الإمام إلى ذلك فدخلت الجنة.. وكان لدخولي فيها
قصة عظيمة تذكرتها الآن.. دعني أحكيها لك تزجية للوقت.
قبل حوالي ثلاث سنوات من الآن.. في قرية قُرب نهاوند.. كنت أتابع ركب
السلطان بعناية شديدة منذ أن انطلق من أصبهان.. كان في الركب وزيرٌ من
وزراء الدولة العباسية اسمه "نظام الملك".. سلجوقي من السلاجقة الذين سمح
لهم خلفاء بني العباس بتقلُّد مناصب حاكمة في البلاد.. كان "نظام الملك" هذا
هو هدفي.. لقد أعاق هذا الرجل تقدُّم دولتنا النزارية وعطَّل أهدافها السامية
في تحطيم الخلافة العباسية.. وفجأة توقف الموكب.. ورأيت هدفي ينزل من
على جواده.. ثم نزل الركب كلهم من على جيادهم.
تحلَّق الركب حول "نظام الملك" وكان يحدثهم في أمرٍ ما ويسمعونه باهتمام
شديد.. يبدو أن فرصتي التي طال انتظارها قد حانت أخيرًا.. لو لم أفعلها اآلن
سأنتظر وقتًا كبيرًا قبل أن أتمكن منه.. أخفيت فرسي وخلعت عباءتي التي كانت
تغطّي ملابسي ورأسي.. كانت ملابسي التي أرتديها تحت العباءة ملابس شحاذ..

ومسحت بالتراب على شعري وجعلته شعثًا.. ثم إنني تحسست خنجري المخفي
تحت ردائي واقتربت من الركب بخطوات شحاذ.
- لقد قُتِل هاهنا ياسادة، في هذه القرية نفر كثير من صحابة رسول
الله.. فطوبى لمن كان مسكنه هنا.. وطوبى لمن لحق بهم حيثما هم
في عليين.
هذا الوزير الثعبان.. ماذا يعرف عن عليين حتى يتحدث عنها.. وهؤلاء الحمقى
يستمعون له كما لو كان نبيًّا.. توجهت مباشرة إلى هذا الوزير الثعبان
واصطنعت الذلة والمسكنة وقلت له :
- ياسيدي.. يظهر على محياك الطيبة والخير.. أعطني مما تجود به
نفسك الطيبة.. أرجوك ياسيدي.
- لا تعطه شيئًا ياسيدي.. يبدو محتالًا بصحة جيدة.
- بل سأعطيه.. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطوا السائل
وإن جاء على فرَس".. ورُوى عن عيسى بن مريم عليه السلام قوله "إن
للسائل لحقٍ وإن أتاك على فرس مطوَّق بالفضة"
وظلَّ يتحدث وينظر إليهم حتى أسكتته طعنة نجلاء من خنجري.. سكت على
إثرها ونظر لي نظرة مذهولة.. ثم إن بعض الركب انشغل باحتضار الوزير
وبعضهم أخرجوا سيوفهم لقطع رأسي.. لكن أوقفتهم كلمة من الوزير
قالها قبل أن يموت :
- لا تقتلوا قاتلي فإني قد سامحته.
لم أنتظر لحظة واحدة.. تحولت ذلتي ومسكنتي في برهة إلى التفافة وانطلاقة
سريعة بارعة، كنت واثقًا أنهم ليسوا بمُدرِكيها ولو حرصوا.. تذكرت هذه
الواقعة وتذكرت عودتي إلى قلعة ألاموت بعدها واحتفاء الإمام المعصوم
"الحسن الصباح" بي وبما حققته ببراعة.. ثم إنني نمت تلك الليلة فلم أستيقظ إلا

وملكان يأخذان بيدي ويُدخلاني إلى جنة الخُلدِ.. الآن فهمت مقصد الإمام الأعظم
لما كان يقول " فإن قتلتموه دخلتم الجنة.. وإن قُتلتم دخلتم الجنة أيضًا".
ظللت أجتر ذكرياتي حتى وصلت إلى هدفي.. القدس.. قصر الملك "أموري"
الصليبي ملك القدس أيامها.. دخلت على الملك الصليبي وسلمته رسالة الإمام
الأعظم.. كان فيها "إلى الملك العظيم أموري.. إذا أتتك رسالتي هذه فاعلم بأني
من الموالين لك.. وإني أعرض عليك أن نوحِّد القوى في مواجهة عدو مشترك
يقض مضجعنا أنا وأنت.. الدولة العباسية الغاشمة المغرورة.. وإن أتباعي
المخلصين على أتمّ استعداد أن يكونوا رهن إشارة قيادتكم الباسلة لفرسان
الهيكل.. على أن يتم إلغاء الضريبة السنوية التي فرضها فرسان الهيكل علينا
والتي مقدارها اثنا عشر ألفَ قطعة ذهبية فرضوها بعد أن قتل رجالي "كومتي
دي تريبولي".. على أن يكون هذا بداية للتعاون فيما بيننا للقضاء على العدو
المشترك.. والله ولي التوفيق".
وافق الملك "أموري" على التعاون.. يبدو أن الإمام لديه خطة رائعة من خططه
التي لن تفشل أبدًا.. ألن الله أوحى بها إليه.. لم يكن هذا يعنيني كثيرًا.. كنت
منشغلًا بفرحة قلبي بأن مهمتي قد تكللت بالنجاح.. ولما أعود إلى الإمام سأرى
جنة من جنات عليين التي طالما حلمت بالأرتقاء إليها.. ركبت على فرسي عائدًا
إلى قلعة ألاموت.. وذهني يفكر في النعيم.. والأنغام.. وأنهار اللبن التي تستلقي
على ضفافها الحور العين.. وفي الفـاكـ..
- أتاني نبأ بأنكم لا تُقهرون يا فرسان نزار.
التفت بحركة سريعة متحسسًا خنجري.. رأيت فارسًا يرتدي عباءة مميزة
تتوسطها علامة الصليب.. عباءة تغطي جسده ورأسه.. يمتطي حصانًا قويًّا عليه
عباءة الصليب نفسها.. أعرف هذا الزِّي جيدًا.. كان فارسًا من فرسان الصليب..
فرسان الهيكل.. تحفزت حواسي القتالية كلها ونظرت له بحذر.. قال لي بصوتٍ
غاضبٍ:

ملكة جروح 12-19-2020 01:17 PM

- إذن فأنتم تظنون أننا نحتاج إلى عون بضعة فرسان من ورق أمثالكم..
هل نسي زعيمكم الغبي نفسه؟
قلت له بلهجة قوية :
- اذهب من هنا أيها الصليبي القذر.. وكلمة أخرى عن إمامنا سأجعلك
تتجرع دماءك.
رمى الفارس عباءته بعيدًا وهجم عليَّ هجمة سريعة رفع فيها سيفه وصهل
فيها حصانه.. قفزت متخليًا عن حصاني إلى الوراء مبتعدًا عن سيفه اللامع ودرت
حول نفسي دورة رميت فيها عباءتي واستللت فيها خنجري الذي رميته بحركة
خاطفة لم يتوقعها ليستقر الخنجر في عنق حصانه الذي ارتفعت قوائمه في
ألم.
نزل الفارس عن حصانه في بساطة بارعة ووقف أمامي باستعداد.. هنا رأيت
وجهه لأول مرة.. كان أعورًا ذا ملامح قاسية كأنها الصخر.. قال بصوت مخيف :
- أخبر إخوانك في الجحيم الذي سأرسلك إليه أن الفارس "جاوتير
مايزنيل" هو الذي أرسلك أيها الحثالة.
وركض ناحيتي بجسده المفتول ورفع سيفه الغاضب للمرة الثانية.. أزحت جسدي
جانبًا بتوقيت مذهل لأبتعد عن ضربة سيفه وتدحرجت على الأرض بخفة أجيدها..
واستللت سيفي من حزامي.. ونظرت له بتحفُّز.. كان ينظر لي بسخرية لم
أفهمها في اللحظة الأولى.. لكني فهمتها لما رأيته ينظر ورائي.. نظرت ورائي
بسرعة.. كانت هناك عشرة عيونًا ساخرة تنظر لي وقد استل أصحابها سيوفهم
من جيوبهم.. لم تكن عيونًا ألشخاصٍ عاديين.. كانت عيونًا لفرسان آخرين.. من
فرسان الهيكل.
نظرت له مرة أخرى في غضبٍ.. لكنه لم يُمهلني.. كانت التفاتتي إلى الوراء
كافية لأن يقطع المسافة التي بيني وبينه.. واللحظة التي أعدت فيها نظري إليه

كانت كافية لأن يمسك بسيفه ويغرزه في صدري.. سقطت على ركبتي.. فرفع
حذاءه باحتقار ودفع السيف المغروز في صدري لينغرز أكثر ويخرج من ظهري.
إن اللحظة التي تدرك فيها أنك ستموت الآن هي لحظة مخيفة جدًا.. تتوقف فيها
عن رؤية أي شيء يدور حولك.. لأنها تكون مشغولة برؤية شيء آخر.. في
البداية تًعرض عليك حياتك كلها بكل ما فيها ومن فيها في عرض مدته بضع
ثوانٍ.. وبعد أن ينتهي العرض ويُسدَل الستار تبدأ في النظر حولك.. ثم تتحسس
موضع طعنتك.. ثم تشعر شعورًا عجيبًا.. تستجمع نفسك وتقرر أنك لن تموت..
لن تؤثر فيك كل هذه الدماء والآلام.. طالما أنك تتنفس فلن تموت.. لازلتُ راكعًا
على ركبتي.. كان الفرسان يتحدثون بصوت عالٍ ويضحكون.. رفعت رأسي
إليهم.. سأهزم الموت.. كل من ماتوا استسلموا له لكنني لن أفعل.
"فإن قتلتموه دخلتم الجنة.. وإن قُتلتم دخلتم الجنة أيضًا"
الجنة.. جنة الخلد.. القيان والغانيات والأنهار.. سأدخلها كما وعدني الإمام إذا
قتلوني.. وهنا شعرت بضيق شديد في نفسي.. وبقبضة في قلبي.. ثم سعلت
دمًا.. شهقت بكل ما أوتيت من عزم حتى أتنفس تنفُّسًا طبيعيًّا لكنني لم أقدر..
حاولت بكل عزم أن أطرد كل هذا الوهن عن جسدي لكني لم أقدر.. عرفت أنها
نهايتي.. سأموت.. سأنام على جنبي على هذه الأرض وأموت.
وفعلا رقدت على جنبي ونظرت إلى المشهد المقلوب أمامي.. أقدام جياد..
تراب.. حشرة ما تمشي على الأرض.. ستحتفظ كل هذه الأشياء بحياتها بينما
سأموت أنا.. سمعت صوت حوافر جياد فرسان الهيكل وهي تمشي مبتعدة
ببطءٍ.. نظرت ناحيتهم.. بدأ أهالي المنطقة يقتربون منِّي.. أخيرًا.. أتمنى أن
يُنقذني أحدهم.. اندفع بعضهم إليَّ وحاول أحدهم أن ينتزع السيف عن جسدي
ببطءٍ ونجح في ذلك.. ثم أراحونني على أياديهم.. رأيت الكل قد تحلقوا حولي..
نظرت لهم بعين زائغة.. نظرت إلى وجوههم العربية المشفقة على حالي..

كيف هو شعورك وأنت ترى مئة شخص ينظرون إليك بشفقة وأنت تموت.. لكن
من هذا الرجل هناك؟
من بين رؤوس الناس كنت أراه.. أسودا كان.. يمشي الهوينى ناظرًا إليَّ نظرة
جامدة.. تابعته ببصري حتى خرج عن مجال حركة عيني ورقبتي وصار ورائي..
كان الناس يمسكون برأسي من حينٍ لآخر يربتون عليها ويطمئنونني.. ثم وضعوا
رأسي على الأرض بهدوء حتى واجهت عيني السماء.. أرى رؤوسهم من من
زاوية سفلية.. ثم برزت رأسه فجأة وسطهم.. ذلك الأسود.
كنت مخدوعًا يعرف يقينًا أنه مخدوع.. لكنه يكابر.. كنت أعرف أن شيئًا ما خطأ..
الإمام الأعظم.. جنة الخلد.. قتل علماء المسلمين.. مهادنة الصليبيين.. عدم
الصلاة ولا الصوم ولا الحج لأننا وصلنا لمرحلة من القرب من الله أسقطت عنا كل
التكاليف.. يقنعنا أننا متنا ويدخلنا جنة الخلد ثم يعيدنا من الموت متى يحلو له
ويظن أننا نصدقه.. لا أنكر أنه اختلطت عليَّ الأمور أثناء وجودي في جنة الخلد
تلك.. لكن عقلي لم يكن في مكانه.. كنت أشعر دائمًا أنني سكران أو طائر فوق
الناس.. لقد أعطانا الإمام كل المتع والنساء وأسقط عنا كل الواجبات.. ياله من
دينٍ رائعٍ ذلك الذي يدعو إليه.. وافق دينه هوانا وإن لم تتقبله عقولنا لكن كنا
نرمي عقولنا وراء ظهورنا.
لن تكون لي جنة اليوم بل ستكون لي نارٌ يلفح لهيبها روحي.. يا إلهي إنما هي
ساعة.. لو تؤخرني إياها أعود فيها إلى رشدي.. بل وسأقتل فيها ذلك الإمام
بيدي.. ثم أظلمت الدنيا كلها ووجدتني كأن كياني كله يتحرك بسرعة غير
طبيعية.. ثم فطنت إلى أن هذا ليس ظلامًا لكنه شيء وكأنه نفق من الظلام
تتحرك روحي فيه.. ثم وجدتني فجأة أخرج من النفق إلى نور الأرض ثانية.. ونفس
المشهد تراه عيني من زاوية سفلية.. رؤوس تنظر إلي في قلة حيلة.
أي عجب هذا.. اعتدلت على جنبي هاربًا من الزاوية السفلية الغير مريحة للرؤية
والتي تظهر الناس كلهم وكأنهم عمالقة.. هكذا أفضل.. الناس لازالوا

يتحدثون بأسى وينظرون إليَّ أو إلى الأرض.. لكن أحدهم يقترب مني.. عجوز..
كان على وجهه شبح ابتسامة ساخرة.. ظلَّ يقترب حتى صار عند رأسي.. تحول
شبح الأبتسامة إلى ابتسامة ساخرة كاملة ظهرت فيها أسنانه القليلة..
وشعيرات ذقنه المعدودة الطويلة وانشقت عيناه كعيني ثعبان.. اتسعت عيناي
عن آخرهما.. ونظرت بعيدًا.. خفت النور في المكان كله وكأن سحابة سوداء
حجبت نور الشمس.. إنه الموت.. إنه الموت يا إلهي إنه الموت.
أخذت أتلوى على الأرض محاولًا إخفاء وجهي والناس من حولي يتبرعون بتعديل
وضعي ثانية ظنًا منهم أنهم يساعدونني بشكل ما..
(قل لا إله إلا الله)..
ظلَّ شيء ضخم مرَّ على عيني فنظرت في كل مكان بذعر ولم أجده..
(أيها الفارس قل لا إله إلا الله). .
وجه العجوز الثعبان يبدو لي بين وجوه الناس وكأنه الوحيد المسلَّط عليه الضوء..
ويُخرج لي لسانه المشقوق.. من هذا ياربي هل هو ملك الموت؟ يارب أرجوك
أعدني.. لا تفعل بي هذا. .
حاولت أن أُخرِج صرخة بكل قوتي لكنها خرجت سعالًا. . فلينقذني أحدكم.. أو
ليقتلني أحدكم.. لا أريد أن أرى ما أنا مقبل على أن أراه.. فليفقأ أحدكم عيني..
فلتقرأوا عليَّ قرآنا ربما يشفع لي.. افعلوا أي شيء. .
بدأت عضلات معينة في جسدي تتشنج لتجبرني على اتخاذ وضع معين.. انضمت
ساقاي على بعضها وتقوس ظهري قليلًا وتشنجت رقبتي إلى اليسار.. شعرت
باختناق داخلي لا علاقة له برقبتي.. اختناق في الصدر.. بدأت أسمع دقات قلبي
بوضوح.. ثم رأيته.. بل رأيتهم.

كانوا ثلاثة.. أحدهم هو ذلك الأسود الذي رأيته يمر بين الناس.. والأثنان الباقيان
أحدهما أسود كأخوه والآخر يختلف عنهما في كل شيء.. كنت أرى ملائكة..
ملائكة حقيقيين.. ليسوا كالملائكة البشريين الذين رأيتهم في جنة "الحسن
الصباح".. يالهذا الأسم القميء.. كم أكرهه.
إن ما حدث بعد ذلك لهو مما لا يُحكَى ولا يُقَال.. اقتٌلعت روحي منِّي كأنما تقتلع
سفودا مسننا من صوف مبلول.. يشدها ثلاثتهم بأيادٍ غليظة شديدة.. ووَجدتُ
من روحي رائحة منتنة كأنها القبر.. يا إلهي هل أنا بهذا السوء.. إن الألم الذي
شعرت به لم يكن يراه أحد.. فقط وجدوا من وريدي انقطاعًا عن النبض ومن
عيني انقطاعًا عن الحياة.. لم يرَ أحدهم شيئًا.. ورأيتُ روحي وهي تخرج من
جسدي المحاط بالناس.. تخرج وترفعها الملائكة ويضعونها في خرقة سيئة..
ثم رأيتني أرتفع بسرعة حتى اختفى كل أثر لكل موجود من موجودات الأرض..
وحلت محلَّها موجودات أخرى لم ترها عين بشر من قبل.. موجودات لا ينبغي أن
يعرفها بشر.. إلا إذا ماتوا.
تـمَّت
****

ابو خالد 12-19-2020 06:25 PM

إبداع في الطرح وروعة في الإنتقاء
ربي يعطيك العافيه
لا حرمنا الله منك ولا من عطائك
منتظرين القادم بكل شوق
أكاليل الزهر أنثرها في صفحتك

ملكة جروح 12-20-2020 12:15 PM

هلا وغلا ابو خالد لاعدمنا هالطلة
كل التقدير والاحترام لشخصك الكريم


https://mrkzgulfup.com/uploads/160845568961321.jpgمركز الخليج

ملكة جروح 12-20-2020 12:29 PM

لقد بدأت الساعات الباقية لي في هذا العالم تقل.. وبدأت دقات الساعة تقول لي
كلامًا مخيفًا.. لكن البأس.. لازال أمامنا وقت كافٍ.. لقد كانت تلك المواجهة من
المواجهات النادرة التي ذكرتها كتب التاريخ بين أخطر نوعين من أنواع الفرسان..
فرسان الهيكل.. وفرقة الحشاشين أخطر فرق الشيعة على اإلطالق.. الفرقة
التي اتخذت من قلعة "ألاموت" مقرًا رئيسيًّا لها.. باإلضافة لسبعين قلعة أخرى
في فارس والعراق والشام.
فقط لو كنت تعيش أيامها ونظرت إلى قلعة "ألاموت" من أي زاوية تشاء..
فسترى منظرًا أسطوريًا.. كانت القلعة تبدو وكأنها مأوى الجن.. فهي قلعة
على ارتفاع ستة آلاف قدم تحيط بها الغيوم التي تتداخل مع أبراجها.. بلغ من
ارتفاعها أنه يستحيل أن تصل إليها قذيفة منجنيق.. ويستحيل أن يزحف إليها
جيش من الجنود إلا أن يصعدوا إليها في ممرات جبلية ضيقة جدًّا تَضطرهم
للصعود رجلًا وراء رجل.. قلعة كبيرة لا يذهب ظنك أنها مكونة من مبنى واحد..
بل هي مكونة من عشرات المباني.. قلعة كان "الحسن الصباح" مؤسس
الحشاشين يتخذها سكنًا له.. قلعة صمِّمَت بداخلها جنة غناء يُدخل فيها أتباعه.
لم يغادر "الحسن الصباح" هذه القلعة في حياته أبدًا منذ أن استولى عليها أول
مرة.. ولم يُر خارجًا منها حتى إلى الجبال التي حولها.. كان يقضي معظم وقته
في التخطيط بالداخل.. وفي الدراسة والتجارب على النباتات التي كان خبيرًا بها
وبأنواعها السام منها والمخدر.. وقد ابتكر خلطة مخدرة خاصة جدًّا كان
يمزجها بالخمر بكميات مدروسة ويعطيها ألتباعه يشربونها فتغيب منها
عقولهم فيسيرهم كيف يشاء.
وبلغ من قوته أنه كانت هناك نقود خاصة مطبوع عليها اسم قلعة "أالموت"..
أي أنه كون مجتمعًا مستقلًا.. كانت معتقداته شديدة الإحراف.. وأولها عقيدة
القتل باسم الدين.. وهي عقيدة خاطئة بالطبع.. فالقتل دفاعًا عن الدين هو أشرف
شيء وأغلى شيء ولكن الاغتيال باسم الدين هو جريمة.

استخدم الحشاشون طريقة الاغتيالات بدلًا من طريقة الحروب.. وقد حاولوا
اغتيال "صالح الدين" ثلاث مرات باءت كلها بالفشل.. وقد انتهى عهدهم لما
نزل المغول من الشرق نزول الأكلة المفترسين الذين أبادوا كل شيء في
طريقهم.. أبادوا فرقة الحشاشين عن بكرة أبيهم.. ومن تبقى منهم بعد ذلك
اقتلعه "الظاهر بيبرس" اقتلاعًا.
ولعلك قد سمعت بلعبة الفيديو الشهيرة Creed Assassins ..أو عقيدة
الحشاشين.. وهي مقتبسة من فرقة الحشاشين الحقيقية بأزيائهم وأسلحتهم
ومهاراتهم وشرورهم.
أعرف أن الحديث عن العقائد المنحرفة يورث السم في البدن.. ولقد انتهت بهذه
الحكاية حكاياتنا عنهم.. وانتهت الأسقام والأوجاع.. ولننظر إلى أوراقنا في
لعبتنا التي أرفض حتى آلان أن أذكر لك اسمها.. لدينا هذه المرة ورقتين فقط..
لكنهما يكفيان جدًّا لفهم مانحن مقبلون على كشفه.
الورقة الاولى هي ورقة الفامباير أو مصاصي الدماء.. وعليها صورة بشعة
لمصاص دماء مخيف..
والورقة الثانية هي ورقة الكونت "دراكولا".. وعليها صورة الكونت دراكولا
وهو يرتدي عباءته الشهيرة ويبتسم في سخرية مخيفة ووراءه تبدو قلعته
المظلمة.
***

اقرأ يا "دراكولا"..
1450 بعد الميلاد

ملكة جروح 12-20-2020 12:37 PM

- اقرأ يا "دراكولا" يا عزيزي هيَّا ورائي..(أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم.. وهو ألد الخصام ).
ردد "دراكولا" وراءه في ملل ونطق أعجمي.. نظرت إلى وجهه.. لا أدري لماذا لا
أرتاح لهذا الفتى..
- انتبه معي هنا.. فيم يسرح عقلك الصغير.. هيَّا ردد (وإذا تولى سعى
في الارض ليفسد فيها)
من السيء أن يكون "دراكولا" أخاك.. من السيء أن ينام "دراكولا" بجانبك.. من
السيء أن..
- (ويهلك الحرث والنسل.. والله لا يحب الفساد )
ظلَّ "دراكولا" يردد الأيات والشيخ يقرأها.. واضح أن "دراكولا" يكره الشيخ..
هذا ليس غريبًا.. فأخي يكره الجميع.. يكرهني ويكره هذا المكان ويكره
القرآن. . بالإضافة إلى أن هذا المشهد جعلك ترفع حاجبيك في دهشة ثم
تخفضهما في سخرية؛ ظانًا أنني أحكي قصة كوميدية.. لا ياصديقي.. ها أنا
ذا.. "رادو" بشحمي ولحمي أجلس في هذا المسجد وهاهو أخي "دراكولا"
بشحمه ولحمه يجلس بجانبي يردد آيات القرآن والشيخ يصرخ فيه وقد بدأ كل
هذا الغباء يضايقه.
دعني أحكي لك الحكاية منذ البداية حتى يزول عنك العجب.. إن أبي كان حاكمًا
على مملكة والاكيا.. وقد أطلق عليه شعب واالكيا اسم "دراكول" وتعني
بالرومانية التنين.. هذا لأن والدي كان عضوًا مؤسِّسا في تنظيم سري مريب من
الفرسان يدعى تنظيم التنين.. وقد وضع أبي رمز التنين هذا على العملة في
والاكيا وعلى الدروع الحربية أيضًا.. فشاع بين الناس تسميته التنين.. "دراكول"
أو دراجول كما ينطقها الأهالي في والاكيا.
- سيد "دراكول" إنها رسالة من السلطان العثماني يا سيدي.

- هاقد بدأت المشاكل.. وكل ذنبنا أن والاكيا بين مطرقة العثمانيين
وسندان الهنغاريين.. يريدون الفتك ببعضهم البعض.. وفي سبيل
هذا فلتذهب والاكيا إلى الجحيم.
قرأ "دراكول" رسالة السلطان باهتمامٍ شديدٍ.. إن الدولة الإسلامية تفرض عليه
الجزية لتحميه من الهنغاريين وتشترط عليه أن يمدهم بالمقاتلين لو احتاج
الجيش المسلم إلى المقاتلين.. وتطلب منه سرعة الرد والبرهان على الولاء.. وقد
كان البرهان الذي اختاره والدي غريبًا جدًا.. لقد أرسلني أنا وأدعى "رادو" وأخي
الأكبر "دراكولا" إلى أدريانوبل أو إدرنة.. معقل السلطان العثماني المسلم.
- تعلم من أخيك "رادو".. لقد حفظ عشر سور حتى الان.. ولم تحفظ أنت
آية واحدة يا "دراكولا".
كان أقوى برهان على الولاء.. فيستحيل أن تهاجم دولة وقد أرسلت فلذات كبدك
إلى سلطانها.. وجدنا أنفسنا أنا و"دراكولا" وعمرنا لم يتجاوز الثانية عشرة غرباء
في بلاد غريبة.. ومبان غريبة.. وألبسة غريبة.. وعمائم طويلة.. ولحى.. وقصور.
كان أخي كارهًا لكل هذا السخف.. ورغم أن السلطان المسلم كان يهتم بنا
جدًّا ويعلمنا الفروسية والقتال والعلوم بكافة أنواعها وخاصة الإسالمية منها
إلا أن "دراكولا" لم يكن سعيدًا.. كان يشعر أنه مجرد أسير.. وأن هؤلاء أعداؤه
يحاولون أن يسقونه بتعاليمهم وثقافتهم التي يكرهها ولا يستسيغها.. لكن
بالنسبة لي كان الوضع مختلفًا.
- ما اسمك أيها الفتى الظريف ذو الشعر الذهبي ؟
- اسمي "رادو" وأنت؟
- أنا "محمد بن مراد" ابن السلطان.
لم أكن أعرف أنني سأعيش طفولتي مع "محمد بن مراد".. الرجل الذي عرفه
الناس بعد ذلك بسنوات بمحمد الفاتح.. الفارس العظيم الذي فتح القسطنطينية..

كنت أنا و"محمد الفاتح" صديقين عزيزين.. وكلما اشتدت صداقتي معه قوة..
اشتدت عداوتنا أنا وهو مع "دراكوال".. إن "دراكولا" و"محمد الفاتح" لم يكونا
يطيقان بعضهما منذ الصغر رغم أنه قد فُرِضَ عليهما أن يعيشا طفولتهما
معًا.. وأن يتدرّبا معًا ويتعلّما معًا.. لم يكن هذا غريبًا أبدًا.. فأحدهما كان فارسًا
حقيقيًّا وكان آلاخر شيطانًا حقيقيًّا.
- هيَّا ارمِ سهمك يا "رادو".. ارمِ سهمك .
رميت سهمي فأصاب منتصف اللوحة الدائرية.. يالبراعتي منذ صغري.. ضربت
كفي في كف "محمد الفاتح" ووقفت بجانبه سعيدًا أنني اقتربت من مهارته
الفطرية.
- دورك يا "دراكولا".. هيَّا ارمِ سهمك.
صوَّب "دراكولا" سهمه ناحية اللوحة الدائرية.. ثم حوَّل قوسه فجأة ناحيتي أنا
و"محمد الفاتح".. ونظر لنا بغِل .. واتسعت عيناي في رعب.
- ماذا تفعل يا "دراكولا".. هل جننت؟
شد "دراكولا" سهمه وقوسه مصوَّب إلينا ثم أطلقه فجأة.. لم يطلقه ناحيتي..
بل حوَّله في الثانية الأخيرة إلى اللوحة.. وأصاب سهمه منتصف الهدف بالضبط..
شعرت أنه كان يتمنى لو أن هذه اللوحة هي قلب "محمد الفاتح".. أو ربما قلبي
أنا.
ست سنوات مضت ونحن على هذه الحال.. كبرنا وأصبحنا شبابًا يافعين.. وها
نحن نتسابق ثلاثتنا على جيادنا العربية الأصيلة بكل قوة.. هل ترى كيف أصبحت
أشكالنا الان؟ لقد كان شكلي مميزًا جدًا.. كنت أمتلك شعرًا ذهبيًّا فاتحًا جدًّا..
حريريًّا طويلًا ينحدر إلى أسفل كتفيَّ لا تمتلكه أجمل فتيات إدرنه.. ووجها
وسيمًا وصوتًا رجوليًا مميَزًا.. بينما كان "دراكولا" أسود الشعر أجعده.. ينحدر
شعره إلى أسفل منكبيه أيضًا.. لكن كان له شارب كبير يقف عليه الصقر كما


يقولون وعينان حادتان كأنهما عينا الصقر الذي كان سيقف على شاربه.. "محمد
الفاتح" كان ذا لحية صغيرة مدببة وشعر بني وأنف طويل وعينين تشعان ذكاء
وفروسية.
ثم أتى الخبر الذي حرك كل هذه المشاهد البطيئة.. لقد توفى أبي "دراكول"
فجأة في و لاكيا.. مؤامرة دبرها له البويار.. وهي كلمة تطلق على طبقة النبلاء
في بلادنا والاكيا.. نزل علينا هذا الخبر ونحن في أشد فترات الدولة العثمانية
انشغالًا.. كنا على استعداد وتخطيط لفتح أكثر المدن حصانة في ذلك الوقت..
القسطنطينية.. وأنا أتحدث بكلمة (نحن) لأنني أصبحت مسلمًا.. بل فارسًا مسلمًا..
لكن "دراكولا" بقى على دينه.. أرسل السلطان محمد الفاتح "دراكولا" إلى
والاكيا ليصير حاكمًا لها خلفًا ألبيه.. ويكون كما كان أبوه تابعًا للسلطان
العثماني ومؤتمرًا بأمره.. أما أنا فقد آثرت البقاء هنا.. آثرت أن يكون لي شرف
المشاركة في الفتح الكبير لقسطنطينية.
كانت وليمة عظيمة في والاكيا.. وليمة كان المضيف فيها هو الكونت
"دراكولل".. والضيوف فيها هم أكابر البويار.. الذين أكلوا حتى ثملوا وخرج
الطعام من أنوفهم – تعبير شعبي في والاكيا – سألهم دراكولا بهدوء :
- قولوا لي أيها النبلاء العظام.. كم حاكما حكم والاكيا عبر تاريخها؟
قال بعضهم عشرة حكام.. وقال بعضهم اثنا عشر حاكمًا.. بل ثلاثة عشر
حاكمًا ربما.. قال دراكولا بثورة شيطانية فجأة :

-هذا لأنكم خونة.. تأكلون لحم الحاكم قبل أن يتم سنتين من حكمه..
كم سنة قررتم أن تمنحوني أيها البويار ؟
في اللقطة التالية كان حُرَّاس القصر يهجمون على البويار من كل صوب..
يضربون بعضهم ويقتلون آخرين بقسوة.. ولم يكن "دراكولا" يشاهد من بعيد

إنما أخرج سيفه وضرب أعناقًا صار نصله بعد ضربها يقطر حمرة.. بقي الكثير
منهم أحياء.. نظر لهم "دراكولا" بعيون متسعة غاضبة وقال :
- خذوهم إلى القلعة.. ليعملوا كتفًا إلى كتف مع الفلاحين في
تشييدها.
ثم قال بلهجة ذات مغزى:
- وليعملوا فيها من الجهة الشمالية.
الجهة الشمالية للقلعة هي الهاوية.. هاوية على ارتفاع ألف قدم.. كل من
أرسله "دراكولا" هناك من البويار ماتوا.. بعضهم مات من الجوع.. أو من
الإنهاك.. وبالطبع رماهم كلهم في الهاوية.. ثم إنه شنَّ حملة قاسية جدًّا الحق
فيها كل البويار الساكنين في مملكة والاكيا.. نساؤهم وأطفالهم
وشيوخهم.. كانت إبادة عرقية.. تعدت العروق إلى أصغر شعيرة بويار دموية
تنبض في جسد أحدهم.. وبدأت أنياب "دراكولا" في الظهور.
على الجانب الآخر كنت أنا أقاتل في القسطنطينية.. كان "محمد الفاتح" حقًّا كما
تصفه كتب التاريخ.. داهية حقيقية.. إن دهاء الفرسان يختلف عن أي دهاء آخر..
دهاء لا خبث فيه.. دهاء صاف.. كانت ملحمة تاريخية ليس بوسعي ذِكر
تفاصيلها الان.. لكننا حققنا هدفنا في النهاية.. وصارت القسطنطينية لنا.. بل
صارت عاصمة المملكة الإسلامية العظيمة.
"لتفتحن القسطنطينية.. فلنعم الأمير أميرها.. ولنعم الجيش ذلك الجيش"
قال لي الأمير الفاتح في الميدان ناظرا إلى رأسي :
- "رادو" هل تضعون الحناء على شعور الرجال في والاكيا ؟
أمسكت بشعري الذهبي في استغراب ثم ابتسمت بفهم قائلًا :


- بل كنت أضع الحناء لسيفي ياسيدي.. لكن يبدو أن بعضا منها تناثر
على رأسي.
كان رأسي مضرجا بدماء ألاعداء.. لكن رأسي لم يكن مهما.. كان المهم هو
الخبر الذي جاءنا به مرسول الدولة.. لقد أعلنت والاكيا التمرد على السلطان.. لقد
تمرد "دراكولا".. فعلها وتمرد.. لم يُرد السلطان "محمد الفاتح" أن يعكر صفو
انتصاره بهذا الخبر.. لذا فقد سكت.. وأنا أعرف الفاتح عندما يسكت عن مثل
هذا.. يبدو أن الأيام تدخر لنا معارك جديدة.. معارك مع أولي القربى.
لكن "دراكولا" كان يفعل شيئًا آخر في والاكيا.. لقد تعدى مرحلة إظهار الأنياب
وبدأ في مرحلة إخراج القرون والمخالب.. دعني آخذك إلى والاكيا لتشاهد
بنفسك..
هناك خمسة رجال يلتفون على ما يبدو أنه رجل يصرخ.. وهم يتحركون في
عنف وكأنهم يفعلون فيه أمرًا ما.. هاقد ابتعدوا عنه قليلًا وأمكنك أن ترى ما
يفعلوه.. لقد ربطوا حبلًا في يده اليمنى وحبلًا في اليسرى.. وثالثًا في قدمه
اليمنى ورابعًا في اليسرى.. وقام أضخم اثنين منهم بتثبيته وتراجع ثلاثة منهم..
هل ترى؟ إنهم يربطون أطراف الحبال في جياد.. والرجل يصرخ مستنجدًا بلغة لا
تفهمها.. ثم إنهم وجهوا رؤوس الجياد إلى الاتجاهات الأربعة التي تشير إليها
أطراف يديه ورجليه المتباعدة.. ثم إنهم وخزوا الجياد فتحركت ببطء ليرتفع
الرجل عن الارض صارخًا.. وظلت الجياد تتحرك تارة وتقف تارة والرجل يتمزق
باكيًا.. ثم إنهم ضربوا الجياد بالسياط فثارت وتحركت بعنفٍ سريعٍ.. لتتمزق
أطراف الرجل الأربعة وتجري كل منها مع جوادها.
وهاهو رجل آخر يمسكه رجالن مفتولا العضلات ويرغمانه على الركوع وهو
يصرخ.. ويأتي رجلٌ آخر ماسكًا وتدًا خشبيًّا طويلًا مسننا ويطعنه به في دبره
طعنه لا تقتل.. يحاول الرجل أن يفلت بلا جدوى.. ثم يقيدون يديه ورِجليه بطريقة
معينة إلى الوتد.. ثم يتعاون الثلاثة رجال على رفع الوتد وتثبيته في فتحة


بالأرض.. هاهو الرجل أعلى الوتد وكأنه جالس عليه.. ويُترك على هذه الحال
حتى يموت.. ليست المشكلة في الموت من الجوع والعطش.. بل المشكلة في
أن هذا الوتد ينغرز ببطءٍ شديدٍ في أحشاء الرجل ولا يقتله.. فقط يعذبه من
الألم.. ثم يموت الرجل لما يخترقه الوتد ويخرج من جسده أو لما يموت من الألم..
أو من انفجار الأحشاء.. هذا الوتد الذي رأيته الآن هو ما اصطُلح على تسميته
بالخازوق.. العقاب الذي اشتهر به "دراكولا" في كتب التاريخ.
ويبدو أن "دراكولا" قد أعجبته حكاية الخازوق هذه فأخذ يتفنن فيها تفننًا عجيبًا؛
فمرة يغرز الوتد في فم أحدهم ويعلقه على الوتد مقلوبًا.. وتارة يعلق النساء
عليه من فروجهن.. وتارة يغرزه في البطون.. وتارة يغرزه في رقبة طفل
رضيع.. لقد كان أخي مختلًّا أو ربما شيطانًا حقيقيًّا.. وبلغ من إعجابه بهذه
الطريقة إلى أن جعلها هي العقاب الرسمي ألي خطأ يُخطئه أي فرد من أفراد
الشعب.. فمن يسرق يخوزقه.. ومن يكذب يخوزقه.. ومن يضرب أحدًا يخوزق
الضارب والمضروب.. بل إنه وصل إلى مرحلة أبعد من هذا.. دعني آخذك إلى هذا
المشهد.
قلعة "دراكولا".. المكان المجهز بكافة وسائل التعذيب التي سأحكي لك

ملكة جروح 12-20-2020 12:41 PM

نبذات عنها فيما بعد لو أسعفتني ذاكرتي.. عرش "دراكولا".. يجلس عليه شيطان آدمي
أمامه طعام وشراب أحمر يبدو وكأنه خمر.. بجانبه كان يجلس أحد النبلاء
البولنديين يأكل معه.. أمامهما الكثير من الضحايا المعلقين على الخوازيق
يتألمون.. "دراكولا" يبدو مستمتعًا جدًّا بصراخهم وكأنه يسمع ألحانًا عذبة.. أما
البولندي فوضع يده على أنفه مشمئزًا من الرائحة الكريهة لبعض الجثث التي
ماتت وتعفنت وأبقاها "دراكولا" على حالها ورائحتها.. التفت إليه "دراكولا"
وقال :
- مابك؟
- ياسيدي لا أستطيع تحمُّل رائحة العفن هذه ؟

- لابأس لابأس سأعالج الأمر.
أشار إلى جالوزته (رجاله) فهجموا على الرجل هجمة رجل واحد.. ثم أمرهم أن
يرفعوه على خازوق أطول من كل الخوازيق المعروضة.. صرخ الرجل النبيل
البولندي حتى تحول صراخه إلى بكاء لمّا وخزوه بالوتد في دبره ورفعوه وثبتوه..
نظر إليه "دراكولا" قائلًا:
- أنت آلان في الأعلى أيها الصديق العزيز حيث لن تصل إليك الروائح
الكريهة.
ثم شرب "دراكولا" من الكأس الحمراء التي أمامه والتي يتضح لك لما ترى
انسياب السائل فيها أنه ليس خمرًا.. بل هو دم.. دم طازج.. دماء ضحاياه
ممزوجة بالخمر.. شرابه المفضل.. الذي كان يحب أن يشربه على آهات المعذبين
المسلوخين أمامه كالذبائح والتي تقع على أذنه موقع زقزقة البلابل.. ويحب
الطريقة التي يسيل بها الشراب من شفتيه إلى ذقنه.. كان هذا هو "دراكوال"
كان يضع قدورًا ويطهو الناس فيها أحياء.. بل ويأمر جالوزته أن يقَطعوهم
بالسيوف وهم داخل القدور أحياء يصرخون.. المرأة الكسولة كانت يدها تقطع
وتثبَّت على خازوق مستقل لتكون عبرة لكل النساء.. بل إنه نادى ذات مرة كل
فقراء البلدة وشيوخها وأطفالها إلى وليمة عظيمة في سابقة استغرب لها
الكل.. وبعد الوليمة قتلهم كلهم.. لأنه لا فائدة تُرجى منهم.. إنما هم
يُرهقون الدولة.. ودعني أكتفي بهذا القدر من المصائب.. لأنني لو ذكرت كل
ما علِمته لملأت مجلّدًا مستقلًا.. باختصار.. لم يشهد العالم شخصية مختلة مثل
هذا من قبل ولا من بعد.. والمصيبة أن هذه الشخصية المختلة كانت أخي.
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى كان السلطان محمد الفاتح في طريقه إلى والاكيا..
بجيش يسد الأفق.. وكنت معه جنبًا إلى جنب.. في طريقنا إلى "دراكولا".. ظلَّ
الجيش يزحف حتى وصل إلى نهر الدانوب.. وكنا نرى جنود "دراكولا" على الجهة

الأخرى من النهر.. وكعادة "محمد الفاتح" وكما علمه "محمد" النبي أرسل
مبعوثين اثنين من أفضل الرجال إلى الخصم لتسوية الأمور سلميًا.. فإما الجزية
وإما الحرب.. وهذا ما حدث مع المبعوثين. .
دخل المبعوثان المسلمان على الحاكم "دراكولا" في قلعته.. وكان قد أزال كل
الخوازيق لغرض في نفسه..
- السالم عليكم ياحاكم واالكيا.. جئتك من السلطان بكتاب يقول فيه..
أسـ..
- انزعا غطاء رأسيكما.
توقف المبعوث عن الكلام في دهشة.. قال "دراكولا" بغضبٍ:
- انزع غطاء رأسك أنت وهو.. ماهذه العمائم الطويلة السخيفة؟
- إنها تقليد عثماني أيها الحاكم.. وعظمة تقاليدنا أهم من مزاجك
المتعكر.
- لا بأس.. سأبقيه لكما.. كما تشاءان.
وأشار إلى جالوزته المجانين الذين أحاطوا بالمبعوثين في سرعة وأمسكوا
بعمائمهم في إحكام ثم قاموا بأمر شديد الغرابة والوحشية.. جاءوا بمسامير
صغيرة رفيعة... وقيدوا المبعوثين.. ودقوا المسامير في عمائم المبعوثين
لتخترق رؤوسهم وتسيل دماء رؤوسهم على أعينهم.. قال لهم دراكولا :
- هكذا ستبقى عمائمكم على رؤوسكم إلى الأبد.. اذهبوا إلى
السلطان "محمد الفاتح" وأخبروه كيف أن "دراكولا" لم ينسَ التقاليد
العثمانية.. وخاصة المتعلقة منها بإبقاء العمائم على الرؤوس.
عاد المبعوثون ودماؤهم المندهشة تسيل على وجوههم.. وحكوا ما حدث
معهم للسلطان الذي غضب غضبة لم أره قد غضبَ مثلها في حياته.. أمر
السلطان أن تتحرك سرية قوامها عشرون ألف رجلٍ لتخترق جيوش العدو.. اى ما

يساوي ثلاثة أضعاف جيش "دراكولا".. وكان قائد الجيش فارسًا شجاعًا مسلم
اسمه "حمزة".. أفضل فرسان جيش السلطان في ذلك الوقت.
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد.. لقد انهزم جيش السلطان هزيمة نكراء
لم ينهزم مثلها من قبل.. ولم نرَ إلا "محمد الفاتح" يقف بجواده على قوائمه
الخلفية ثم ينطلق به كالسهم وانطلقنا كلنا خلفه.. بجيش قوامه عشرون ألفًا
آخرون يملؤهم الغضب وشهوة الأنتقام.
وهانحن نخترق نهر الدانوب.. يالها من عزة تلك التي كنا فيها.. يالروعة هذا
الدين.. لقد عادت إلي ذكريات قتالي في القسطنطينية.. أن تركض بجوادك بين
عشرين ألف فارس مسلم ترك الدنيا وراءه ولم يعد يرى إلا الشهادة هو أمر لن
أقدر أن أوصله إلى مخيلتك أبدًا.. أمر عظيم.. وهانحن ندخل من أبواب المدينة..
وهانحن..
شعرت بحركة غير طبيعية في مقدمة الجيش.. وكنت أنا في أوسط الجيش..
رأيت الجمع قد تباطأت سرعته وسمعت أصواتًا تبدو وكأنها نحيب في مقدمة
الجيش.. لم أفهم ما الأمر.. لماذا توقَّف الرجال؟ اخترقت الصفوف بسرعة حتى
اتضحت لي الصورة.. الصورة التي جعلت عينيَّ تتسعان حتى كادتا أن تخرجا من
مكانهما وتذهبان بعيدًا احتجاجًا على هذا الهول الذي ترونه.. وتوقف جيش
السلطان بل توقف السلطان نفسه بكل شجاعته.. انظر أمامك.. ألا ترى ما نراه؟
إنها غابة كثيفة.. بل غابتان كثيفتان.. غابة عن يميننا.. وغابة عن شمالنا.. غابتان
جذوعهما أوتاد خشبية.. أغصانهما أياد وأقدام بشرية حية وميتة.. أوراقهما
أجساد مخوزقة على الأوتاد. . أجساد خرجت منها أرواحها أو لم تخرج.. أجساد
تنظر لنا بأعينها وتقول الله أكبر.. وكان للغابتين صوت.. صوت آهات ونحيب..
وصوت يذكر الله.. إنها السرية التي أرسلها محمد الفاتح.. لقد وضعهم
الشيطان جميعًا على الخوازيق.. عشرة آلاف وتدًا عن يميننا وعشرة آلاف عن
شمالنا.

توتر الجيش.. تعالت صيحات البكاء على الأهل أحيانًا أو على الرفاق.. أو على
إخوة مسلمين أو على الأنسانية.. وقف "محمد الفاتح" مذهولًا.. وجعل يتذكر
طفولته مع "دراكولا".. ذلك الطفل الحقود الذي كان يناوشه ليل نهار.. اآلن لم
يعد طفال.. بل صار شيطانًا رجيمًا.. يناوشه أيضًا.. نظر إلى ناحيتي.. كيف
أنجبتكما بطن واحدة.. كيف رباكما أب واحد.. كيف صار أحدكما فارسًا مسلمًا
وصار الآخر ماردًا من مردة الجحيم.. نظر "محمد الفاتح" إلى جيشه.. لقد انهارت
كل جذوة حماس بداخلهم.. التفت "محمد الفاتح" لأول مرة في عمره بجواده
لجهة العودة وقال :
- ليس اليوم يوم زحفنا.. لكن بحق هذه الأرواح الطاهرة وبحق كل
قطرة دماء.. سنأتي برأس هذا الشيطان على وتد نضعه في منتصف
القسطنطينية يرميه صبيانها بالحجارة.
والتفت جيش المسلمين عائدين من حيث أتوا.. لم تكن الحرب هذه المرة مع
حاكم عادي.. لقد كانت مع "دراكولا".. الشيطان.
كان مستحيلًا في ذلك الوقت أن تفعل ما فعلت بالمسلمين وتنجو بفعلتك.. كان
"محمد الفاتح" يجهز جيشًا قوامه ستون ألف رجل.. مليء بالخيول والمدافع
والغضب.. وجعلني أنا على رأس هذا الجيش قائلًا:
- اذهب يا "رادو" وائتني برأس أخيك.. إن عرش والاكيا لم يُخلق لتعتليه
الشياطين.. إن عرش والاكيا قد خُلِق من أجلك أنت.
- سآتيك به ياسيدي قبل أن تجف دماء شهدائنا في والاكيا.
وانطلقتُ على رأس ستين ألف رجلٍ إلى والاكيا.. وفي هذه المرة سمع "دراكولا"
بخبرنا وبعددنا ففعل شيئًا عجيبًا؛ ترك عاصمة والاكيا واتخذ طريقًا إلى بوينار..
وجيشنا يطارده بغضبٍ.. العجيب أنه كان يحرق مخازن الحبوب والطعام ويسمم
الأبار في كل مدينة يدخلها ليتركنا بدون مؤونة.. فجيوش تلك الأيام كانت تزحف


على معدتها.. أي أنها كانت تعتمد في الإطعام على المدن التي تدخلها.. لكن
هذا لم يفت في رجال كان الذَكر طعامهم وشرابهم.. طاردنا "دراكولا" لمدة
طويلة جدًا.. ودخلنا في عدة معارك مع جيوشه.. فزنا باثنتين وخسرنا في ثلاث..
كان كالشيطان يهاجم في آخر الليل.. لكننا استبسلنا حتى حاصرناه تمامًا في
قلعته في بوينار.. وانطلقت أنا وورائي جميع الرجال لنحطم بحوافر جيادنا أبواب
قلعته.. ونزلت من على ظهر جوادي وأخرجت سيفي من غمده وجعلت أبحث عن
الرأس.. رأس الشيطان.
قال لي "دراكولا" وكان يقف في ساحة خارجية تتوسط قصره:
- خنت بلادك يا "رادو" وألبسوك عمتهم الطويلة الخاوية ؟
- بل عرف قلبي طريقًا تاه عنه سنين طوال.. طريق تقع في نهايته
رأسك.
ورفعت سيفي كما ترفع الفرسان سيوفها.. لأجد "دراكولا" يرمي بسيفه بعيدًا
ويفعل آخر شيء توقعته في تلك اللحظة.. قفز في بئر بمنتصف الساحة..
أسرعت إلى البئر لأنظر بداخله في غضب لأرى "دراكولا" ينظر لي بسخرية ثم
يركض هاربًا في طريق أسفل البئر.. عزمت على اللحاق به لكنني رأيت رجاله قد
أتوا في الأسفل وأوقدوا نارًا عظيمة ارتفع لهيبها إلى أعلى البئر حتى كاد أن
يلفح رأسي.. كان هذا نفقا سريًّا من أنفاقه

ملكة جروح 12-20-2020 12:54 PM

كان هذا نفقا سريًّا من أنفاقه التي عُرف لاحقًا أنه قد بناها في
كافة قلاعه.. لقد هرب "دراكولا".. هرب وترك لنا والاكيا.
هرب "دراكولا" إلى هنغاريا ليطلب الدعم من ملكها.. ولكن ملكها بدلًا أن
يقدم له الدعم قام بأسره وسجنه في هنغاريا.. وظلَّ مسجونا سنينَ طويلة..
وأصبحت أنا أميرًا على والاكيا حكمت فيها بالعدل وجعلت شعب والاكيا ينسى
كل ما فعله به "دراكولا".. حكمت والاكيا تسع سنوات كاملة.. تزوجت فيها
امرأة مسلمة وأنجبت طفلة جميلة مسلمة هي "ماريا".. ثم أتاني أجلي وخرجت

روحي إلى حيث مستقرها.. ومن جاء بعدي لحكم والاكيا كان رجلًا خارجًا من
سجن سنين طوال في هنغاريا.. رجل يدعى الشيطان.. "دراكولا".
شهر واحد فقط حاول فيها الشيطان أن يُعيد أسطورة حكمه في والاكيا..
شهر واحد انتهى برأسه مقطوعة على رماح أحد الحشاشين المتبقين بعد أن أباد
"هولاكو" دولتهم.. ذلك الحشاش الذي أمسك بالرأس وغمسها في العسل ثم
أرسلها إلى القسطنطينية.. إلى "محمد الفاتح" حتى يستلمها طازجة.. رأس
"دراكولا" التي عُلقت في القسطنطينية في البلاط العثماني ليتفل عليها من يتفل
ويرميها بحجارته من يرمي.. رأس حَوَت عينين كانتا متجبرتين متغطرستين..
والان أصبحتا مفقوئتين تنظران إلى الارض في ذُل .
كان "دراكولا" مختلًّا عقليًّا.. فقد بلغنا أنه كان يفعل أشياء عجيبة جدًّا في سجنه
في هنغاريا.. كان يصطاد الحشرات والقوارض ويخوزقها على أعواد صغيرة
من أغصان الشجر.. ويتسلى برؤيتها تموت.. أي شيطان هذا.. بل أي مخبول..
لكنه أخذ منا ما يستحقه.. ولقد خُلقنا فرسانًا لنوقف أمثال هذا عند حده. . ولا
نخشاه وإن خرجت له أجنحة يطير بها.. لا نخشى إلاغضبة من خلقنا.. لهذا خُلقنا
فرسانا.. بل لهذا خُلقنا مسلمين.
تـمَّت
****

ملكة جروح 12-20-2020 06:26 PM

لم يكن هناك شخصية تصلح لأن يقتبسوا منها شخصية "دراكولا" مصاص
الدماء الشهير أكثر من شخصية "دراكولا" الحقيقي.. وهو فعلًا كان يحب شرب
دماء ضحاياه الممزوجة بالخمر.. والواقع أن "دراكولا" الذي نراه في الأفلام
يعتبر طفلًا مدللًا أمام "دراكولا" الشيطان الحقيقي.
السبب الذي ذكرت فيه هذه القصة هي أن "دراكولا" قد خَلَف والده في رئاسة
تنظيم التنين.. وهو واحد من التنظيمات السرية التي أُنشِئَت بعد فرسان الهيكل..
وهي تنظيمات ماسونية ركزت في تلك الفترة التاريخية على تجهيز حملات ضد
الدولة العثمانية.
تنظيمات كانت في ظاهرها تدعو لإلخاء والمحبة والمساواة كعهد كل
التنظيمات الماسونية ولكن لها في الحقيقة أهداف أخرى.. أهداف سوداء.. لكن
والد "دراكولا" الذي يدعى "دراكول" لم يقدر على فعل شيء أمام قوة الجيش
العثماني وكل الحملات التي قام بها فاشلة.. حتى أذعن في النهاية للسلطان
العثماني إذعانًا مطلقًا وأرسل له ولديه كضمانٍ للولاء.
ولكن عندما أصبح ابنه "دراكولا" رئيسًا للتنظيم الماسوني كان يبدو وكأن
الشيطان نفسه قد أصبح رئيس التنظيم.. فنظَّم حملات بشعة أذاقت الجيش
العثماني ويلات كثيرة أعجبت ملوك أوروبا ورجال الدين فيها حتى أنهم غضوا
النظر عن دموية "دراكولا" في تلك الحملات.. فالمهم عندهم أنه كان يقاتل
الأعداء ويذيقهم الويل.
تم تمثيل قصة "محمد الفاتح" و"رادو" و"دراكولا" في مسلسل تركي شديد
الأهمية هو Fatih ..ويحكي القصة كاملة منذ طفولة الثلاثة وحتى فتح
القسطنطينية ووفاة "محمد الفاتح".
بغض النظر عن هذا.. دعني أخبرك المزيد عن الماسونية وعن انضمامي لها.. ولا
أحد سيخبرك بما سأخبرك به لأنني تدرجت فيها حتى الدرجة الحادية والعشرين..

ورغم أنني سأموت بعد قليل كما هو واضح إلا أنني لم أعد أخشى شيئًا.. فسأقدّم
حياتي ثمنًا لما سأخبرك به الآن.. كما قدم العديدون من قبلي حياتهم.. لكنني
سأختلف عمن سبقوني لأنني سأورثك من بعدي كتابًا.. كتاب عليك أن تقرأه
وتحتفظ بتفاصيله بين جنبات عقلك.. ثم تحرقه حتى لا يطالك مثل ما سيطالني.
الداخل جديدًا على الماسونية لا يستشعر منها بأي خطرٍ.. بالعكس هو يقسم
على الكتاب الشائع في البلد الذي هو فيه.. فالمسلم يقسم على القرآن..
المسيحي على الإنجيل.. اليهودي على التوراة.. وعند الوصول للدرجة الثامنة
عشرة تحديدًا.. يكون القسم على التوراة فقط.. والرموز نفسها تكون معانيها
بريئة في البداية ثم تتطور لتكون معاني متوسطة ثم تتحول لتصبح رموزًا
يهودية خالصة.
وهم لا يختارون أي شخصٍ للدخول في الماسونية.. لكنهم يختارون أشخاصًا
بعينهم.. أشخاص لهم تأثير في المجتمع.. تأثير سياسي أو ديني أو اقتصادي..
فلديهم مجموعات تحريات تراقب شخصًا معيّنًا.. مرشّحًا من قِبَل ماسونيين
آخرين.. يخرج له أشخاص لمراقبته ويجمعون عنه كل ما يمكن جمعه من
معلومات.. هم دائمًا يبحثون عن استيطان أذهان النُخب تحديدًا.. أصحاب
المناصب وأصحاب الثروات.. حتى يتمكنوا عن طريقهم من إنفاذ أغراضهم..
ثم حتى بعد انضمامهم يقيمون لهم اختبارات معينه تدريجية تؤهلهم للتدرج
إلى كل درجة تالية.
فالماسونية ليس فيها تقدم.. لا يمكن أن تتقدم لتكون ماسونيًا.. لابد فيها من
ترشيح من أحد من داخل محفل.. والدرجات الثلاث الأولى تعتبر بمثابة كشافات
لمعرفة من يصلح للترقي بعد ذلك.. وهو غالبًا الشخص النافذ أو الذي لديه
منصب.. الشخص الفارغ أو المستعد لأن يُفرغ.. تكون عنده طموحات.. عنده
شهوات مثلًا يحب المال أو النساء أو السلطة.. وهم يوفرون له هذه األشياء..
ثم يتم تصعيده في سلم الماسونية وتغيير الأفكار في كل مرتبة وكل درجة

وتغيير معاني الرموز.. فإذا وصل للدرجة الـ 33 ويسمونها الدرجة السامية ..
يفتح له الأستاذ الأعظم للمحفل سجلًّا ويقول له.. أنت وأبوك وأجدادك
ستتشرفوننا بالانضمام إلى بني إسرائيل.. فالآن نحن نصحح نسبك ونسجل اسمك
في سجل السبط الثالث عشر لبني إسرائيل.. وستحوز شرف مشاركة هذا السبط
الفخري العظيم في إتمام العمل العظيم.. وإعادة البناء العظيم.. الهيكل
العظيم.. هيكل سليمان.
في البداية يقولون إن اإلله الذي يعبدونه هو المهندس الأعظم.. وهي كلمة
مبهمة قد تظنها تشير إلى الله.. وفي الدرجات المتقدمة بعد العشرين يتحول
هذا المهندس ليكون "لوسيفر".. وبالمناسبة لا تظننهم يعبدون الشيطان على
أنه شيء شرير.. وإنما على أنه هو الذي هدى الإنسان إلى المعرفة وعرفه بها..
وهو من علَّم الإنسان الزراعة والتجارة والصناعة وعلَّمه ركوب البحر وهو الذي
هداه في كل مناحي حياته فطبيعي أن عبادته تكون شيئًا عاديًا ليس فيها شيء..
ولما حدَّث آدم وحواء بأكل التفاحة في الجنة كان هذا لأنه يحبهما ويريد لهما
الخير.. وليس الشر كما تزعم الأديان.. وتدريجيًّا ستتعلم أن الله لم يلعن
"لوسيفر" وإنما حاربه.. لأن "لوسيفر" يريد العِلم للبشر والله يريد لهم أن يظلوا
جهلة.
فالله يعدك بوعودٍ زائفة طيلة الوقت.. تدعوه واستجابته لدعائك هو حظ.. أما
"لوسيفر" فلما تعبده وتتمنى شيئًا.. مجرد التمني فهو يكون بين يديك في
الحال.. يدخلك إلى جنته في الدنيا.. وستتعلم أن الآخرة هي مجرد وهم لا وجود
له.. بكل ما فيها من جنة ونار وما إلى ذلك.. هكذا علموني عندما دخلت إليهم..
لكن كانت أجزاء من نفسي تأبى هذا كله.. وخاصة عندما علمت السبب الذي
يريدون إعادة بناء الهيكل من أجله.. ذلك السبب الذي سأؤخر إخبارك به حتى
تحين اللحظة المناسبة.

ولو أنك رأيت "لوسيفر" كما يمثلونه في رسوماتهم مثما رأيته أنا لتعجبت.. أذكر
لوحة ذات طول كامل لإبليس فوق مذبحه.. لقد بدا مثل رجل ذي فكرٍ عظيم
رفيع الجبهة.. وعندما تنظر لعينيه تعطيك انطباعًا بعيون شخص واسع الإطالع
وقوي جدًّا.. وهذه اللوحة يمكنك أن تراها لو دخلت أيًّا من منظمات عبدة
الشيطان أو الماسونية أو خلافهم.
لكن المنظمة الماسونية وحتى هذه الحكاية من التاريخ كانت لا تزال في
بداياتها ومافعلته على أرض الواقع كانت خطوات مبدئية بطيئة جدًا.. وذلك ألن
الامبراطورية العثمانية كانت سيدة العالم كله.. و فتوحاتها في الشرق والغرب
لا تتوقف.. ولو أنها تُركت قرنًا آخر فستغزو العالم كله.. ولن تتمكن الماسونية
من بناء ذلك الهيكل المقدَّس الذي وهبوا من أجله حياتهم.. لأن بناءه سيكون
في فلسطين.. على أنقاض المسجد األقصى.. ولو أن ذبابة حاولت أن تمس
المسجد الأقصى أيامها لذبحتها الدولة العثمانية شر مذبح. . لكننا لازلنا في
البداية.. ومعي ستتعلم الصبر حتى تنال غايتك.. وحتى أنال غايتي.
إن الحكاية القادمة بالذات لها عدد كبير جدًّا من الأوراق.. سأعرض عليك ورقة
واحدة الآن. والباقي عندما تنتهي الحكاية الورقة هي ورقة الإيلو- ميناتي..
وعليها صورة قد تكون مألوفة لديك.. هرم غير مكتمل في أعلاه عين.. يشع
من ورائها نور.
وهي حكاية سيحكيها لك شخصان؛ رجل وامرأة.. أحدهما صادق.. والآخر
كاذب.. وسأخبرك سرًا صغيرًا حتى تميِّز الصادق من الكاذب وأنت تستمع لهما..
الصادق منهما هو من سيموت قبل الآخر.. تذكر هذا جيدًا.. والآن سأتركك
معهما..
***

ملكة جروح 12-20-2020 06:29 PM

ويرو - كوموكو..
1600 بعد الميلاد

مذكرة "جون سميث":
مذكرتي العزيزة.. إنه يوم جديد من أيامي الرائعة.. مغامرة جديدة من مغامراتي
التي مألت صفحاتك.. لكن مغامرة اليوم فيها شيء محبَّب إلى نفسي.. اكتشاف
عالم جديد.. فأنا اليوم أتحرك بسفينة كبيرة مع رفاقي ناحية الغرب.. إلى قارة
بِكرية.. ليس فيها دول.. ولا نزاعات.. أرض خصبة لكل من يريد أن ينشىء أي
شيء.. سمعت أن من يسكن هذه القارة هنود حمر الأجساد يرتدون الريش على
رؤوسهم.. وسمعت أنهم متوحشين ويكرهون الغرباء.. وأن الغريب القادم
إليهم سينتهي به الأمر مطبوخًا في قدرٍ من قدورهم وجماعة منهم يرقصون
حوله في وحشية وتلذذ.
ها هي اليابسة تقترب.. وسفننا المتعَبة من عبور المحيط تتمطى في إرهاق..
أشجار ونخيل وخضرة ورمال ذهبية وهواء عليل وهندي أحمر يحمل رمحا
ويجري ناحية السفينة في جنون.. يا إلهي.. رمى علينا الهندي الغاضب رمحه
رمية كأمهر رمية رام.. وانغرس رمحه في قلب "كريس" الفتى المراهق الذي
كان عقله مليء بقصص البحارة المغامرين وكان يحلم دومًا أن يكون واحدا
منهم.. لكن الرمح قد انغرس في قلبه اليوم بطريقة قضت على كل القصص
والمغامرات التي كان ينوي أن يخوضها.. قضت على كل شيء قبل أن يبدأ.. إن
هؤلاء القوم أشد توحُّشًا من نمور "أمور" المفترسة التي قابلتها في روسيا..
وكان "كريس" المسكين أول ضحية قتلوها.
هرب الهندي األحمر بسرعة.. وال ندري بصراحة هل هرب أم ذهب لينادي بقية
أقرانه الحُمر.. يبدو أن رحلتنا لن تكون سهلة أبدًا.. حطت سفننا على اليابسة..
ونزلنا منها في بطءٍ حَذِرٍ.. وبدأنا نجهز المعسكر بقلق وننقل أغراضنا من
السفينة ونحن نتلفت يمينًا ويسارًا ونتحفز عند سماع أي صوت.. وهاقد أتى الليل..
ولم نتعرض ألي هجوم ثانٍ.

مذكرة "بوكاهونتاس" :
"بوهاتان" هي مملكتي التي تضم بين أرجائها كل القرى الموالية لنا.. "ويرو-
كوموكو" هي قريتي بين تلك القرى.. "وان - سيناكا" هو أبي.. أحب الناس إلى
قلبي.. وأنا "ماتواكا" الصغيرة ابنة العشرة سنوات وأحب الناس إلى قلب أبي..
واسمي يعني "زهرة بين مجريين" لأن قريتنا كانت تقع على مجرى نهرين..
واسمي الآخر هو"أمانوتي".. وأبي هو زعيم مملكة بوهاتان كلها.. لست ابنته
الوحيدة.. فأبي له ما يقرب من الثلاثين بنتا.. نتيجة زواجه بما يقرب من الثلاثين
زوجة.. لكن من بين كل هؤلاء كنت أنا الأقرب إلى قلبه.. وكنت كذلك فقط
لأنني "بوكاهونتاس" ليس بسبب أي شيء آخر.
"بوكاهونتاس" هو أشهر أسمائي.. وهو اسم له معنى مثل كل أسمائنا..
ومعناه هو الفتاة الشقية.. وشقية يعني مرحة وروحها حلوة.. لماذا أنا الأحب
إلى قلب والدي؟ لأنه لما تزوََّج ثلاثين مرة فعل ذلك بدافع من تقاليدنا التي تحتم
على زعيم المملكة أن يتزوج فتاة من كل قرية ويُنجب منها.. فيدخل الدم
الملكي إلى القرية فيكون هذا إعلانا من القرية بالولاء للملك.. ملك مملكة
بوهاتان.. أما أمي فلم يتزوجها أبي بدافع سياسي.. بل كانت أول امرأة يتزوجها
في حياته.. وأول امرأة يحبها في حياته.. وقد كان اسمها "بوكاهونتاس" أيضًا..
وقد تزوجها قبل حتى أن يصير ملكًا على بوهاتان.. وكنت أنا أول إنجاب لأبي..
ولقد ماتت أمي لما أنجبتني.. الأمر الذي أحزن والدي حُزنًا اسودت لأجله طيات
روحه.. لكنه لم يلبث أن قرر أن يسميني "بوكاهونتاس" مثلما كانت أمي
"بوكاهونتاس".. لأكون مولِّدًا للسعادة التي ستأتي وتنتزع حزنه الأسود من ثنايا
روحه ليكون هباء تذروه الرياح.
أخبرنا "الكويكروز" أن هناك قومًا بيضا قد أتوا بسفنهم ضيوفًا على سواحل
مملكتنا.. ونصحنا الكويكروز أن نتودد إليهم أيما تودد وتلطف وأن نُريَهم كيف

يكون حسن الضيافة لدى البوهاتان.. والكويكروز كما لابد أنك تعلم هم رجال
الدين في بوهاتان.. وأصحاب الشورى.. وبالفعل لما وصل أولئك القوم بيض
الوجوه إلى سواحلنا خرجت جماعات من أفضل رجال ونساء بوهاتان لاستقبالهم
بموائد من أرقى طعام ويرو- كوموكو.. وقد فرحوا باستقبالنا أيما فرح..
وأعطونا الكثير من القطع النحاسية الثمينة.. فالنحاس في بوهاتان هو كالذهب
في سائر بلدان العالم.. حقًّا كانوا قومًا بيضا لطفاء.
مذكرة "جون سميث":
مذكرتي العزيزة.. أربعة شهور مضت علينا ونحن في هذا المكان نبني
معسكرنا ونجهز عدتنا.. ونصد هجمات عنيفة كان يشنها علينا الهنود الحمر
بين الفينة والأخرى.. حقًّا إنهم متوحشون.. ليسوا فقط متوحشين.. بل هم آكلو
لحوم بشر كما سمعت.. لقد حاولنا التودد إليهم أكثر من مرة.. وجل ما وصلنا
إليه هو تجارة أجريناها مع بعضهم ممن أتونا في سلام.. نعطيهم قِطعًا
نحاسية ويعطوننا طعامًا.. لكن مخزوننا من الطعام الذي جئنا به من إنجلترا كان
قد نفد تمامًا.. وقد نفدت منا كل القطع النحاسية التي أتينا بها.. وهؤلاء الهنود
لا يعطون شيئًا بالمجان أبدًا.. لذا قررت أن أصطحب أكثر رجالي قوة ونتوغل أكثر
في هذه القرية.. علنا نحصل على شيء يصلح للأكل.
وبينما نحن نتفقد أرجاء تلك القرية الجميلة التي لا أصدق أن سكانها بهذا
التوحش.. إذ رأينا مجموعة من هؤلاء المتوحشين أقوياء البنية يسيرون بقارب
على النهر ببطءٍ وينظرون إلينا في تحفُّز.. وبدون أن أنتظر لحظة رفعت بندقيتي
وصوبتها إليهم عازمًا على إزاحتهم عن طريقنا.. لكن أحدهم صرخ صرخة
وحشية مدوية سمعنا على إثرها حفيف أشجار كانت حولنا.. أشجار برز منها
عشرات منهم.. أُسقط في يد رجالي واستداروا هاربين.. واستدرت مع رجالي
عازما على الهرب.. فلا قدرة لدي على مواجهة كل هذه المخلوقات المفترسة

التي ترتدي الريش.. هرب رجالي ولم أقدر أنا على الهرب.. لم أتخيل أن نهايتي
ستصبح بهذه البشاعة على يد قوم حمر الوجوه يرتدون ريشا.. حاولت بكل
مهارتي أن أهرب لكنهم حاصروني من كل مكان.. فرميت سلاحي ورفعت
يدي.. وحاولت أن أتحدث معهم لكن سهما انغرز في كتفي كان أسرع من
حديثي.. ثم أظلمت الدنيا في عيني.. وسقطت على األرض.
مذكرة "بوكاهونتاس":
أربعة أشهر مرت على استضافتنا لهؤلاء القوم البيض في أرضنا.. وكان
أحدهم رجلًا شديد الوسامة ذا شعر بني.. كان في نظرنا إلهًا من الآلهة.. يحمل
في إحدى يديه سيفًا صارمًا وفي اليد الأخرى يحمل عصا الرعد.. عصا غريبة
الشكل يوجهها على من يريد أن يقتله.. فيرتفع دوي الرعد المخيف ويموت
الرجل.. كان رهيبًا هذا الرجل.. قتل بعض رجال البوهاتان بهذه الطريقة..
المشكلة أنه كان يدخل في بعض الأيام إلى بعض القرى التي أكرمت رجاله..
يدخلها دخول الصديق.. ثم يهدد زعيمها بعصا الرعد تلك حتى يعطيه ورجاله
المزيد من الطعام.. كان يفعل هذا في الأيام التي لا يزورهم فيها أحد بطعام..
نحن أهل الكرم.. لكن من المستحيل أن تطعم أكثر من مئة رجل يوميًّا لمدة
أربعة أشهر.. كانت تمضي أيام لا نزورهم فيها بطعام.. عندها يجن جنونهم
ويدور هذا الإله الوسيم بين أرجاء قرانا طلبًا للطعام.
لم يحب الكويكروز هذا أبدًا؛ لذا قرروا أن نأخذ هذا الإله ونستضيفه في ويرو-
كوموكو.. فيُحدِّثه أبي ويتفاوض معه على الكثير من الأمور.. وفي أحد الأيام
خرج عمي "أوبي- شانكا".. أصغر أخ لأبي.. وكان قوي البنية فتيًّا.. باغتهم "أوبي
–شانكا" عند النهر.. فهرب رفاق الإله الوسيم وبقى هو وحيدًا أسيرا في يد
"أوبي- شانكا" ورجاله.. كان الكويكروز يقولون إن هذا الرجل ليس إلهًا بل هو
بشري عادي وعصا الرعد التي معه هذه ماهي إلا سلاح بشري مصنوع بمهارة.

زار "أوبي- شانكا" جميع القبائل بينما ذلك الرجل الوسيم مقيد وراءه.. فعل
"أوبي- شانكا" ذلك حتى يقول لكل القبائل أن هذا الرجل ليس إلهًا.. والدليل أننا
أسرناه وقيدناه.. بل إننا ذاهبون به إلى الملك "وان- سيناكا" ليراه.. وبالطبع لم
يمسه أحد رجال البوهاتان بسوء مطلقًا سواء في عملية الأسر نفسها أو أثناء
زيارة القرى.. هكذا كانت أخلاق البوهاتان العظيمة.
مذكرة "جون سميث":
انتفضت فجأة.. رأيت أربعة هنودًا حُمرا يحيطون بي ويمسكونني بسواعد قوية
يجرونني جرًّا إلى مكان معين لا أدري ما هو.. فكرت في التملص منهم لكني
كنت داخل قريتهم المليئة بهنود حُمر آخرين ينظرون لي في فضول.. مشينا
حتى دخلوا بي إلى مبنى طويل غريب الشكل.. هناك رائحة غريبة في الجو..
وحديث بلغة متوحشة وأصوات رفيعة أسمعه كل حين.. كان يبدو أن هذا المبنى
ذو أهمية كبيرة.. هؤلاء القوم بدائيون جدًّا في مبانيهم وديكوراتهم
وملابسهم وتصرفاتهم.. وجدت نفسي أقف فجأة أمام رجل يختلف زِيّه عن بقية
أزيائهم.. وفوق رأسه عدد من الريش أكثر بكثير من البقية.. وقد دهن وجهه
بألوان غريبة.. واضح أن هذا هو الزعيم.. وواضح أنه ليس سعيدًا.. إن له ملامح لا
أظنها قد عرفت كيف تبتسم.
قال لي بصوت خشن جدًّا كلامًا خشنًا بلغة خشنة لا أدري كيف يفهمونها..
نظرت إليه بدهشة ورفعت كتفيَّ في عدم فهم.. ويبدو أنه غضب جدًا.. لكن ما
كل هؤلاء الفتيات والفتية الصغار حوله.. قال شيئًا ما بغضب للرجال المحيطين
بي.. فتحفزوا وأمسكوا بي بقسوة وأرقدوني على ظهري في منتصف هذه
الغرفة الغريبة.. ثم أخرج أحدهم سيفًا طويلًا ونظر لي بغِل .. وثبتني رفاقه بغِل
أكبر.. وقع في قلبي الخوف.. هؤلاء كما هو واضح مقبلون بعد ثوانٍ على قطع
رأسي بهذا السيف.. حاولت أن أتملص بكل قوتي لكن هيهات.. هناك ما يقرب

ملكة جروح 12-20-2020 06:32 PM

من عشرة أذرع تمسك بي في إحكام وترفع رأسي بطريقة تبدو معها رقبتي
جاهزة لأستقبال نصل السيف.. صرخت وصرخت.. سمعت كثيرًا من الكلمات
الهندية الغاضبة التي يبدو أنها آخر كلمات سأسمعها في حياتي الحافلة..
نظرت إلى السيف بخوف.. رفعه الرجل ذو اليدين القويتين والعينين المخيفتين..
وتأهب لينزل به على رأسي.. أغمضت عيني بقوة وصرخت صرخة طويلة.
زار أذني صوت يختلف عن نوعية الأصوات التي أسمعها حولي.. صوت أنثوي كان
بعيدًا ثم اقترب حتى صار قريبًا جدًا.. ذراعان أنثويتان رقيقتان أحاطتا بي في رقة..
أنفاس أنثوية برقة الزهر شعرت بها على وجهي.. فتحت عينيَّ ببطءٍ مندهش..
رأيتها.. وكأنما توقف وعيي عن الوعي بكل شيءٍ حولي.. وصارت كل صورة
حولها مموهة وصورتها وحدها في عيني.. رأيتها وهي تصرخ وتحيط بي
وترفع يدها في وجه السياف وتضع وجهها أمام وجهي ورقبتها أمام رقبتي..
عطر أنثوي.. شعر طويل كأنه قطعة من ليل.. وعينان.. عينان ورمشان وشفتان..
هل أنا في الجنة؟ يستحيل أن أكون لازلت في تلك القرية الهندية.. إنها تضع
يديها على وجهي في رقة وتنظر إلى عيني في قلق ثم تنظر لهم في غضب.
"بوكاهونتاس".. هذا هو اسمها.. فتاة شابة في الثامنة عشر.. فاتنة سمراء..
هي ابنة الملك الهندي الغاضب.. تدخلت لتحميني من قسوة أهلها.. وقد ذهل
القوم بفعلتها هذه وتسمر الملك في مكانه وتحول غضبه إلى دهشة.. وقال
لها كلامًا بلهجة متسائلة.. فردت عليه بصوتٍ ملائكي بكلمات تمنيت من
حلاوتها ألا تنتهي.. خفض السياف سيفه.. وتراخت عضلات الرجال الممسكين
بي.. وصمت الجميع.. وتكلمت "بوكاهونتاس".
مذكرة "بوكاهونتاس":

كنت جالسة بجوار أبي كالعادة.. حتى دخل علينا "أوبي- شانكا" ومعه الرجل
الوسيم ينظر مندهشًا إلى ما حوله.. كان عمري عشرة سنوات وقتها.. كانت
المرة الأولى التي أرى فيها شخصًا من عرق مختلف.. فكنت أنظر له في دهشة
حقيقية.. قام أبي من مجلسه وحيَّاه مبتسمًا بتحية البوهاتان.. لم يفهم الرجل
شيئًا بالطبع لكن كان هناك رجل من الكويكروز ترجم للوسيم التحية بلغته
الإنجليزية.. أومأ الوسيم برأسه محييا ومدَّ يده يصافح أبي.
كان أبي سياسيًّا رائعًا.. عاتبه في البداية على مافعله في بعض القرى طلبًا
للطعام.. وعرض عليه أن يعطيه البوهاتان أرضًا أفضل من األرض التي بنوا عليها
معسكراتهم.. أرض "كاباهوسيك".. فيها ماء عذب وماء مالح.. ومخرج يمكن
أن يضعوا فيه سفنهم.. وعرض عليه أن يكونوا قرية تابعة للبوهاتان وموالية
لهم.. وسيمدهم البوهاتان بالطعام ويساعدونهم في البناء ويزوجونهم أجمل
فتيات البوهاتان.
أقام عندنا الرجل الوسيم الذي عرفت أن اسمه "جون سميث" أربعة أيام فقط..
أكرمناه فيها أيما كرم.. وكنت أقدم له الطعام بنفسي وألعب معه وأمدّ يدي
لأشد شعره الذهبي كل حين.. علمني بعض الكلمات الإنجليزية وعلمته بعض
كلمات من لغتنا.. لغة "لأجونكو".. وافق "سميث" على التعاون معنا وعلى عرض
أبي موافقة كاملة بدون شروط.. وطلب منه أبي أن يساعده ضد الإسبان
المخرّبين الذين يهاجمون مملكة بوهاتان كل فترة.. ووافق "سميث" ووعد أبي
أن يكون هو والإنجليز تحت قيادته.
مذكرة "جون سميث":
بعد أن اعترضت "بوكاهونتاس" طريق السيّاف بهذا الشكل.. تبدلت معاملة
القوم لي إلى النقيض.. يبدو أنها محبوبة جدًّا بين قومها.. أصبح الجميع

يعاملونني بلطفٍ وقدَّموا لي الطعام والشراب.. إن طعامهم غريبٌ لكن مذاقه
رائع.. شهر كامل أمضيته مع الهنود الحمر في قريتهم العجيبة.. كنت أود لو
أخطف "بوكاهونتاس" الجميلة وأهرب بها من هذه الأرض إلى أرض ليس فيها
سواي أنا وهي.
اتفق معي الملك الذي أصبحت أسميه "بالاتين" نسبة إلى "بوهاتان" على أن نكون
موالين له وأن نوقف المناوشات المتكررة بيننا.. وقال إنه سيرسل لنا الطعام
بشكلٍ منتظم.. كان يجب أن أهادنه وأوافقه.. فهو لا يعلم نية الإنجليز بعد.. إن
نيتنا هي احتلال بلاده كاملة سواء رضي بهذا أم لم يرضَ.. هذه أرض راقية
تستحق شعبًا متحضّرًا راقيًا.. ليس شعبًا همجيًّا مثل شعبه.. إلا إذا رضوا أن
يرتقوا فسيعيشون معنا في سلام.
بهذا عدت إلى المعسكر وفوجئ الرجال بعودتي.. لأنني عدت ومعي هنود
كثيرون محملون بموائد الطعام.. أثناء وجودي في المعسكر كانت
"بوكاهونتاس" تأتي كل ثلاثة أيام أو أقل لنمضي اليوم معًا على نهر يورك..
لقد أحببت "بوكاهونتاس" وأحبتني.. المشكلة أن أبوها الملك لا يقبل بالخضوع
تحت لواء إنجلترا.. بل يريد أن تخضع إنجلترا تحت لوائه هو.. وكان هذا يعني
صراعًا قريبًا.. وقتلًا كثيرًا لأهل "بوكاهونتاس".. هذا صعب على نفسي لكن
مصلحة بلادي فوق شهوتي الشخصية.. هكذا تعلمت.. لكن القدر لم يمهلني
لأشهد الحرب مع الجنود.. فوسط كل الترتيبات والتجهيزات التي كنا نقوم بها..
انفجرت ذخيرة من الذخائر في وجهي بالخطأ.
مذكرة "بوكاهونتاس":
فجأة مات "جون سميث".. قالوا لنا إنه مات وتم نقل جثته إلى إنجلترا.. بدأ أبي
ينتظر أن يعرف القائد الجديد ليعقد معه نفس الاتفاق الذي عقده مع "جون

سميث".. لكن بعد موت "جون سميث" مباشرة بدأ الإنجليز في مهاجمتنا..
وتحولت المناوشات إلى حرب طاحنة مميتة قُتِل فيها الكثير جدًّا من أبناء
البوهاتان.. كانت الأسلحة التي يستخدمها الإنجليز فتّاكة تبدو أسلحة البوهاتان
بالنسبة لها دُمى أطفال.. وقد احتاج البوهاتان وقتًا طويلًا جدًّا ليطوروا طرقًا
لمقاومة هذه األسلحة.. ظلت الحرب مشتعلة ما يقرب من األربعة سنوات.. ذقنا
فيها طعم الجحيم الحقيقي.. كان الإنجليز قومًا شديدي القسوة يقتلون بالجملة
ويستخدمون أشد الأساليب حقارة وينقضون كل العهود.
بقي الطرفان يتصارعان حتى أتى ذلك اليوم الذي ذهبت فيه بأمرٍ من أبي إلى
قرية "باتاوميكس".. وهي قرية من القرى التي لم تكن موالية للملك.. كنت
ذاهبة هناك في مناسبة اجتماعية مهمة.. ولما وصلت هناك نصبوا لي فخًّا
وخدعوني وقبضوا عليَّ.. كان الباتاوميكس هم من نصب لي الفخ.. عرفت أنهم
موالون للإنجليز ضد أبي.. شعرت بغصة في حلقي.. إنهم يودون استخدامي
للضغط على أبي.. الموت أهون علي من أكون سببًا في هزيمة أمّتي في هذه
الحرب.
كنت محبوسة في سفينة من سفنهم الكبيرة في غرفة ضيقة.. وحالتي سيئة
جدًّا بسبب اهتزاز السفينة المستمر أثناء وقوفها في الماء.. أفرغ ما في جوفي
كل يوم وأدوخ وأفقد الوعي وهؤلاء لا يفهمون أني أود االنتقال بعيدا عن
السفينة ويظنون أن ما بي هو بسبب الاكتئاب والخوف.. خسئتم جميعًا.. ليست
"بوكاهونتاس" من النساء الالتي يخفن أو يضعفن بسبب الأسر.. الأمر فقط دوّار
البحر.
وفي ظلمة الليل.. بين هزة للسفينة وهزة.. انفتح باب غرفتي الضيقة.. ودخل
كيان لم أتبينه جيدًا.. لكنه كان رجلًا ضخمًا بالتأكيد.. وقف على الباب قليلًا
كالصنم.. كان يدخّن.. أعطاه الظلام والدخان المتصاعد منظرًا مُقبِضا.. تقدَّم

ملكة جروح 12-20-2020 06:35 PM

مني الرجل وسألني بالإنجليزية سؤالًا لم أفهم منه شيئًا.. ثم تقدم أكثر وامتدت
يده لتتحسس عنقي.. كنت مقيدة لكني رفعت ركبتيَّ وطعنته بها في بطنه
فانقبض متألّـمًا وصاح بكلمات غاضبة.. ثم بدأت المأساة.. جن جنون الرجل
وأمسك بي وفعل كل ما يمكن أن يفعله ذئب بفتاة جميلة مقيدة.. ثم قام عني
وقال بضع كلمات.. وعدل ملابسه وانصرف. . تاركًا إياي أتجرع دماء عذريتي
وأتجرع معها دموعي.. هنا.. في هذه الليلة.. وفي هذه الغرفة الحقيرة.. فقدت
أنا "بوكاهونتاس" ابنة الملك.. أغلى حلم من أحلام الفتيات.. سرقه مني حيوان..
فقدت عذريتي.. لم أعد أصلح لشيء.. ليتني مت قبل هذا.. ولولا أنني مقيدة بهذه
الحبال لرميت نفسي في اليم.
مذكرة "جون سميث" :
انفجرت في وجهي ذخيرة من الذخائر عن طريق الخطأ.. أُصِبت بحروقٍ كثيرة
لكنني لم أمت.. وغادرت إلى إنجلترا للعلاج.. وقال الإنجليز للهنود الحمر إن "جون
سميث" قد مات.. في محاولة منهم للتملص من المعاهدة التي عاهدتهم
إياها.. مرَّ شهر أو شهران ولم يستطع قومي الاحتمال أكثر.. وبدأوا الهجوم
بضراوة.. كنا دائمًا ننتصر ألن تسليحنا يفوقهم وإن كان عددهم يفوقنا..
استمرت الحرب بيننا وبينهم سنين طويلة.. حتى أسر الإنجليز "بوكاهونتس" أثناء
إحدى الحملات.. كانوا يعرفون مدى تعلُّق والدها بها لذا اختطفوها كوسيلة
للضغط عليه.. وكوسيلة حماية.. فليس مجنونًا لعمل أي هجوم وأغلى ما يملك
بين أيدينا.. طلبنا منه فدية كبيرة تعجيزية لكنه لم يدفعها كاملة.. ولهذا أبقينا
"بوكاهونتاس" الجميلة عندنا.
أثناء وجود "بوكاهونتاس" في الأسر بدأت بذرة إعجابها بحضارتنا تتكون
وتكبر.. منذ علاقتي بها وهي تعشق حضارتنا وقد لمست فيها حب الحضارة
وكراهية التخلف والهمجية التي تراها في قومها.. وبدأت هذه البذرة تنمو أثناء

أسرها خاصة مع التعامل الراقي الإنجليزي الذي كنا نعاملها به.. حتى إنها
اقتنعت بالمسيحية وتحولت إليها.. وتم عمل طقوس تعميد لها وتغيير اسمها
إلى "ريبيكا".. سميناها بهذا الاسم تيمنا بريبيكا المذكورة في التوراة أم
"يعقوب" و"عيسيو".. فكل واحد من "يعقوب" و"عيسيو" انحدرت منه أمة..
فكانت ريبيكا أما لأمتين.. وكانت "بوكاهونتاس" تمثل التقاء أمتين.. أمة الإنجليز
وأمة الهنود الحمر.
تطور حبها لحضارتنا إلى كره لحضارتها.. حتى إننا أثناء أسرها سمحنا لها
بمقابلة وفد من قومها كان أبوها وسطهم.. فلما رأتهم صرخت في والدها
وقالت له إنها تكرهه لأنه اتضح لها أنها أرخص عنده من سيوف قديمة وقطع
من فؤوس.. وتقصد الفدية التي طلبناها والتي كانت تشمل أسلحة قومها.
تقدم للزواج ببوكاهونتاس واحد من أكبر تجار إنجلترا هو "جون رولف".. وقبلت
الزواج بسعادة بالغة.. وكان هذا الزواج إعلانًا للسلام بين الأمتين بعد طول حرب
فكانت حقًّا أمّا لأمتين. . سافرت "بوكاهونتاس" مع "رولف" إلى إنجلترا.. وقُدمت
إلى المجتمع الإنجليزي باعتبارها حمامة السلام بين أمتين عظيمتين.. لكن
المشكلة أنني أنا أيضًا كنت في إنجلترا.. وقد رأتني "بوكاهونتاس" صدفة فجأة
أمامها.
مذكرة "بوكاهونتاس" :
كرهت نفسي.. أنا سبب هزيمة قومي.. أنا بلا شرف.. بلا قيمة ولا وزن.. لست
أعلم من هو الذي اغتصبني حتى الآن.. لكن في اليوم التالي جاءني رجل يبدو ثريًّا
اسمه "جون رولف".. وعرض عليَّ الزواج مقابل أن تنتهي الحرب بين قومه
وقومي.. وفي غمرة ألمي وحيرتي وجدتها فرصة لإصالح كل شيء.. فشعوري
بأني سبب مأساة قومي سينتهي بهذا الزواج الذي سأحقن به دماءهم الغالية..

وشرفي الذي أضاعه حيوان يمكن أن يجبره الزواج.. وإن كان زواجا من أناس لم
أكره في حياتي مثلما كرهتهم بكل حذلقتهم وتنطعهم وقسوتهم
وخداعهم.. إلا أنني كنت مضطرة.. من أجل قومي.
وحتى يتم الزواج قالوا لي إنه يجب أن أدخل في المسيحية وأتخذ لنفسي اسمًا
جديدًا هو "ربيكا".. وافقت على كل هذا بلا شروط.. وتم زواجي إلى ذلك الرجل
الغني وتوقفت بالفعل حرب دامت سنين طوال كان قومي فيها هم الضحية
دائمًا.. وسافرت مع "رولف إلى انجلترا.. وهناك عرفت أن زواجي لم يكن بدافع
السلام كما يحاولون أن يُظهروا لقومهم في إنجلترا.. لقد كان دعاية.. دعاية
لمستعمرتهم التي بنوها في أرضي.. والتي سموها مستعمرة "فيرجينيا"..
كانوا يريدون للعالم أن يرى كيف أن األوضاع في القارة الجديدة التي ذهبوا
لاستعمارها أوضاع رائعة وأن أهل القارة الجديدة أحبوهم والدليل هو
الأميرة"بوكاهونتاس" ابنة الملك الهندي األحمر.
أثناء وجودي في إنجلترا عرفت أن "جون سميث" ذلك المخادع الكبير لم يمت..
وإنما قالوا لنا ذلك لأنه كان قد عقد اتفاقًا مع أبي لم يكن ينوي هو وقومه
الالتزام به.. بل إنني قابلت "جون سميث" بالصدفة ذات يوم وقلت له في وجهه
إنه مخادع كبير.. وأنني كنت أظنه رجلًا صالحًا كما ظنه قومي.. لكنه في
الحقيقة ليس سوى مستعمِر دموي قذر.. وبدأ صوتي يعلو في مواجهة كل
هذا الخداع الذي يجبروننا أن نعيش فيه.. ودخلت في صراعات عديدة مع "جون
رولف" وبدأت أرفض بشدة حضور الأجتماعات والمناسبات التي كانوا يجبروني
على حضورها.. حتى لم يعد أمام "جون رولف" إلا حل واحد لا ثاني له.
ذات يوم بعد شربة من ماء.. شعرت أن الدنيا تدور حولي.. وتدور بداخل رأسي..
ووهن جسدي على وهنه وسقطت على الأرض.. أدركت أن "رولف" قد دسَّ لي
السم في شربة الماء.. أدركت أنهم أرادوا أن يرتاحوا من إزعاجي ويحافظوا

على الصورة التي صوروها للعالم عنِّي.. الفتاة التي تكره قومها الهمج وتحب
إنجلترا وتدعو الإنجليز للقدوم إلى أرضها واحتلالها لنشر حضارتهم فيها.. هذا
ما أرادوا للعالم أن يصدقه.. وقد صدقهم العالم ولازال يصدقهم وسيظل
يصدقهم حتى النهاية.. أما البوهاتان.. وحضارة البوهاتان العظيمة.. ودماء
البوهاتان الغالية التي سالت على أرضنا أنهارًا.. فلا أحد يكترث بها.. فماذا تعني
هذه الدماء مقارنة بالدماء الملكية الإنجليزية.. لا شيء.
تـمَّت
****

ملكة جروح 12-20-2020 06:40 PM

وبهذا غزت إنجلترا القارة الأمريكية غزوًا وحشيًا لا يعترف بحقوق إنسان أو
بغيرها.. كانوا يقتلون الجميع بدم باردٍ أهوج.. الحقيقة المريعة التي يخفيها
التاريخ الأمريكي أن تمثال الحرية في الحقيقة قد أقيم على حساب أرواح ملايين
الهنود الحمر.. فالمشكلة التي واجهت الأوروبيين المستعمرين البيض هي
أنهم وقعوا على أرض خصبة زراعية واسعة الأرجاء تحتاج إلى عددٍ كبيرٍ جدًّا
من الأيادي العاملة.. ولقد حاولوا أول ما حاولوا بدلًا من أن يقتلوا الهنود الحُمر
أن يستعبدوهم.
كنت ترى مئات الشاحنات المحملة بالأطفال الهنود الحمر والنساء.. وكان النساء
أكثر أهمية.. لأنهم فضلًا عن العمل الشاق الذي يقومون به في الأراضي
الزراعية فهم كانوا يمثلون متعة جنسية لا حصر لها للسادة البيض.
ومن يرفض من الهنود أن يتم استعباده كان يقتل.. والتاريخ يحكي آلاف عمليات
حرق القرى وإبادة السكان كاملين فيها وتسميم الآبار حتى وصل رقم الهنود
الذين تم قتلهم إلى 08 %من عدد الهنود الأصلي.. وهذا يعني رقمًا مهولًا
يقترب في أكثر الإحصائيات خجلًا من الخمسين مليون هندي أحمر أو ربما أكثر
من ذلك.
لكن الأرض كانت واسعة جدًّا ولا يمكن للهنود وحدهم أن يعملوا عليها.. كانت
هناك ملايين الأفدنة تحتاج لمن يعمل عليها.. وهنا توجه المستعمرون البيض
إلى أكثر قارة تنجب رجالًا أشداء أقوياء في هذا العالم.. توجهوا إلى إفريقيا.
عشرات الملايين من الزنوج تم حشرهم مقيدين بالأغلال في السفن الإنجليزية
وتهجيرهم قسرًا إلى أمريكا ليعملوا هناك في الاراضي.. هؤلاء كانوا
يشكّلون قوة عاملة عظيمة جدًا.. ومجانية.. والزنوج الذين سيقوا إلى أمريكا
كان يموت أكثرهم إما جوعا أو عطشا أواختناقا من تكديسهم على بعضهم
البعض بالمئات أو يموت من رصاص البيض الغزاة ذوي المزاج المتعكر.. كانت
أكبر ملحمة الإنسانية أقيمت في التاريخ كله.. حرب إبادة شاملة عرقية على
الهنود الحمر وحرب استعباد شاملة على الزنوج.. وهكذا أقيمت أمريكا.. بلد
الحرية والديمقراطية الرائعة.. حتى إن أبو الحرية الرئيس الأول "جورج واشنطن"
نفسه كان يملك ثلاثمئة عبد وجارية في مزرعته الخاصة.. ولم يحرر واحدًا
منهم قَط حتى وفاتهم.
إن "بوكاهونتاس" هي الصادقة.. و"جون سميث" هو الكاذب.. ولقد ذكر
الكاذب في مغامرات متعددة من مغامراته قصصاً من وحي خياله عن فتيات
يحببنه وينقذنه من الموت.. بالطبع حكاية "بوكاهونتاس" اشتهرت بعد فيلم
ديزني الشهير لها.. والذي يحكي القصة من وجهة نظر "جون سميث".. أما
وجهة نظر "بوكاهونتاس" فكان من المستحيل أن تعرفها لولا أنك قرأت كتابي
هذا.
إن البوهاتان لا يكتبون.. لم يكتبوا تاريخهم في أي كتب.. إنما يحتفظون به في
أدمغة الكويكروز.. وهم رجال حكماء يعرفون كل شيء.. حتى أتى اثنان من
الهنود الحمر المعاصرين من الذين يحملون الجنسية الأمريكية وقررا أن يكتبا
القصة الحقيقية لـ "بوكاهونتاس" حتى يعطيا الحق لأهله.. لكن كتابهما هذا
بالطبع تمت محاربة انتشاره ولم يشتهر.. حتى لا تسوَد الصورة الالمعة الجميلة
التي أظهرتها ديزني في فيلمها الذي أصدرت منه جزئين.. ولا تظن أن الحكاية
مروية في الفيلم فقط.. بل إنها مروية في جميع الموسوعات وكتب التاريخ
العالمية بناء على وجهة نظر "جون سميث" فقط.. أما وجهة نظر الهنود الحمر
فلا أحد حاول حتى أن يستمع إليها.
ولعلك تتساءل ما سر الورقة التي أريتك إياها قبل هذه الحكاية.. ورقة
الإيلوميناتي ورسمة الهرم والعين أعلاه.. هذه الرسمة نفسها هي الموجوده
على الدولار الأمريكي.. وقبل أن أخبرك بأي شيء أريد منك أن تزيح كل ما قرأته
أو سمعته عن هذا الموضوع جانبًا.. وتستمع لي جيدًا..

لعلك قد لاحظت أن "جون سميث" كان يعرف بعض المعلومات عن الهنود الحمر
قبل أن يحط بسفينته عندهم.. هذه المعلومات كلها كان قد جمعها رجل يدعى
السير "والتر راليج" وهذا الرجل هو الأستاذ الأعظم لمنظمة سرية تدعى منظمة
الصليب الوردي أو الروزكروشن.. وقد كان مستكشفًا.. وبمناسبة هذه المنظمة
ها أنا أريك ورقة من أوراق اللعبة هي ورقة الروزكروشن.. وعليها صورة
صليب مزيَّن بالورود ذات اللون الزهري.. وهي منظمة تفرعت عن الماسونية
لكنها أكثر منها انغالقًا وأكثر سرية.
عرف "والتر" أن أرض أمريكا هي أرض خالية من العوائق.. ليس فيها سلطات..
وليس لها تاريخ.. وليس فيها عقائد.. ولا حواجز تحول بين من يسيطر عليها وبين
أن يكون مجتمعًا جديدًا.. بأفكاره هو.. ولغاياته هو.. وهي فرصة للحركات
السرية لن تتكرر.. فرصة لهم ليقيموا لهم وللمرة الأولى دولة.. بعيدًا عن زحام
دول أوروبا وتعقيداتها.. وبدا أن الحركات السرية كلها مقبلة على أهم انعطاف
في تاريخهم.. منعطف اسمه أمريكا.
وبعد حكاية "جون سيث" و"بوكاهونتاس" والمستعمرات الإنجليزية السفاحة
التي قتلت من الهنود الحمر ما قتلت.. أصبحت هناك ثلاث عشرة مستعمرة
إنجليزية.. تجري من تحتها أنهار من دماء الهنود الحمر.. وهنا أرسلت الماسونية
رجلًا يدعى "لافاييت".. رجل من الدرجة 33 ..هذا الرجل هو الذي وحَّد صفوف
المستعمرات الإنجليزية كلها.. ثم أرسلت الماسونية أحد الماسونيين المهمين
وهو "فريدريك شتوبين".. جنرال عسكري محنَّك.. نزل إلى المستعمرات وحول
الميليشيات العسكرية المفككة لها إلى جيش موحد.. ثم قامت الثورة
الأمريكية.
بدأت بما يعرف بحفلة شاي بوسطن.. الحكومة الإنجليزية رفعت الضريبة على
الشاي.. فتسلل رجال ماسونيون متنكرون في زِيّ هنود حمر إلى سفينة تحمل
حمولة الشاي.. ورموا كل حمولة الشاي التي على السفينة في البحر.. غضبت

الحكومة البريطانية أو مثلت أنها غضبت وردت ردًّا عنيفًا مما أدى لنشوب ما
يدعى بالثورة الأمريكية.
ونجحت الثورة الأمريكية وحصلت أمريكا على استقلالها وصارت دولة كبيرة
مستقلة.. وها أنا أعرض عليك ورقة أمريكا وعليها صورة علم أمريكا وأمامه
تمثال الحرية يلعب بكرة تحت قدمه.. الكرة األرضية.
كل هذا جميل ولكن دعنا ننظر إلى وثيقة استقلال أمريكا والتي وقَّع عليها
أربعون اسمًا.. كان أول تسعة عشر اسمًا منهم ماسونيين.. وهذا ليس كلامًا
أتكلم به في الهواء بل هو كلام موثق.. دستور أمريكا.. وقَّع عليه ستة
وخمسون شخصًا.. أول ستة وعشرين اسمًا منهم ماسونيين.. أول رئيس ألمريكا
هو "جورج واشنطن" ماسوني.. وكل هؤلاء معروفون رسميًّا.
استقلال أمريكا كان عام 9771 ..وفي نفس العام بالضبط أنشئت حركة سرية
في بافاريا بألمانيا اسمها منظمة الإيلوميناتي.. ورمزها هو الهرم غير المكتمل
والذي تعلوه عين وراءها نور ساطع.. أنشأها رجل يدعى "آدم وايزهاوبت"..
ودمجها بالماسونية ليصبحا منظمة واحدة عالمية.. والآن دعنا ننظر معًا إلى ورقة
الدولار الأمريكي الواحد.. وكما تعرف دائمًا فئة عملة الواحد في أي دولة هي
التي تمثلها.. دعك من الوجه الأمامي ولنقلبه معًا على وجهه الخلفي.. هل ترى
الهرم والعين على يسار كلمة ONE؟ هذا الرمز لا علاقة له بأمريكا من قريب
ولا من بعيد.. إنما هو رمز الإيلوميناتي.
فوق العين ترى كلمة Coeptis Annuit وهي كلمة لاتينية معناها الحرفي
"هو .. الذي وافق على حمايتنا".. وتحت الهرم كلمة هي Ordo Novus
Seclorum وهي كلمة لاتينية أيضًا معناها الحرفي هو "النظام العالمي
الجديد".

لو كنت عضوًا في الماسونية أو الإيلوميناتي فستتعلم معنى جديدًا لكل رمز من
الرموز كلما ترقيت درجة.. فالعين في البداية هي عين الله المطلعة على كل
شيء.. ثم تكون عين أوزيريس.. ثم تتحول لتكون عين "لوسيفر" المطلعة على
كل شيء.. فـ "لوسيفر" يجري من ابن آدم مجرى الدم وهو مراقب مطلع على
كل ما يقوم به البشر.. ثم في الدرجات المتقدمة جدًا.. ستتعلم أن هذه العين
هي عين أخرى تمامًا.. عين أنتيخريستوس.. والنظام العالمي الجديد هو نظام
أنتيخريستوس.
والنور حول العين تتدرج معانيه أيضًا.. فهو في البداية نور الله.. ثم يتحول ليصير
نور "يهوا".. و"يهوا" هي الله في اليهودية القديمة.. وممنوع على أحدٍ أن يتفوه
بهذا الأسم إطلاقًا لأنه اسم الله الأعظم.. ثم يتحول في النهاية لنور "لوسيفر"..
لأن "لوسيفر" هو حامل النور.. والهرم تتعلم أنه يرمز إلى الحد الغربي لحُلم بني
إسرائيل " من النيل إلى الفرات".. فالحد الغربي هنا هو النيل.. لأن النيل قديمًا
كان يمر من الهرم.. ولذلك فالهرم موضوع في يسار الدولار.. ثم ستتعلم أنه
يرمز إلى محل استحضار الإله "لوسيفر".
أما الرمز على يمين كلمة ONE فهو رمز لطائر يبدو وكأنه نسر أو صقر.. فوق
رأسه ثلاث عشرة نجمة صغيرة تكون فيما بينها نجمة سداسية.. نجمة داوود..
الشكل الذي عليه قدس الأقداس.. هيكل سليمان.. وهو موضوع فوق رأس
الطائر كرمز على أن هذه النجمة السداسية فوق رأس أمريكا وشعار أمريكا.
طبعًا من قام بتصميم هذا الشعار لجنة كل أعضائها هم أعضاء رسميون
معروفون في منظمة الإيلوميناتي وأشهرهم "بنجامين فرانكلين" و"جون أدامز"
و"توماس جيفرسون"
وبالنسبة كلمة النظام العالمي الجديد التي يرددونها ويدعون لها طيلة الوقت..
فهم يريدون أن يوحّدوا أفكار العالم وأزياء العالم واهتمامات العالم لتصير
كلها أمريكية.. وقد نجحوا في هذا إلى حدٍّ بعيد.. هذا واضح في أزياء الناس

والمطاعم التي يأكلون منها والأغاني التي يسمعونها.. ولا أقول أن هذا سيء
لأنني أمريكي ومن المفترض أن يعجبني هذا.. لكنني فقط أقول أنه لا توجد أمة
من الأمم نهضت بغير لغتها.. خذ اليابان كمثالٍ.. هؤلاء يفرضون لغتهم
فرضا.. خذ فرنسا وألمانيا كمثال آخر.. هل فهمت قصدي الآن؟
لازلت لا تصدق أن أمريكا دولة ماسونية وأنني ممن يطلقون عليهم "المؤمنين
بنظرية المؤامرة" والتي يلقون عليها كل مشاكل العالم؟
حسنًا.. إن الاحتفال الذي تم فيه وضع حجر الأساس لمبنى الكابيتال الأمريكي
هو احتفال تمَّ بطقوس ماسونية وأزياء ماسونية ومن كان يديره هو محفل
الميريلاند الماسوني.. وهم يعترفون بذلك ولا ينكرونه بل ويفتخرون به.
رؤساء أمريكا كلهم ماسونيون من أكبرهم إلى أصغرهم.. من أولهم حتى
"أوباما" وهذا رسميًا وليس ادعاء من عندي.. كلهم ماعدا واحد فقط هو "جون
كينيدي" الذي عندما نما إلى علمه وجود منظمة خفية تدير بلاه.. خرج في خطاب
رسمي على الملأ يهاجم فيه وجود منظمات سرية ويقول إن هذا غير مقبول
وأن على الدولة أن تحارب مثل هذه التنظيمات.. حتى إنه أراد تفتيش مفاعل
"ديمونة" النووي الإسرائيلي.. هل تدري كيف تم قتل "جون كينيدي" بعد أن ألقى
الخطاب أم تريدني أن أضيع مزيدًا من الوقت في إخبارك؟
ومن قتلوا "جون كينيدي" هم أنفسهم الذين قتلوا الملك "فيصل بن عبد العزيز"
لما قطع البترول عن أمريكا.. وهم أنفسهم الذين قتلوا "السادات".. ولا أعني بـ
"هم" نفس الأشخاص بل أعني نفس المنظمة أو منظمات تابعة لهم.. فكل
هؤلاء كانوا رجالًا كما يجب أن يكون الرجال.. وهذا الصنف من البشر واجب
القتل الفوري عند الإيلوميناتي.

ملكة جروح 12-20-2020 06:42 PM

عندما ظهرت رائحة الماسونية العفنة بدأت تخصص جزءًا كبيرًا جدًّا من أموالها
للأعمال الخيرية والمنظمات الخيرية.. وعندما أقول أموال فأنا أعني بلليين.. حتى
يُقنعوا العالم أنهم منظمة تسعى إلى الحرية والإخاء.
هناك العديد من المؤسسات الماسونية في بلادك تدعي أنها تعمل أعمالًا خيرية
فال تنخدع بها.. أبرزها نوادي الروتاري ونوادي الليونز.. لكن مهلًا.. ليس كل من
رأيته حاضرًا في أحد هذه النوادي هو ماسوني.. فهذه النوادي هي نوادي عامة
وخلال عملها الخيري على قد يستعينوا من آنٍ لآخر بشخصيات هامة كنوع من
الدعاية لحملاتهم.. وهذه الشخصيات العامة قد تكون من أنظف شخصيات
البلد.. ولايدري أيٌّ من تلك الشخصيات شيئًا عن الحقيقة المريعة التي تختفي
وراء تلك النوادي أو تلك المنظمات.. أو ربما يدري ولكنه لا يسمح لهم باستغلال
نفوذه وتأثيره إلا في عمل من أعمالهم الخيرية.
وليس كل من انضم إلى الماسونية شريرًا بالمناسبة فلا تنخدع أيضًا.. فقد سبق
ونوهت إلى أن هناك درجات كثيرة في الماسونية وأن أول ثلاث درجات فيها هي
بمثابة كشافات لأخيار من يصلح إلى الترقي بعد هذا.. ولل يكون المرء ماسونيًّا
شريرًا إلا بعد وصوله إلى الدرجات العالية.. حيث يبدأ في معرفة حقيقة المنظمة
وأنها يهودية ذات أهداف يهودية.. وأنه هو نفسه لابد أن يقسم على التوراة
وحدها.
وأي رجل لامع حاولت الماسونية أن تجتذبه وقبل الانضمام.. ثم ترَك الماسونية
في الدرجات الثلاثة الأوائل فهم لا يتعقبونه ولت يؤذونه.. لكن المشكلة فيمن
هم أمثالي ممن يحاولون أن يتركونها بعد أن يصلوا فيها لدرجات متقدمة جدًّا.
ولقد صدرت فتوى رسمية من الأزهر بتحريم الانضمام للماسونية وكل ما يتبع
لها من نوادي مثل الروتاري والليونز.. وكذلك أصدر المجمع الفقهي التابع
لرابطة العالم الإسلامي فتوى مماثلة.. وهي فتاوى طويلة تبين بشكل واضح

أهداف الماسونية الحقيقية التي تم كشفها وتحريم الانضمام لها بناء على هذا
الكشف.
والآن حان الوقت لأكشف لك معلومة هامة وعدتك بكشفها في أول حديثي
معك.. سأكشف لك اسم لعبة الأوراق التي نلعبها هذه.. وهو اسم سيدهشك
نوعًا ما.. اسمها لعبة الإيلوميناتي: النظام العالمي الجديد.. وهي متوفرة في
الأسواق العالمية بسعرٍ غالٍ نوعًا ما يقترب من الثلاثمئة دولار أمريكي.. تحتوي
على حوالي خمسمئة ورقة.. كل ورقة تحمل سرًّا.. أوراق منها تحمل سرًّا من
أسرار الزمن.. وأوراق تحكي أحداثًا غيرت مجرى الزمن.. وأوراق كتب فيها
أسرار الماسونية والإيلوميناتي.. وأوراق تحكي خططًا يود الإيلوميناتي تحقيقها.
وقبل أن نكمل أود أن أعطيك نبذة شديدة الأختصار عن وجود الماسونية
والإيلوميناتي في الميديا.. الأمثلة كثيرة جدًّا لا حصر لها لكن سأذكر لك
أهمها.. لو شاهدت فيلم ديزني "علاء الدين".. ألا تذكر أن علاء الدين لما خرج
له الجني الأزرق وقَّع معه عقدُا في ورقة طويلة ثم بدأت الأموال والنساء
ينهالون عليه.. كان سكيتش راقص كوميدي ولكنه يعبر تمامًا عن الحقيقة..
بع نفسك للشيطان يأتيك الشيطان بكل ما تشتهي.. كما أذكر ذلك النادي الذي
أنشأه "سبونج بوب" والذي كانت علامته له نفسها علامة الإيلوميناتي.
صانع هذه اللعبة هو "ستيف جاكسون".. وهو عضو في منظمة الإيلوميناتي..
وهذه المنظمة على خفائها إلا أنها مولعة بترك بصمة لها في كل مكان.. ففي
أفلام السينما تُخفي رموزها بين ديكورات المشاهد. . الهرم والعين.. المربعات
البيضاء والسوداء التي ترمز لاتحاد عالمي الجن والإنس.. المسطرة والفرجار..
ويتم دسها أيضًا في الفيديو كليبات وفي أفلام الكارتون.. وفي مئات الكنائس
حول العالم.. والخلاصة أن هذه اللعبة التي بين أيدينا هي أكثر خطوة جريئة قام
بها المتنورون لترك بصمة لهم.. فرغم أن اللعبة صدرت عام1990 إلا أن فيها

تسطيرا لأحداث حدثت بعد هذا التاريخ بكثير.. هل تود أن أخبرك بأمثلة؟ فليكن
سأخرج لك تلك األوراق.
هل ترى هذه الورقة.. إنها ورقة الإرهاب.. وعليها صورة واضحة جدًّا لبرجي
التجارة العالميين وهما يتفجران.. تذكر أننا نتحدث عن لعبة صدرت في1990 ..
أي قبل 11 سنة من انفجار البرجين فعليًّا لما اصطدمت بهم طائرتان عام 2001
في أحداث 11 سبتمبر.
هذه الورقة الثانية وهي ورقة البنتاجون.. وعليها صورة مبنى وزارة الدفاع
الأمريكية وهو يحترق.. ولقد احترق بالفعل بعد أن اصطدمت به الطائرة الثلاثة
في أحداث 11سبتمبر أيضًا عام 2001.
وهذه الورقة الثالثة هي ورقة الثورة.. وعليها صورة مبانٍ تبدو عربية بينها مبنى
طويل معلقة عليه صورة ضخمة لرئيس الدولة في رداء عسكري مبالغ فيه..
وهذا المبنى الطويل يحترق من أعلاه وتبدو البلد في حالة ثورة واضحة.. وهذه
الورقة تعبير عن الثورات العربية قبل حدوثها بواحد وعشرين سنة.. وهذا الملك
المرسومة صورته يبدو أقرب شيء لـ "معمر القذافي".
الورقة الرابعة هي ورقة الديكتاتورية.. وعليها صورة نفس البلد العربي ونفس
المبنى وصورة الرئيس نفسه في ردائه العسكري نفسه.. لكن لا توجد مبانٍ
تحترق وتبدو البلد في حالة مستقرة.. وفي هذا تعبير عن زعيم ديكتاتور عربي..
سيثور شعبه عليه.. وخذ هذا وطبّقه على أي ثورة من الثورات العربية تراها
مناسبة.
الورقة الخامسة والسادسة هي ورقة الأميرة "ديانا" وورقة "صدام حسين"..
وتشير إلى مخطط مقتلهما.. فالأولى قتلت عام1997 بعد سبع سنوات من
صدور اللعبة.. والثاني قُتِل عام 2006 ..بعد 16 سنة من صدور اللعبة

ملكة جروح 12-20-2020 06:44 PM

وهناك أوراق لأمور لم تتحقق بعد مثل كارت الكارثة.. وعليه صورة تدمير برج
"جينزا واكو" الشهير في طوكيو.. وتبدو الساعة المميزة أعلى البرج واضحة
وهي تنفجر والناس تجري مذعورة من تحتها.
لكني تعلمت أن أتعامل مع هذه الأوراق تعامُلًا مختلفًا.. تعامُل ساحر يأمر الجان
وينهاهم.. ولقد شكَّلت من هذه الأوراق تعاويذ خاصة يتم تفعيلها لما أضعها
بترتيب معين.. تعاويذ تخدم الغرض الذي عزمت على فعله.. وهو كشف الحقيقة
لك أنت.. وللعالم كله من بعدك.
والآن يجب علينا أن نكمل.. فكل شياطين العالم والأيلوميناتي والماسونية
والسحرة وكل شرور العالم تطالب برأسي الآن.. ولقد باتت رأسي قريبة جدًّا
منهم كما أرى.. فلتعلم أنه علينا أن نكمل.. ولنترك هذه الأحاديث جانبًا.
أنت الأن عرفت كيف بدأ السحر في هذا العالم.. كيف نزل "لوسيفر" وعلَّمه لأول
ساحر في التاريخ وهو النمرود.. ثم عرفت كيف استشرى السحر في أهل بابل
حتى صار سحرتهم يحكمونهم بالشر.. وعرفت كيف أنزل الله "هاروت"
و"ماروت" ليعلما الناس السحر المضاد.. ثم عرفت كيف بعث الله النبي العظيم
سليمان ليقتل كل السحرة.. وعرفت كيف احتال الجن ودفنوا كتب السحر
والعلوم الشيطانية تحت عرشه.. ثم بعد أكثر من ألف سنة نزل الشيطان
"بافوميت" إلى تسعة فرسانَ فرنسيين يهود وأخبرهم بمكان كتب السحر
والعلوم فاستخرجوها.. وكونوا من بعد استخراجها منظمة كانت أغنى منظمة
في أوروبا.. منظمة فرسان الهيكل.. والتي غيرت اسمها لاحقًا إلى المنظمة
الماسونية.. التي كانت المنظمة الأم التي تفرعت عنها العديد من المنظمات
الأخرى السرية.. وعرفت أن أهم إنجاز من إنجازات تلك المنظمة كان إنشاء دولة
أمريكا.
بالتوازي مع كل هذا تابعت حركة الأفعى الشيطان "سيربنت" وهو يفسد عقيدة
اليهود ثم يفسد عقيدة المسيحيين ثم يفسد عقيدة المسلمين.. ويُخرج من

عباءة كل عقيدة عدة طوائف.. وقد حان الوقت الآن لتجتمع الماسونية مع الأفعى
"سيربنت".. لتتعلم إنجازات أخرى خطيرة قامت بها المنظمة.. وقام بها
"سيربنت".. إنجازات كانت البداية في طريق الغاية العظمى.. سواء للمنظمة أو
للشياطين.. بناء هيكل سليمان المقدس.. ولن تعرف لماذا يود هؤلاء وهؤلاء
بناء هذا الشيء اللعين إال بعد حين.
لدينا على طاولتنا هذه المرة اثنتا عشرة ورقة.. يبدو عددًا كبيرًا.. تنتظرنا حكاية
شديدة الدسامة دعنا نرى..
الورقة الأولى هي ورقة إنجلترا وعليها صورة نبيل إنجليزي سعيد ووراءه تبدو
ساعة بيج بن الشهيرة..
الورقة الثانية هي ورقة الرشوة وعليها صورة يدين تصافحان بعضهما
وبداخلهما نقود خضراء..
الورقة الثالثة هي ورقة قوة الناس.. وعليها صورة أيادٍ كثيرة مرفوعة تبدو
وكأنها لأناسٍ في ثورة..
الورقة الرابعة هي ورقة بنك إنجلترا وعليها صورة ماكينة صرف عمالقة تبدو
مليئة بالنقود..
الورقة الخامسة هي ورقة الثورة المضادة وعليها صورة لأفراد عسكريين
يكيلون اللكمات لرجال مدنيين..
الورقة السادسة هي ورقة ألمانيا وعليها صورة المصانع الألمانية وسيارة
الفولكس فاجن..
الورقة السابعة هي ورقة فرانكفورت.. وعليها صورة ليلية لمدينة فرانكفورت
الألمانية..
الورقة الثامنة هي ورقة فرنسا وعليها صورة برج إيفل من زاوية سفلية..

الورقة التاسعة هي ورقة دعهم يأكلون الكعك.. وعليها صورة نبيل فرنسي
ونبيلة فرنسية تحمل طبقًا عليه كعك مأكول..
الورقة العاشرة هي ورقة الدائنين الأشرار وعليها صورة رجلين أحدهما يبدو
غاضبًا متعسّفًا دائنًا والآخر يبدو خائفًا مذعورًا مديونًا من الرجل الغاضب..
الورقة الحادية عشرة هي ورقة الإشاعات..
الورقة الثانية عشرة هي ورقة السم.
إن "سيربنت" هو الذي سيحكي لك الحكاية القادمة.. لكنه هذه المرة يزحف
في أوروبا.. وسيحكيها بطريقة مبتكرة..

ملكة جروح 12-20-2020 06:49 PM

فيلم أخرجه شيطان..
1648 بعد االميلاد– 1800بعد الميلاد


في ظلمة هذا الليل البهيم البارد.. سكتت كل الأصوات في أذنك ولم تعد تسمع
سوى صوت فحيحي واهتزاز لساني المشقوق في الهواء.. وييدو أن فحيحي قد
تركك في حالة من الخدر المندهش مما سمعته من أمري.. لكني اليوم قد
أعددت لك قبسات من الأسرار قد لا يقدر عقلك البشري المحدود على استيعابها
كلها.. سأجهز لك أطيب شراب دافيء تحب.. وسألتف حول رقبتك لأدفئها..
وسأريك في هذه الليلة عجبًا.. ولأنك إنسان حديث فسأتعامل معك بأساليبك
الحديثة هذه المرة.. لقد جهزت لك فيلمًا وثائقيًّا شيطانيًّا لن تراه في أي مكان
إلا في مكتبتي.. مكتبة الثعبان.. استرخ يا صديقي على هذا المقعد.. وانظر إلى
تلك الشاشة الحديثة أمامك.. واستمع إليَّ جيدًا.. فسأحكي لك كمالة قصتي..
بأسلوبك العصري الذي تألفه.
بدأت الشاشة عملها وبدأت تعرض لك مشهدًا مهيبًا.. أناس مجتمعون في أحد
الشوارع.. عرفتَ من نظرتك إلى ملابسهم أنهم في زمن قديم ما.. دعني أوفّر
عليك مشقة الظن.. هؤلاء شعب إنجلترا.. هل ترى كيف يقفون في صمتٍ فلا
تسمع حتى حركة أجسادهم.. إنهم ينتظرون الملك.. وبكلمة أكثر دقة.. هم
ينتظرون إعدام الملك.. الملك "تشارلز".. إنهم يحبونه ويبدو أنه قد فُرِض عليهم
حكم إعدام ملكهم هذا فرضًا.. وفجأة فُتِح باب خشبي.. وظهر على عتبته
رجل.. يرتدي ملابس ملكية وقبعة ملكية.. وبدأ الرجل يمشي على جسرٍ خشبي
ارتفاعه يحاذي رؤوس الناس.. إنهم ينظرون له بصمت مهيب.. بعضهم يبكون
وبعضهم يئنون.. بعضهم يمد يده ليلمس قدم الملك وهو يمشي على الجسر..
وصل الملك إلى نهاية الجسر.. وهاهو ينظر إلى عتبة عليها قماش أبيض.. يقف
بجوارها رجل قوي البنية يمسك ببلطة حادة.. لابد أنك فطنت ما هية هذه العتبة..
لقد كانت المكان الذي سيضع الملك عليه رأسه ليقطعها صاحب البلطة.
هذا الملك يتصرف بأنَفة عجيبة.. حقًّا هكذا يكون الملوك ملوكًا حتى في
إعدامهم.. وهاهو يضع رأسه على العتبة.. ويقول بلهجة آمرة لحامل البلطة :

- انتظر إشارتي.
حقا يعجبني هؤلاء الملوك الذين يظلون ملوكًا حتى آخر ثانية في حياتهم..
وهاهو يعطي الإشارة للرجل.. وها هي البلطة تنزل على رأس الملك "تشارلز"
لتقطعها.. ويضج الجمهور بالأنين والبكاء وتحدث جلبة.. يُسكتها رجل بزي
قيادي يضع يده على دماء الملك ثم يرفع يده للجمهور ويقول :
- هل رأيتم؟ إن دماءه حمراء مثلنا وليست زرقاء.. ليس موفدًا من عند
الله كما كان يقول.
وركزت الكاميرا على وجه ذلك الرجل قليلًا.. هذا الرجل يدعى "كرومويل"..
وعلى طريقة أفلام هوليوود التي تحبها تموهت صورة "كرومويل" هذا لتظهر
لك لقطة من الماضي.. لقطة لهذا الرجل وهو يكتب رسالة موجهة لجهة لا
تعرف ما هي.. جاء في الرسالة "سوف أدافع عن قبول اليهود في إنجلترا مقابل
المعونة المالية.. ولكن ذلك مستحيل طالما الملك تشارلز لازال حيًّا.. وال يمكن
إعدام تشارلز دون محاكمة".. ثم عرضت لك الشاشة لقطة أخرى لهذا الرجل
وهو يتسلم خطاب الرد فيما يبدو.. وقد فتحه ليجد رسالة جاء فيها " سوف نقدم
المعونة المالية حالما تتم إزالة تشارلز ويُقبل اليهود في انجلترا.. يجب أن تدبر
طريقة تُهرِّب بها تشارلز ثم تقبض عليه.. وبهذا يكون هناك سبب مقنع
للمحاكمة"
والأن أخذتك الشاشة للقطة أخرى من الماضي.. إنه الملك "تشارلز" نفسه.. وهو
يجلس على منصة خشبية تتوسط قاعة مليئة بالرجال ذوي الملابس الرسمية..
إنها محاكمة الملك "تشارلز".. إن "كرومويل" قد نفّذ ما أملته عليه الرسالة التي
تلقاها.. ودبر هروب الملك "تشارلز" والقبض عليه والآن ها هو يحاكم.. قال له
المتحدث :

- ما قولك في التهمة الموجهة لك وهي إساءة استعمال السلطة
المعطاة لك من قبل القانون الذي..
قاطعة الملك "تشارلز" وقال في كبرياء ملك:
- عن أي قانون تتحدث.. من أنت أصلًا حتى تتحدث عن القانون.. أنا الملك
هنا وكل الرجال في هذه القاعة رجالي وأنت منهم.
قال "كرومويل" بلهجة قوية :
- أنت تحاكم هنا لأنك أسأت استخدام سلطتك وتسببت في كبت حرية
الشعب الذي..
قاطعه الملك في عزم :
- أنا أعرف عن حرية شعبي أكثر مما يعرف عنها أي واحد منكم.. إن
حكومة يديرها برلمان ويسيطر عليها الجيش هي أسوأ طغيانًا من
أي طغيان تزعمون أنه صدر منِّي على الإطلاق.
يبدو أنك بدأت تُعجَب بشخصية هذا الملك.. للأسف كان الرجال من حوله هم
رجال البرلمان البريطاني المعارضين له.. وكان "كرومويل" هذا رجال منهم وهو
أشد المعارضين للملك.. وتلك الرسائل التي كان يتلقاها ويرد عليها كانت من
أصحاب الذهب والمال اليهود.. اليهود الذين طُرِدوا من إنجلترا قبل 400 سنة
وصمموا على العودة إليها ثانية ولو بعد حين.. فأغروا "كرومويل" هذا بالمال
لينقلب على الملك.. وها هي الشاشة تعرض لك "كرومويل" وقد أسقط الملكية
البريطانية وأعلن الجمهورية.. وأصبح هو رئيس بريطانيا.
وكما تنبأ الملك "تشارلز" تمامًا.. كان حكم الجمهورية الجديدة ديكتاتوريًّا
متعسّفًا.. وهاهو "كرومويل" ينفذ وعده لليهود ويجمع عددًا من الفقهاء

والمثقفين ويناقشهم بحماس في إعادة اليهود إلى البلاد.. وقد أظهرته شاشتنا
وهو يقول :
- لابد من تبشير اليهود بالمسيحية.. فكيف نبشرهم ونحن لم نستطع
حتى أن نحتمل عيشهم بيننا؟
ردَّ عليه أحد الحاضرين:
- هؤلاء اليهود سينتزعون التجارة منا وسيحتكرون الثروة.
ومع أنه لم يُصدر مرسومًا بعودة اليهود إلى البلاد إلا أنه سمح لهم بالدخول إلى
في صمتٍ.. انتقلت بك الشاشة إلى مشهد عجيب.. مشهد لجثة متحللة.. معلَّقة
من رقبتها إلى منصة خشبية ذات شكل مميز.. واقتربت الكاميرا من وجه الجثة..
إنها جثة رجل.. لو دققت النظر سترى أن هذا هو "كرومويل".. تسألني لماذا
جثته متعفنة على هذا النحو؟ إن جثته متعفنة لأنه بعد أن مات ودُفِنَ في قبره..
صعد إلى العرش "تشارلز" الثاني ابن الملك "تشارلز" الأول.. وعادت الملكية إلى
بريطانيا بعد أن فشلت فيها الجمهورية وأمر "تشارلز" الثاني بأن يخرج كل
المتآمرين على أبيه من قبورهم ويعلقوا مشنوقين على مشنقة تايبيرن.. ولو أنك
زرت لندن في يوم ما وزرت شارع إدجوار الملقَّب بشارع العرب.. فستجد في
بدايته دائرة تشير إلى مكان هذه المشنقة.. هنا عُلق الخونة من رؤوسهم.. لكن
الشاشة عرضت لك منظرًا لرجال يلفهم السواد والظلام.. رجال ليسوا راضيين
عما آلت إليه الأمور.. هم اليهود أصحاب المال والذهب.. اليهود المرابين.. ورغم
أنهم نجحوا في الدخول لبريطانيا بعد أن طُرِدوا منها إلا أن خططهم كانت أبعد
من مجرد دخول البلد.. كانت خطتهم تقضي بالسيطرة على اقتصاد البلد.. ومن
ثم استعباده.
اقتربت الكاميرا من هؤلاء الرجال أكثر.. ثم وضعت لك الشاشة أسفل هؤلاء
الرجال رجال آخرين كثيرين جدًّا أصغر منهم حجمًا.. وظهرت على الشاشة

كلمة "الشعب اليهودي".. ثم ظهرت لك خريطة أوروبا.. وبدأ الفيلم في الشرح..
لقد طُرد هؤلاء اليهود منذ 400 سنة من بريطانيا ثم من هولندا ثم من البرتغال
ثم من النمسا ثم من فرنسا وسكسونيا وتشيكا وهنغاريا وأخيرًا من إسبانيا..
لماذا طُردوا؟ لأنه قد ظهر فسادهم في البر والبحر.. ثم اقتربت الشاشة من
مجموعة الرجال الكبار الذين في الأعلى وظهرت عليهم كلمة "أغنياء اليهود
المرابين".. وأظهرت لك الشاشة على وجوههم تعبيرات غاضبة.. ثم أكمل لك
الفيلم الشرح.. صمم أولئك الأغنياء على الثأر لشعبهم.. وكانوا زعماء ماسونيين
كلهم.. وخرج سهم من الرجال العلويين والسفليين إلى هولندا.. وسهم آخر
إلى ألمانيا.. لقد عادوا أول ما عادوا إلى هاتين الدولتين.. لأن الدولتين كانتا الأكثر
تساهلًا.
اقتربت الكاميرا من هولندا وحركت لك الشاشة الرجال العلويين إلى هولندا..
ووضعت لك الشاشة بجانب كل رجل منهم امرأة هولندية.. نعم لقد تزاوج
المرابون اليهود في هولندا من الشعب الهولندي وكونوا لهم أسرًا هناك.. ثم
ركزت الكاميرا على رجل من المرابين اليهود هؤلاء وأظهرت لك اسمه..
"مناسح بن إسرائيل".. وأسرته من أكبر الأسر الهولندية في هولندا.. ثم أظهرت
لك الشاشة تحته شخصًا آخر كتبت لك اسمه "ويليام ".. هذا هو ابن "مناسح"..
ثم حركت لك الشاشة "ويليام" هذا من هولندا إلى بريطانيا.. وأظهرت لك
الشاشة بجواره امرأة بريطانية.. وفوق المرأة بالضبط أظهرت لك الشاشة رجلًا
سمته "دوق يورك".. نعم لقد تزوج "ويليام" من ابنة الدوق "يورك".. ومن هو
الدوق يورك هذا؟ هذا هو الرجل الذي أصبح ملك بريطانيا بعد وفاة "تشارلز
الثاني".. هل رأيت كيف اقترب اليهود من عرش بريطانيا؟ لكنك لم ترَ شيئًا بعد.
ها أنت ترى على الشاشة منشورات كثيرة ومقالات صحفية كثيرة تشوه سمعة
ملك البلاد الدوق "يورك".. حتى إنه هرب إلى فرنسا.. والآن عرضت لك الشاشة
الملك الجديد لبريطانيا.. "ويليام" ابن المرابي اليهودي "مناسح".. وعرضت لك

ملكة جروح 12-20-2020 06:56 PM

الشاشة الان رجالًا ونساء على خريطة بريطانيا.. وكتبت تحتهم "أسر ملكية
بريطانية".. ثم رسمت عليهم علامة خطأ حمراء كبيرة.. ووضعت على جانب
الشاشة الآخر رجالا ونساء آخرين وكتبت تحتهم " أسر ملكية يهودية"..
وفوقهم وضعت لك الشاشة رجلًا واحدًا هو "ويليام".. فكل العائلة الملكية
البريطانية تم استبدالها بسلالة أخرى يهودية هي التي ينحدر منها كل ملوك
بريطانيا حتى هذا اليوم.. سلالة يهودية.
لكنك لم ترَ شيئًا بعد.. عرضت لك الشاشة كنيسة من الخارج.. ثم اقتربت بك من
بابها المغلق بإحكام.. وعبرت بك الكاميرا عبر الباب المغلق لتدخل بك إلى الداخل
لترى "ويليام" وهو جالس على مائدة واحدة مع مجموعة من الرجال.. هؤلاء هم
مندوبون عن كبار المرابين اليهود.. فلتنظر ماذا سيفعل "ويليام" معهم الأن..
إنهم يكتبون عدة أوراق.. عرضت لك الشاشة هذه الأوراق.. الورقة الأولى هي
قرض استدانه "ويليام" من المرابين اليهود قيمته مليون وربع جنيه استرليني..
ولإعطائه هذا القرض الضخم أيامها كتب اليهود شروطًا شيطانية.. وهي التي
أظهرتها لك الشاشة في الورقة الثانية.. خلاصتها.. أن تبقى أسماء مانحي
القرض سرية أبد الدهر.. وأن يعطى مانحو القرض تصريحًا بإنشاء بنك إنجلترا..
وأن يُمنَح مديرو بنك إنجلترا هؤلاء حق إصدار العملة وتحديد سعرها وتحديد
سعر الذهب.. ولتسديد القرض المعطى لـ "ويليام" وتسديد فوائده تلتزم
الحكومة بفرض ضرائب مباشرة على الشعب البريطاني.. وفي النهاية أظهرت
لك الشاشة تاريخ منح القرض وهو 1660 ..ثم كتبت لك الشاشة بجانب هذا
التاريخ تاريخًا آخر.. 1950..وعرضت لك الشاشة حالة القرض.. لقد تحول الدين
من مليون وربع.. إلى 22 مليون جنيه استرليني.. تدين بها بريطانيا للمرابين
اليهود.. وهكذا ركب اليهود الحمار البريطاني.. وظهرت لك خريطة أوروبا..
وظهر لك عليها ثعبان.. هذا أنا ألم تعرفني؟ وها هي الشاشة تحرك لك الثعبان
من إنجلترا إلى فرنسا.
185
وهاهي الكاميرا تنزل بك كما تنزل الطائرات على أوروبا وتقترب وتقرب حتى
تظهر فرنسا.. ولكن الكاميرا لم تدخل فرنسا.. بل حادت عنها قليلًا ونزلت في
الطريق المؤدي من فرانكفورت الألمانية إلى باريس.. طقس ممطر.. الرعد
يدوي كما يجب أن يدوي الرعد.. وفارس على جواده الأسود يركض وسط كل
هذا متجهًا إلى باريس.. ثم أبرقت السماء فوقه حتى خُيّل إليك أنه الظهر.. ثم
دوى صوت كارثة.. ونزلت صاعقة رعدية في غاية القسوة من السماء إلى
الأرض.. فتابعتها بنظرك تلقائيا لترى ماذا ستصيب.. لقد أصابت الصاعقة ذلك
الفارس الذي كان يركض بفرسه بسرعة محاولا الهرب من هذا الغضب
االإلهي.. لا تكلف نفسك بمحاولة معرفة ما الذي حدث له بالضبط.. لقد أصابته
الصاعقة فاحترق هو وجواده فماتا فسقطا على الأرض.. ثم عرضت لك الشاشة
مشهدًا لرجلين من رجال الشرطة يمران من ذلك الطريق بعد انتهاء المطر
والرعد وهاهما يريان الرجل الميت.. وهاهما يحملانه.. وهاهما يسلمان
أغراضه إلى مركز الشرطة القريب.
ويبدو أن هناك توترًا كبيرًا حدث في قسم الشرطة بعد فحص أغراض الرجل..
لقد كان يحمل وثائق غاية في الغرابة.. وثائق مرعبة.. ولأن فضولك قد اشتعل
أنت أيضًا لمعرفة ما هية تلك الوثائق فقد اقتربت بك الكاميرا من حقيبة الرجل
الموضوعة على إحدى طاولات قسم الشرطة.. ثم عرضت لك الشاشة الوثائق
الموجودة بداخلها ورقة ورقة.. أعرفك لا تحب القراءة والثرثرة.. لذا سأخبرك
أنا بالخلاصة.
لقد كانت هذه أوراقًا مرسلة من رجل يدعى "روتشيلد" رئيس أحد المحافل
الماسونية في فرانكفورت بألمانيا إلى السيد الأعظم للماسونية الفرنسية في
باريس الدوق "دورليان".. كانت الوثائق نسخة مصغرة من بروتوكولات حكماء
صهيون لو كنت قد قرأتها.. وملخص ما جاء في هذه الوثائق هو التحدث
بشكلٍ عامٍ عن مؤامرة ثورية عالمية لإسقاط كل عروش أوروبا.. وتتحدث عن

عيوب الثورة الإنجليزية وبطئها.. وعن خطط كاملة لإشعال ثورة عارمة في
فرنسا.
وتتحدث الوثائق بشكل عام عن أن الديمقراطية شيء وهمي وأن المُلك
الاستبدادي للشعب هو الحل.. ولذلك ينبغي تصدير فكرة الديمقراطية الوهمية
تلك إلى جميع شعوب أوروبا فينقلبون على ملوكهم.. ولكن هذا لن يصلح إلا
بتدبير أزمة اقتصادية حادة في تلك البلدان.. واليهود أساتذة كبار في تدبير
الأزمات الأقتصادية لأنهم مالكو المال والذهب.. فيظن الناس أن ملوكهم
المستبدين هم السبب في فقرهم.. وأن الديمقراطية هي الحل.. وتقول الوثائق
إنه ليس مهمًّا من الذي سينتصر في هذه الثورات.. فالمنتصر حتمًا سيحتاج إلى
المال.. ونحن وحدنا من نملك المال.. فسنقدم له غصنًا يتعلق به قبل أن يغرق..
فإن تعلق به صار عبدًا كما صارت بريطانيا عبدة.. وإن تركه غرق.. هذا ملخص
ما جاء في تلك الوثائق التي اكتشفتها السلطة في حقيبة ذلك الفارس.
ربما يبدو اسم "روتشيلد" الذي أرسل هذه الوثائق مألوفا لك.. إن "روتشيلد" هي
أغنى عائلة على وجه الأرض.. بل على وجه التاريخ كله.. وهم عائلة يهودية من
كبار المرابين اليهود.. ورغم أنهم لم يكونوا من العائلات التي دبَّرت الثورة
الإنجليزية.. إلا أنهم دبَّروا كل ثورة حدثت بعدها.. ذلك لأن "روتشيلد".. مهلًا..
لماذا أثرثر لك؟ يمكنك أن تتابع وترى بنفسك.
يعرض لك الفيلم الآن محلًّا صغيرًا للصرافة في فرانكفورت بألمانيا.. اقتربت
الكاميرا من المحل.. يمكنك أن تلاحظ علامة مميزة أعلى المحل.. علامة الدرع
الأحمر.. وهاهي الكاميرا تدخل بك إلى الداخل.. رأيت رجلًا بالداخل كتبت لك
الشاشة اسمه "آمشل موسى باور".. يهودي كان صائغًا والآن فتح محلًّا
للصرافة.. حادت الكاميرا عن اليهودي لتصور لك ابنه الصغير "آمشيل ماير باور"
والذي يقف بجانب والده ويتابع ما يقوم به في شغف حقيقي.. وعلى طريقة
الجرافيكس ركزت الكاميرا على وجه الطفل فبدأ يتحول تدريجيًّا إلى وجه شاب

يافع.. ثم ابتعدت عنه الكاميرا لتراه يدخل إلى مصرف أوبنهايمر.. لقد كبر
الطفل الآن وصار كاتبًا في هذا المصرف.. لكنه كان بارعًا.. بارعًا جدًّا.. حتى إن
المصرف قد جعله شريكا جزئيًّا فيه.
عادت الآن بك الكاميرا إلى المحل ذي الدرع الأحمر إياه في فرانكفورت.. ورأيت
الشاب يفتح المحل.. لقد مات أبوه وقد قرر أن يستأنف أعمال أبيه بعد أن صار
غنيًّا.. نظر الشاب إلى الدرع الأحمر بالأعلى.. وقرر من يومها أن يسمي عائلته
"روث شيلد" وتعني بالألمانية الدرع الأحمر.
ولشدة براعة "روتشيلد" فقد استمر في أعماله وعظُمت ثروته أكثر فأكثر حتى
صار من أغنى أغنياء ألمانيا.. وهاهي الكاميرا تعرض لك "روتشيلد" بعدما صار
رجلًا وهو يجتمع مع اثني عشر رجلًا آخرين من المرابين اليهود.. كان يشرح لهم
شفهيًّا كل ما لخصته لك في الوثائق.. كان يريد إشعال ثورات عالمية تجتاح
أوروبا وأمريكا وروسيا.. بل إنه كان يريد ماهو أكثر من ذلك.. وليس هذا معرض
الحديث في هذا الأمر الآن.. أنت قد عرفت من هو "روتشيلد".. وعرفت أن وثائقه
التي أرسلها تم كشف أمرها.. فماذا حدث بعد ذلك؟
نحن الآن في باليه رويال بفرنسا.. من أعظم القصور الملكية في التاريخ.. تعال
لندخل معًا بكاميرا الفيلم من بوابة القصر المهيب.. لكن عليك أن تحفظ عينيك
يا صديقي.. فالمقطع القادم من الفيلم غير خاضع للرقابة أو Uncensored ..
أنت تدخل معنا الآن إلى حفلة متحررة.. من كل شيء متحررة.. من الحياء
متحررة.. ومن الأعراف متحررة.. ومن الأحترام متحررة.. حفلة يراقص الرجال
فيها نساء خلعن ثوب الحياء عن أجسادهن وصدورهن.. يشربون جميعًا نخب
الانحلال.. ويطلقون على أنفسهم اسم ثوريين.. لأن الثوري الحق في رأيهم هو
أكثر الناس تجرُّدًا من الأخالق.. دعك من هذا كله وانظر معي إلى بضعة وجوه
حاضرة هذا الحفل.. وركز فيما سأقوله لك جيدًا.. فلست أنوي أن أعيد كلامي
مرتين.

انظر أولًا إلى ذلك الرجل الواقف هناك.. ركزت الكاميرا معي على شخص يرتدي
مالبس لها طراز مالبس المهمين.. ضخم الوجه والأنف.. في وجهه ندوب.. لم
يكن جذابًا.. لذلك ستستغرب هذه الحسناء المتحررة التي تتأبط ذراعه بطريقة
فاسقة.. هذا الرجل هو الكونت دي "ميرابو".. وهذه السيدة الحسناء المنحلة
هي عشيقته مدام "هيرز".
هذا الرجل الأربعيني ذو الشعر الكبير الخشن هو الأصل الذي تفجرت منه الثورة
الفرنسية كلها.. مغرقًا في الديون كان.. علاقاته النسائية أكثر من أن يتذكرها
هو نفسه.. خطيبًا مفوها كان.. شديد التأثير والإقناع.. لسانه قادر على إقناعك
بأي سخافة يريدك أن تقتنع بها.. ولهذا صار صديقًا لمعظم طبقة النبلاء.. أضف
إلى ذلك أنه كان ثوريًّا معارضًا للنظام.
استدارت الكاميرا ومرت بك عبر العديد من المنحلين.. حاول أن تغض بصرك حتى
تستطيع التركيز معي.. أعرف أن ما يحدث من فسق يفوق الحد ولكن أيقظ
عقلك قليلًا معي وأطفئ أي شيء آخر.. والآن توقفت الكاميرا بك أما م رجل ذي
شعر أبيض وفراغات على جانبي جبينه تميز الشروع في الصلع.. وملابسه تميز
الملوك والزعماء.. هذا الرجل هو الدوق "دورليان".. ابن عم ملك فرنسا الحالي
"لويس" السادس عشر.. وهذا القصر المنيف هو قصره.. وهاهو يترك من
كانوا يحادثونه ويتجه ناحية الكونت دي "ميرابو" الذي كان لا يزال يلاعب الحسناء
في إباحية.
سأخبرك بالسر.. لقد تقرب المرابون اليهود من الكونت دي "ميرابو" لكونه
الرجل الوحيد القادر على تهييج الجماهير فكان يصلح أن يكون زعيم الثوار بلا
منازع.. ولأنه كان مغرقًا في الديون فقد أقرضوه أموالًا وسددوا له دَينه.. ولكن
كعادة اليهود.. لا يقترض منهم أحد شيئًا إلا وتضاعفت ديونه حتى صارت
كالجبل.. كان هذا هو حال "ميرابو" وهو واقف في هذا القصر الآن.. ولقد
عرفه اليهود بمدام "هيرز" المتزوجة المنحلة لتكون له لهوًا وشغلًا.. وهكذا

بالأسفل عبارة متلألئة "العقد الماسي".. ثم كتبت بجانب العبارة قيمة العقد.. 2
مليون ليرة فرنسية.
والآن انتقلت بك الكاميرا بعيدًا عن قصر فرساي وطارت بك إلى قصر ملكي
آخر.. قصر ملك فرنسا.. وبالداخل كان هناك مشهد غريب نوعًا ما.. دخلت بك
الكاميرا عبر إحدى النوافذ لترى سيدة يشابه ثوبها ثوب السيدة التي رأيتها في
حديثة قصر فرساي منذ قليل.. دارت الكاميرا حول السيدة التي كانت تحادث
شخصًا ما بحدة لترى وجهها بوضوح.. كتبت لك الشاشة بالأسفل "ماري
أنطوانيت الحقيقية".. ثم بدأ الفيلم يزيد لك من درجة الصوت لتسمع المحادثة..
كانت الملكة "ماري" تقول للرجل الذي أمامها بحدة :
- أنا لم أشتري هذا العقد يا هذا وليس لي علم بأي ورقة سخيفة تريد
أن تريني إياها فلم أكتب أي أوراق تخص عقدا أو غير عقد.. وهيا
انصرف من أمامي قبل أن آمر الحراس أن يُخرجوك بالقوة.
- معذرة ياسيدتي لكنك مطلوبة للمحاكمة العليا
ثم هرعت بك الكاميرا إلى قصر فيرساي مرة أخرى بسرعة.. لتجد الفتاة
المزيفة تأخذ العقد من الرجل شاكرة ثم تنصرف.. وفي أحد البيوت الباريسية
رأيت الفتاة المزيفة تخرجه ثم تسلمه لفتاة أخرى جميلة تدعى "جين".. والتي
كانت تبتسم في سخرية وتنظر إلى عظمة لألأة هذا العقد.
والان بدأ الفيلم يفسر لك كل هذه المشاهد.. إن اليهود كانوا قد بدأوا حملة
واسعة للتشهير بالملكة "ماري أنطوانيت" وتلطيخ سمعتها في الوحل
كعادتهم إذا أرادوا أن يثيروا شعبًا أهوجَ على مليكه.. أشاعوا أن الملكة تقيم
علاقة محرَّمة مع رجلٍ من رجال الكنيسة يدعى "روهان".. وأن "روهان" هذا قد
اشترى لها عقدًا ثمنه 2 مليون ليرة هدية في ظِل الأزمة الاقتصادية الرهيبة
التي تمر بها البلاد لتقبل أن تسلمه مفاتنها الملكية.. على الجانب الاخر فالفتاة
المزيفة تلك كانت شبيهة بالملكة ماري وقد دبَّر اليهود لقاء تلك المزيفة مع

"روهان" أكثر رجال الكنيسة فسادًا.. في البداية زيفوا له رسائل حب موجهة
منها إليه بخطها.. ثم زيفوا بخط الملكة وتوقيعها رسالة له تطلب فيها منه
أن يشتري باسمه لصالحها عقدًا ماسيًّا يكون أغلى من أغلى عقد في أوروبا لو
أراد أن يتمتع بمفاتنها. . لأنه لايمكنها أن تشتريه بنفسها خوفًا من غضب
الشعب وستنقده ثمنه لما يأتيها به.. هرع الرجل الفاسد إلى جوهريٍّ شهير
ووصف له العقد.. صنع الجوهري العقد.. اتفق "روهان" على دفع ثمنه بالأجل..
قدَّم "روهان" العقد للفتاة المزيفة ظنًا منه أنها الملكة.. أعطته الفتاة ما أراد
من مفاتنها.. أعطت الفتاة العقد لسيدتها مدبرة المؤامرة "جين".
لما جاء أجل الدفع.. اختفت الفتاة المزيفة.. وجن جنون "روهان".. أرسل للملكة
"ماري" رسالتها له بالتعهد بالدفع.. أنكرت الملكة معرفتها به أصلًا.. رفع
الجوهريُّ قضية في المحكمة.. تمَّت المحاكمة.. تأكدت المحكمة من زيف
الرسائل.. وقبضت المحكمة على "جين" مدبرة المؤامرة وطبعوا على كتفها
حرف" V " دلالة على أنها لصة.. ورغم أن الملكة "ماري" خرجت من هذه الدوامة
بريئة إلا أن اليهود خلال وبعد المحاكمة نشروا أخبارًا مكذوبة عنها تفيد بأنها
تستخدم نفوذها وبأنها مسرفة.. وبأنها ذات يوم سُئلت لماذا شعب فرنسا
غاضب، فقيل لها لأنهم لايجدون مالًا لشراء الخبز، فقالت وماالمشكلة
فليأكلوا الكعك إذن.. كل هذه الأكاذيب وغيرها هيجت الشعب الفرنسي هياجًا
لا هدوء بعده ولا هدنة.. وانطلق الثوار إلى شوارع المدينة يطالبون بالرؤوس.
والآن قد حان أوان قطف الرؤوس.. ويبدو أن رؤوسا كثيرة تم قصها في تلك
الأحداث.. اختارت لك الكاميرا مشاهدة إعدام الملكة "ماري أنطوانيت".. هاهي
الملكة تمر بين الحشود الغاضبة بعربة مكشوفة.. والحشود يرمونها بالأوساخ
وبكل ما أمكن أن يرمونها به.. وهاهي تصل إلى مقصلتها.. لقد بدأوا يقصون
لها شعرها الطويل.. ثم وضعوا رأسها الصغير في المكان المخصص له في
المقصلة.. وقبل أن يضع الجلاد رأسها التفتت له وقالت :

- معذرة لا تؤاخذني
فقد داست على قدمه خطأ وهو يقودها إلى المقصلة.. وهاقد اقتادتك الكاميرا
المتحمسة إلى مشهد آخر تشبع به فضولك.. إنه موكب عظيم مهيب.. الملك
لويس على عربته الملكية المذهبة في كامل أبهته وبهائه.. وهاهو ينزل من
العربة ويتجه إلى المقصلة.. وهاهي تنزل على رأسه الملكية فتقطعها ولما
سالت دماء رأسه على الأرض ركض الغوغاء إليها يدوسون على الدماء
بأقدامهم إظهارًا لكرههم الشديد له.. الكره الذي غذته ببراعة آلة الإعلان
الماسونية التي لو وضعت شخصًا نصب عينها أهلكته.
ثم قفزت الكاميرا لك فترة من الزمن.. فبعد أن نُصِّبَ الدوق "دورليان" على عرش
فرنسا بعد نجاح الثورة كما خطط المخططون.. قرروا أن ورقته قد احترقت وأن
دوره قد انتهى.. وبدون خوض في التفاصيل التي ستبدو لك مكررة.. هاهي
الكاميرا تصوره في داخل عربة مغلقة يمشي بين الجماهير ويسمع سبابهم
وسخطهم على فضائحه المزعومة.. وينظر لهم باكيًا غير قادرٍ على الرد.. حتى
وصل إلى المقصلة فنظر لهم نظرة باكية أخيرة ثم وضع رأسه بداخل المقصلة
بذل.
أما "ميرابو" فبعد أن فطن أن السيناريو تكرر مع الدوق "دورليان".. عرف أن هذه
كانت مؤامرة للإطاحة بالنبلاء جميعًا وليس لتطهير السياسة الملكية كما كانوا
يزعمون.. ولكنه لما فطن فطن اليهود بأن رأسه قد أينعت وقد حاد أوان قطفها
هي الأخرى.. ولكن لم يكن لديهم الوقت للتشهير به والبدء في نفس الفيلم
المكرر.. فوضعوا له السم فمات.. وأظهروا موته على أنه حادثة انتحار.
وكان هناك شخصان لم ترهما في الفيلم لكنهما من رجال الثورة.. أحدهما
هو "روبيسير" والاخر هو "دانتون".. وقد تم التشهير بهما وإرسالهما للمقصلة
هما أيضًا بدون الدخول في تفاصيل.. ولكن الفيلم أظهر لك أحدهما وهو
"روبيسير" وهو يخطب ذات يوم أمام الشعب قائلًا :

"إني لا أجرؤ على تسميتهم هنا.. وفي هذا الوقت.. كما أنني لا أستطيع تمزيق
الحجاب الذي يغطي هذا اللغز منذ أجيال سحيقة "
وفي طريق "روبيسير" إلى المقصلة أصابه أحدهم بطلقة في فكه.. وهكذا
سقطت ورقة أخرى لعب بها اليهود وانتهى دورها.. وفي نهاية هذه الثورة
أظهر لك الفيلم باكورتها.. هاهم اليهود يمدون يد العون بالقروض إلى فرنسا
للخروج من أزمتها الاقتصادية.. واشترطوا أن يكتبوا هم اتفاقية القرض.. وكان
من الشروط وضع السيد "نيكر" وزيرا للمالية الفرنسية لأنه رجل بارع وقادر على
انتشال فرنسا من الأزمة خلال وقت لا يذكر.
وفي النهاية أظهر لك الفيلم شاشة سوداء كتب فيها. .
"هذا ولقد تسبب نيكر في أن تصل ديون دولة فرنسا لليهود المرابين حوالي
170 مليون ليرة"
تـمَّت
****

ملكة جروح 12-21-2020 05:14 PM

صفقوا لليهود.. وصفقوا للأفعى "سيربنت" الشيطان الذي ينظر إليَّ الآن ومعه
ستة شياطين آخرين.. صفقوا لهم جميعًا.. الثورة الإنجليزية وركوب الحمار
الإنجليزي.. ثم الثورة الفرنسية وركوب الحمار الفرنسي.. ثم الثورة الأمريكية
وركوب الحمار الأمريكي.. ثم الثورة الإسبانية وركوب الحمار الإسباني.. ثم
الثورة الروسية وركوب الحمار الروسي.. وغيرها وغيرها.. ولو أردت أن أحكي
لك كيف سقطت ملكيات أوروبا جميعًا لملأت كتابين غير هذا الكتاب الذي بين
يديك.. على أية حال لا تتعجل.. يكفيني حاليًا أن تعرف أن الماسونية هي التي
أشعلت ثورات أوروبا كلها.. ولقد ذكر لنا "سيربنت" مثالين هما الأهم.
إن "روتشيلد" وأولاد "روتشيلد" وأحفاد "روتشيلد هم أغنى أغنياء العالم حتى
هذه اللحظة.. وهي العائلة التي تملك حاليًا نصف ثروة العالم.. ويملكون "البنك
الدولي".. وهو البنك الذي للتوجد دولة حاليًا إلا وهي مقترضة منه ماليين لا
حصر لها.. ولذلك فيمكنهم التحكم بكل دول العالم حتى أمريكا.. هو البنك
الآمر الناهي لكل بنوك العالم بلا استثناء.. أي أنهم فوق الدول.. هذه حقيقة
يسهل التأكد منها ببحثٍ سريعٍ على الإنترنت.. وهناك عائلة أخرى في أمريكا
هي "روكيفيلر".. وهاتين العائلتين تربطهما علاقات مصاهرة كثيرة وعالقات
عمل.
وحتى أبسّطها لك تخيَّل هرمًا.. ونحن الشعب في أسفل الهرم. . فوقنا مباشرة
الحكومات التي تتحكم بنا بلا حول منا ولا قوة.. فوق الحكومات نجد الشركات
العظمى أمثال مايكروسوفت وسوني وغيرها ممن يتحكمون باقتصاد تلك
الحكومات.. فوق الشركات العظمى نجد البنوك الكبيرة المسيطرة على رؤوس
الأموال.. ثم فوق البنوك الكبيرة نجد البنوك المركزية مثل البنك الفيدرالي
الأمريكي الاحتياطي.. في قمة الهرم المصدر ارأصلي لكل أموال العالم وهو
بنك التسويات الدولية وهو الموجِّه الحقيقي لكل تلك بنوك العالم ويراقب عملها

وهذا البنك الأخير هو ملك لعائلة "روتشيلد" وشركائهم.. وهو المحرك
الحقيقي للدول من وراء الستار.
أشعر في عينيك بعدم تصديق لكلامي.. هل يعقل أن الماسونية هي التي دبَّرت
كل هذا؟ نعم يعقل.. هل تريد أن ترى دليلًا ملموسًا؟ إذن تعالَ معي إلى الغابة
البوهيمية.. هيَّا نعم أنا لا أمزح.. تعالَ إلى الغابة البوهيمية.. غابة في شمال
كاليفورنيا.. يلتقي فيها كل سنة نخبة الولايات المتحدة األمريكية في اجتماع
كبير.. الرئيس الأمريكي والوزراء وكبار رجال المال والأعمال والسياسيون وكبار
رجال الجيش والإعلاميون وحتى رجال الجامعات.. الذين وصلوا في الماسونية إلى
درجات متقدمة جدًّا.. وهو اجتماع سري لا يسمح للصحافة بأن تنفذ إليه أبدًا تحت
أي ظرفٍ من الظروف.. وما يقال للعامة إنه اجتماع لمدة أسبوعين يرفه فيه
هؤلاء الكبار عن أنفسهم ويستجمون وينسون قليلًا همومهم الضخمة
ومسؤولياتهم.. فقط لمدة أسبوعين في السنة.
تقام في هذا التجمع عروض مسرحية سرية واستعراضات وهكذا.. وذات يوم
من الأيام نجح صحفي أمريكي في التسلل إلى داخل الغابة البوهيمية وتصوير
ما يحدث بالداخل بالصوت والصورة.. صحفي يدعى "أليكس جونز".. وكان ما
صوره عجيبًا.. فضيحة عالمية هزت أرجاء الولايات المتحدة األمريكية كلها.
كان ما صوره بكاميرا الفيديو خاصته هو الطقس الرئيسي الذي يقام على
المسرح الرئيسي في تلك الغابة البوهيمية.. طقس عبادة لأحد األصنام..
فالحقيقة أن كبار رجال الدولة كانوا يعبدون صنمًا في عصر يُفترض أن انقرضت
فيه عبادة الأصنام.. ولولا المبالغة لقلت أن هناك تشابُهًا مريعًا بين الفيديو
المعروض وبين ماكان يصنعه البابليون قديمًا من عبادة الأصنام.. أو حتى ما كان
يصنعه كفار قريش العرب.
ومن يرى الفيديو لأول مرة سيرد على ذهنه أنها مسرحية إغريقية.. فأنت ترى
أناسًا بملابس احتفالية يؤدون مشهدًا مسرحيًّا ما.. يقفون على مسرح حجري

مقام على بحيرة صغيرة.. هذا ما تراه في الوهلة الأولى.. ثم تفطن إلى أن هناك
تمثالًا كبيرًا أسود لبومة ضخمة بشعة.. والممثلون في العرض يتوزعون حول
البومة يحملون مشاعل في أياديهم ويبدون أقزامًا بجانب ضخامتها.. ثم تسمع
صوتًا يتحدث بلهجة ساحر يؤدي طقسًا ما.. رأى المشاهدين على كل الشاشات
هذا المشهد بصوت واضح جدًّا لكن لم يفهم أحد شيئًا.. وكما تعرف. . أنا هنا
لأجعلك تفهم.. سأنقل لك مقاطع من تلك الطقوس وليس كلها لأن فيها
الكثير من الثرثرة الفارغة.. وسأوقف الفيديو كل حين لأشرح لك.. تابع معي. .
في البداية يقول المتحدث بصوته المسرحي. .
" السيد البومة في معبده المصنوع من أوراق الشجر.. الكل في هذه الغابة
يوقره.. ارفعي رؤوسك أيتها األشجار الكبيرة.. وارفعي قممك أيتها الأعشاب
الصغيرة.. انتبهوا فهاهو ضريح بوهيميا المقدَّس.. ومقدسة هي الأعمدة التي
تحمل بيته"
إذن فهناك بومة مقدسة.. ولها معبد.. وكل الحاضرين في هذه الغابة من رجال
الدولة يوقرونها.. وهناك أيضًا ضريح مقدَّس.. والضريح هو القبر الذي له شأن
ما.. مثل مقام أو مزار.. قال الصحفي الذي صوَّر المقطع إن هذه طقوس عبادة
أوثان.. وأن الوثن المعبود هنا هو اإلله البابلي القديم "مولوك".. لكن هذا ليس
صحيحًا.. فمولوك هذا تيس وليس بومة.. ولم يتحول إلى بومة في أي حضارة
من الحضارات.. الحقيقة أن هؤلاء في طقوسهم هذه إنما كانوا ولازالوا
يعبدون الشيطانة "ليليث".. والتي ترمز لها كل الحضارات برمز البومة.. يعبدونها
لأنها رمز التمرد.. ولقد أصبحت رمزًا للتمرد لأنه وحسب كلام التلمود اليهودي
كانت الشيطانة "ليليث" هي زوجة "أدم" قبل أن يخلق الله "حواء".. ولكن "ليليث"
مخلوقة خلقًا مستقلًّا مثل "آدم".. أما "حواء" فمخلوقة من ضلع "آدم".. ولما
حاول "آدم" أن يتحكم بـ "ليليث" تمردت عليه.. ولما تمردت عليه لعنها الله
ومسخها إلى بومة.. فهي بالنسبة لهؤلاء المجتمعين من نخبة الولايات المتحدة

تعني التمرد على كل القيود والأديان والعقائد وكل شيء.. فـ "ليليث" بالنسبة
لهم مقدسة.. والله هو الذي لعنها لأنه شيء شرير.. يكره البشر ولا يريد لهم
الخير.
"الذكريات تعيد أسماء محبوبة لأصدقاء رائعين.. عرفوا هذه الغابة وأحبّوها..
أعزائي رفاق الزمان القديم.. نعم فلندعهم ينضمون لنا في هذه الطقوس.. ولا
تكون بيننا مساحات فارغة.. احضروا إلى حكايتنا.. هيَّا اجتمعوا يا رفاق الغابة..
وألقوا بتعاويذكم على هؤلاء البشريين.. لامسوا أعينهم العمياء على العالم
بعنايتكم.. افتحوا أعينهم على أوهامهم.. اتبعوا ذكريات األمس"
هنا ينادون أعزاءهم الشياطين.. أصدقاءهم منذ فجر التاريخ.. لينضموا إليهم
وينقذونهم من طريق الضلال والعمى إلى طريق النور.. وفجأة ترى قاربًا يتحرك
في البحيرة ويرسو على المسرح الحجري.. ويُخرِج منه أحد الواقفين شيئًا ملفوفًا
برداء أسود.. ثم يقول المتحدث..
"هذا القربان الشرير وكل أعماله.. كتم أحلامنا.. وكما أبيدت بابل.. البد أن تتم
إبادته هو أيضًا.. كما جعل الطحالب تنمو على أحجار بابل المتكسرة"
القربان الشرير هنا هو الشيء الذي دمر مدينة بابل.. أول أرض تحالف فيها
الإنس والجن الشياطين.. الشيء الذي دمَّر هذا التحالف وحارب السحر.. وهذا
الشيء بالطبع هو الله.
"أيها البوهيميون والكهنة.. نداؤكم اليائس الذي ناديتموه بقلوبكم المثقلة قد
تمت إجابته.. وبقوة رفاق الزمن القديم.. هذا القربان ستتم إبادته.. وهاقد
أحضرنا جسده إلى المحرقة الجنائزية.. ولتغني الجنازة السعيدة.. فمحرقتنا
الجنائزية تنتظر جثة القربان.. أنت يامن عبرتَ به إلى الميناء.. هذا القربان عدو
لدود للجمال.. وليس لأمثاله الغفران ولا الراحة في القبر.. النار النار ستحقق كل
رغباتكم"

ملكة جروح 12-21-2020 05:17 PM

يبدو أن البومة المقدَّسة "ليليث" قد استجابت دعواتهم وأرسلت الشياطين رفاق
الزمن القديم ليحرقوا الله.. ثم تلاحظ أنهم قد أوقدوا نارًا..
"أحضَروا النار.. أغبياء.. أغبياء.. أغبياء.. متى ستتعلمون.. أنه لا يمكنكم ذبحي..
سنة بعد سنة وأنتم تحرقونني في هذه الغابة.. وتوصلون صيحاتكم المنتصرة
إلى النجوم.. وعندما تحولون وجوهكم خارج هذه الغابة.. هل تجدونني منتظرًا
كما السابق؟ أغبياء.. أغبياء.. أغبياء إن ظننتم أنكم قتلتموني"
هذا هو الله يتحدث ويتحداهم ويقول إنه لا يمكنهم قتله.. لأنهم كلما
يحرقونه كل سنة يعود من جديد. .
"قل أيتها الروح الساخرة.. ليس كل هذا حلم.. نحن نعلم أنك تنتظرنا.. بعد أن
تنتهي هذه الإجازة في الغابة.. وسنواجهك وسنقاتلك مثل العادة القديمة..
والبعض منا سينتصر عليك.. والبعض ستنجح في تدميره.. والآن دعنا نحرقك مرة
أخرى في هذه الليلة.. ومع تلك النيران التي تلتهم روحك.. سنقرأ اللافتة..
الصيف يحررنا"
وهم يتحدون الله.. ولافتة الصيف يحررنا هو رمز للغاية من اجتماعهم في هذه
الغابة كل صيف.. أن يتحرروا من الله..
أنتم ستحرقونني مرة أخرى.. ولكن ليس بهذه النيران.. التي أحضرتموها
هاهنا.. فمن الأراضي التي أسودها.. يا أيها الأغبياء والكهنة.. سأتفل على
ناركم"
لازال الله يتحداهم..
"يا أيتها البومة.. أميرة كل الحكمة البشرية.. بومة البوهيميا.. نحن نلتمس
منك.. أن تؤتينا حكمتك"

"لا نار.. لا نار.. لا نار.. لا نار في هذه الغابة.. بل دعيها تكون في العالم.. حيث
يتغذى هذا القربان الشرير.. على كراهية الإنسان.. اطرديه خارج هذه الغابة..
شعلة واحدة يجب أن تشعل النار.. شعلة واحدة يجب أن تشعل النار.. شعلة
صافية خالدة.. عبر نور التحالف العظيم.. في مذبح بوهيميًّا"
يلتمسون من البومة المقدسة "ليليث" أن تخلصهم من الله الذي يتحداهم..
"يا بومة البوهيميا العظيمة.. نحن نشكرك على هذه المناشدة.. اذهب أيها
القربان البغيض.. اذهب.. ومرة أخرى نحن نبعده.. اذهب أيها القربان.. النار
ستحمل رغباتهم.. اذهب أيها القربان.. يا نيران التحالف الخالدة.. مرة أخرى
الصيف يحررنا"
وهنا حرقت النار القربان الشرير وهو الله في زعمهم.. وتخلصوا منه لمدة
أسبوعين هي مدة إقامتهم في تلك الغابة.. تعالى الله عن كل هذا علوًّا كبيرًا..
سبحانه خالق السماء وخالق الأرض وخالق النار.. خالق الجن وخالق الإنس.. ليس
كمثله شيء.. استغفره وأتوب إليه ألف مرة لو تجرأت حروفي على كتابة أحاديث
أهل الخسة.. واسمح لي أن أوقف الحديث في هذا الأمر ولنكمل ما بدأناه.. لأنه
لم يبقَ لي في هذه الدنيا كثير.. ولو كنت لا تصدقني اذهب وابحث عن صور
"جورج بوش" وأبوه و"رونالد ريغان" و"ريتشارد نيكسون في تلك الغابة..
وبعضهم كان يذهب إليها قبل حتى أن يصير رئيسًا.. واذهب وابحث عن منظمة
"الجمجمة والعظام" التي هي فرع الإيلوميناتي في أمريكا.. وإلى مقابلة "جورج
بوش" في التليفزيون لما كان مرشحًا للرئاسة والمذيع يسأله هل أنت عضو في
منظمة الجمجمة والعظام فأجاب: هذه منظمة سرية ولا أستطيع التحدث عن
ذلك ونفس الإجابة بالضبط أجابها منافسه "جون كيري" في نفس البرنامج على
نفس السؤال بنفس الضحكة اللزجة.
وشاهد المقطع الذي تم تصويره سرًّا لما يحدث داخل محافل منظمة الجمجمة
والعظام وهي تحديدًا طقوس الانضمام حيث هناك امرأة تصرخ صراخًا مؤلمًا

جدًّا يتداخل مع الهمس.. صرخات من النوع الذي كانت تصرخه "إيميلي روز"..
المقطع صوره رجل يدعى "رون روزينبام"
إنه دين رائع دين أولئك الذين يعبدون الحقير "لوسيفر".. دين لا يدعوك للتقشف
والرضا وكل هذه الأمور التي امتلأت القبور بالذين يصدقونها.. هذا دين يقدم
لك الكاش.. المستقبل.. النساء.. الشهرة لو أردت.. الطاعة لو أردت.. يقدم لك
كل شيء كالعصا السحرية.. وهو مثله مثل أي دين آخر.. لابد أن تطيع فيه ربك
الذي تعبده.. تطيعه طاعة عمياء.. فلو أطعته حصلت على النعيم المقيم وليس
الوعد المزيف بالنعيم المقيم.. ذلك الوعد الذي لا يمكنك الوثوق به.. بل النعيم
المقيم منذ اللحظة التي تخرج فيها من هذا المكان.. ولو أنك عصيت سيكون
هناك جحيم.. جحيم محسوس أيضًا سريع جدًّا.. ولهذا يسمى المؤمن بالله
مؤمنًا لأنه مؤمن بشيء لم يره ولم يحسه لكنه مؤمن به.
فلنر ماذا لدينا من أوراق هذه المرة.. ثالث عشرة ورقة..
الورقة الأولى هي ورقة زعماء صهيون وعليها صورة شيوخ يهود كما تبدو
من شعورهم وسوالفهم الطويلة يرتدون بذلات ويضعون على أكتافهم أزارًا
بنيًّا غريبًا..
الورقة الثانية هي ورقة قنوات التلفزيون.. وعليها صورة رجل يشاهد أكثر من
عشر شاشات تعرض كل واحدة منها شيئًا مختلفًا..
الورقة الثالثة هي ورقة تأثير الإعالم وعليها صورة رجال كثيرين متجمهرين
أمام شاشة تلفزيون كبيرة يشيرون إليها وهي تعرض ما يبدو وكأنه مذيع
أخبار..
الورقة الرابعة هي ورقة تأثير التلفزيون على المشاهدين وتبدو فيها صورة
تلفزيون ورجل وامرأة يشاهدانه مسحورين..

ملكة جروح 12-21-2020 05:21 PM

الورقة الخامسة هي ورقة تقييد حرية الإعالم.. وعليها صورة رجل يبدو إعلاميًّا
مكمم فمه بكلمة Censored حمراء كبيرة..
الورقة السادسة هي ورقة اندماج البنوك.. وعليها خمسة أسماك بأحجام
مختلفة يأكل الكبير منها الصغير.. وكلهم تأكلهم سمكة كبيرة بشعة
متوحشة..
الورقة السابعة هي ورقة الديمقراطية وعليها صورة رجل أسود وبنت صينية
يعبدون نفس الرب الماثل أمامهم وهو عجل ذهبي..
الورقة الثامنة هي وقة الفضيحة وعليها صورة رجلين على مكتب يفعلان أمرًا
يبدو مريبًا منذ قلق وجوههم والصورة تبدو وكأنها من داخل كاميرا تصورهم
لوجود كلمة REC عليها في زاوية الشاشة..
الورقة التاسعة والعاشرة هما ورقتان لنفس الشيء وهو الانتخابات النزيهة..
وتبدو على أحدهما صورة فتاة سعيدة ترتدي عَلم أمريكا.. وتبدو على أخرى
صورة لنفس الفتاة ترتدي نفس العلم لكن بوضعية أخرى..
الورقة الحادية عشرة هي ورقة التأثير الخفي وراء القضاء.. وعليها صورة
قاضٍ يضرب بمطرقته ووراءه ستار أحمر يبدو في منتصفه ظِل رجل يرتدي
قبعة..
الورقة الثانية عشرة هي ورقة الفضيحة الجنسية وعليها رجل وامرأة على
السرير وهناك من فاجأهما والتقط لهما صورة فيبدو في الصورة مذعورين
يرفعان بأيديهما في وجه الكاميرا..
الورقة الأخيرة هي ورقة حرق الأدلة وعليها أوراق تبدو مهمة يتم حرقها..
الحكاية القادمة في الواقع ليست حكاية.. إنما هي محاضرة.. حضر فيها 300

من أغنى رجال صهيون.. من وصلوا للدرجة الثالثة والثلاثين في الماسونية.. كبار

رجال السبط اليهودي الثالث عشر.. كان هذا بعد الثورة الفرنسية وقبل اندلاع
الثورة الروسية.
المحاضر فيها يدعى "تيودور هرتزل".. وهي المحاضرة التي اشتهرت
بتسجيلها في كتاب يعد أخطر الكتب على الإطلاق.. كتاب سمي "بروتوكولات
حكماء صهيون".. وهي محاضرة طويلة جدًّا عُقدت على ثلاثة أيام متتالية.. وقد
اختصرتها لأجلك.. فحذفت منها كل الثرثرة التي لا طائل منها.. وأبقيت لك
فقط الكلام المهم.. لأني أعرف أنك تكره الثرثرة.
أما الآن.. فلنذهب معًا إلى مدينة "بال" في سويسرا.. إلى أحد المحافل الماسونية
الكبيرة هناك حيث عُقدت هذه المحاضرة.. ولنجلس وسط هؤلاء الكبار
ونستمع إلى "هرتزل" وهو يتحدث إليهم.. لكن أود أن أنصحك نصيحة.. ربما
ستجد الكلام صعبًا نوعًا ما.. فعليك أن تركز في كل مقطع تركيزًا شديدًا حتى
تستوعبه جيدًا.. ولتجد أن الكلام قريبًا جدًّا مما يحدث في دولتك.. ولو كنت تعيش
في أقصى الأرض..
***

ياحكماء صهيون..
1900 بعد الميلاد

اليوم الأول
ياحكماء صهيون.. يا صفوة الأرض.. يا ملوك الذهب.. لقد كان حقا على الله
أن يختاركم شعبا.. لقد اصطفاكم من بين شعوب العالم البهيمية الفاسدة
(الغوييم) لتؤسسوا مملكته العظيمة على الأرض.. وها نحن نلتقي اليوم في
هذا المحفل.. وغدًا وبعد غد.. وستكون هناك اجتماعات أخرى فيما سيأتي من
السنين.. نحن هنا اليوم لنتحدث في أمر خطتنا الاستراتيجية العظيمة الكاملة التي
بدأها أسلافنا.. وسلمها أسلافنا ألسلافنا.. ثم سلمها أسلافنا إلينا.. وكان حقًّا
علينا أن نسلمها نحن لمن سيأتي بعدنا.. ولو انحرفنا عنها حطمنا عمل قرون
طويلة.. فالحذر كل الحذر يا بني إسرائيل.
أنتم تعلمون جيدًا أصول الخطة القديمة.. تعلمون كل الأعمال الجليلة التي
قدمها لشعبنا الملاك الساقط "بافوميت".. والخدمات العظيمة التي أداها في
خريطة العالم التاريخية الملاك الساقط الجليل "سيربنت".. لا داعي للخوض في
تفاصيل تاريخية نحفظها جميعًا عن ظهر قلب.. يا حكماء صهيون.. لقد حان
دورنا في هذه الحكاية العظيمة.. لقد آن الأوان الذي ننفض فيه عن أكتافنا كل
ما علق بها ونتحرك.. ونحرك العالم كله إلى الناحية التي نريد.
إن أعظم طريقة يمكنك أن تحطم بها مبادىء أي جيل.. سواء الدينية أو
الاجتماعية.. ليس بنقض هذه المبادىء أو تغييرها.. ولكن بتحريفها عن
مواضعها ووضع تفسيرات لها لم يقصدها واضعوها.. ولذلك حالفنا الحظ
ببركة الأفعى "سيربنت" بتغيير مباديء المسيحية لتصير شيئًا آخر تمامًا غير ما
أُريدَ لها أن تكون.. وكذلك الإسلام الشيعي المشوه الذي تمكنا من السير به
إلى طريق آخر تمامًا يعارض إسلام محمد.. بل ويحاربه.. بل ويستعين على حربه
بأعدائه.. وهذه هي العبقرية اليهودية بعينها.
قد نعرض في هذه الخطة بعض الأمور الغير أخلاقية والتي نحن مأمورون بالقيام
بها.. لكن تذكروا دائمًا.. إن هذه الأمور كلها تصير أخلاقية تمامًا بالنسبة

لشعب مثل شعبنا.. شعب مضطهد مُهاجَم داخليًا وخارجيًا.. واعلموا أنه في هذا
الزمن الذي أتى على بني الإنسان .. الشر هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الخير.
إن قوتنا أعظم من أي قوة أخرى.. لأنها ستظل مستورة حتى اللحظة التي تبلغ
فيها مبلغًا لا تستطيع معه أن تسعها أي قوة عظمى ولا أي خطة ماكرة.. حقًّا
القوة الخفية هي أكبر قوة.. فمن ذا الذي يقدر أن يخلع قوة خفية عن عرشها..
نعم يا بني صهيون.. فبرغم أننا شعب مشتت.. إلا أن تشتتنا هذا هو سر قوتنا..
لأنه سمح لنا أن نتسلل إلى كيانات كل شعوب العالم وونصعد فيها إلى أشد
مراكزها حساسية.. وبهذا صار أمر أقوى شعوب العالم بين إصبعين من أصابعنا
نوجههم أينما نشاء.. ولقد حانت لحظة التوجيه يابني إسرائيل وانتهت مرحلة
التسلل.
لقد تمكّنا من إشعال نار الثورة الفرنسية.. نحن من نادى أول مرة وقال "حرية..
إخاء.. مساواة".. كلمات كلما رددها الناس كلما فشلوا أكثر وتقيدت حرياتهم
أكثر.. إن هناك كلمة نتنة تقال دائمًا.. ديمقراطية.. لا شيء يدعى ديمقراطية أو
تحرُّرًا وما إلى ذلك.. كل هذا وهم.. نحن الوحيدين الذين نعرف أنه وهم.. ونحن
الوحيدين الذين نعرف متى نسخر هذا الوهم ليكون طُعمًا لجذب الناس إلى
صفنا.. سنشرح لاحقًا حقيقة هذا الوهم شرحًا وافيًا.. لكن مبدئيًّا.. اعلموا أن
كل الناس غوغاء مفترسون عميان يحتاجون إلى القوة لتكبح جماحهم.. وهذه
القوة تأتي في الديكتاتورية الاستبدادية وحدها.. أو الديمقراطية متنكرة في
هيئة شيء يدعى القانون.. والكل يخضع له.
الديمقراطية تعني الفوضى.. كيف يمكن أن تثق في أحكام الغوغاء الذين
يجعجعون بمناقشات ومجادلات.. مع أنه يمكن مناقضة مثل هذه المناقشات
بمجادلات ومناقشات أخرى خبيثة لكنها مقنّعة بقناع عالٍ من الإغراء.. والجدال
مفيد لأنه يحول الأمور من سعي لمعرفة الحق إلى سعي للجدال نفسه.. إن
الجمهور الغر الغبي ينغمس دائمًا في هذه المناقشات بطريقة تعوق كل

ملكة جروح 12-21-2020 05:24 PM

إمكان لالتفاق ولو على المناقشات الصحيحة.. فإن اتفقوا على رأي أغلبية يكون
رأيًا مشبعًا بالجهل بالأسرار السياسية.. وهذا ما يبذر بذور الفوضى في
الحكومة عندما تقول إنها ديمقراطية.. ولهذا فقد قدمناها إلى حكومات
الغوييم البهائم على أنها أرقى أنواع الفكر الإنساني.
ولو تفكر أصحاب الديمقراطية والجمهورية قليلًا لوجدوا أن الشعوب الآن
تتحمل من وزرائها ورؤسائها إساءات لو حدثت في الماضي كانوا سيقتلون من
أجلها عشرين ملكًا.. لكنهم لل يقرأون التاريخ ولا يحبونه.
الاستبداد وحده هو الذي يقيم الحضارة.. فهل يمكن لخطة مجزأة عدد أجزائها
بعدد العقول التي صنعتها أن تقيم حضارة؟ محال طبعًا.. فالغالب أنها تكون
حضارة هشة ضائعة القيمة.. فالجمهور بطبعه بربري.. وفور أن تعطيهم شيئًا
من الحرية فهم يمسخونها إلى فوضى.. القوي يحكم دائمًا والضعيف يخضع
دائمًا.. لهذا ينجح الأب في تربية ابنه الصغير.. ويفشل في تربية ابنه الكبير..
ولذلك في حكومتنا يجب أن نكون صارمين جدًّا في كبح كل تمرد.. أما الكلمات
الجوفاء والتربيت على الرؤوس وهذه الترهات كلها يجب أن تكون من خصال
حكومات الغوييم.
الحقيقة التي يفرضها علينا هذا الزمان هي الاستبداد.. قل لي ما نوع الحكومة
التي يمكنها أن تحكم مجتمعًا تفشَّت فيه الرشوة والفساد حتى ذبلت أوراقه
وتساقطت.. قد تقول لي إن حكومة الاستبداد هذه قد ولَّى زمانها ولم تعد
تصلح للعصر الحديث.. لكنني سأبرهن لك أن العكس هو الصحيح.. لما كان
الناس ينظرون إلى ملوكهم نظرة من معهم إرادة من إرادة الله.. كانوا
يخضعون في هدوء لاستبداد ملوكهم.. لكن لما أوحينا لهم بفكرة الحقوق
والمساواة وما إلى ذلك بدأوا في النظر إلى الملوك نظرتهم إلى أبناء الفناء
العاديين وسقطت عنهم المسحة المقدسة.. وبهذا لن يقبلوا منهم استبدادًا ولا
حتى نصف استبداد.

إن السياسية لا تتفق مع الأخلاق في شيء.. والحاكم الملتزم بالأخلاق ليس
بسياسيٍّ بارعٍ.. وهو لذلك غير راسخ على عرشه.. لابد لطلاب الحكم من اللإتجاء
للرياء والنفاق والمكر.. الإخلاص والنبل والأمانة تصير رذائل في السياسة.. وهي
تساهم في زعزعة العرش بأكثر مما يساهم ألد الخصام.
وإني أود أن أحدثكم في أمرٍ هام.. كيف يمكن أن تستعبد دولة كبيرة مثل
روسيا.. في البداية قم بتوسيع الفجوة مابين الحكومة الغبية والشعب الغوغاء
العميان.. وزد من كراهية كل طرف للطرف الآخر.. فكلما زدت من كراهية
الشعب في نفوس حكومته الغبية .. ستقوم بإساءة استغلال قوتها الغاشمة
وتكسر قوانين الديمقراطية العفنة.. وكلما زدت من كراهية الحكومة في
نفوس شعبها سيبدأ في التمرد على القوانين العفنة التي وضعتها حكومته ثم
كسرتها.
وإن أي دولة تنتكس فيها هيبة القانون وتصير شخصية الحاكم فيها عقيمة
بتراء.. هنا يمكننك أن تتخذ خطًّا هجوميًّا وتقوم بثورة أو انقلاب تحطم فيه كل
القواعد والنظم القائمة.. وتمسك بالقوانين فتلقيها في أقرب قمامة وتعيد
تنظيم الهيئات جميعًا.. وبذلك تصير ديكتاتورًا على حكومة تخلصت بمحض
إرادتها عن قوتها وأنعمت بها عليك.
وعندما تقع الدولة بعد ذلك في قبضتنا.. ولأننا نحن اليهود مالكوا الذهب
الوحيدون في العالم.. سنقدم لهذه الدولة عودًا تتعلق به.. وهذا العود هو
المال.. فإن تعلقت به أصبحت عبدة لنا.. وإن لم تتعلق به غرقت إلى الأبد.. إن
الذهب هو المحرك الأول لعجلة أي دولة.. وطالما نمتلكه ونحتكره فيمكننا شل
حركة أي دولة في أي وقت نريد.
نحن اليهود وحدنا من نملك الاقتصاد.. علم الاقتصاد هو مملكتنا.. إننا محاطون
بجيش كامل من الاقتصاديين.. وأغلبهم حاضرين معنا اليوم.. أنتم أقوى سلاح
من أسلحتنا سواء كنتم رؤساء بنوك أو أصحاب صناعات أو أصحاب ملايين.

نحن إذا صارت دولة من الدول في قبضتنا فسنعهد بالمناصب الحكومية الرئاسية
أو الوزارية فيها إلى القوم الذين ساءت صحائفهم ولديهم في تاريخهم نقاط
سوداء يخفونها دائمًا.. فإذا عصوا أمرنا توقعوا المحاكمة أو السجن.. وبهذا
فسيدافعون عن مصالحنا حتى النفَس الأخير الذي تنفث به صدورهم.. وأحيانًا
لابد أن تظهر الحكومة بمظهر المعارضة لنا.. لكنها في حقيقة أفعالها
موالية لنا ولمصلحتنا قلبًا وقالبًا.
ولكننا نخشى أكثر ما نخشى في هذه الدول أن تتحالف قوة الحكام مع قوة
الرعاع العميان.. لكننا أخذنا كل احتياطاتنا لضمان عدم وقوع هذا.. فقد أقمنا
بينهما سدًّا قوامه الرعب الذي تحسه كل واحدة منهما من الأخرى.. وحتى
نضمن بقاء هذا السد لابد أن نكون متصلين بكل الطوائف.. ليس بصورة مباشرة
طبعًا ولكن عبر أكثر عملائنا إخلاصًا.. وهؤلاء هم من يخاطبون الرعاع
ويوجهونهم أينما نراه نحن مناسبًا.
ولتسهيل تنفيذ كل هذه المخططات للبد أن يكون لنا وكلاء دوليين لديهم
ماليين العيون ووسائل غير محدودة على الإطلاق.. وهؤلاء يوجهون الحكومات..
أما الشعب فلا يوجد أسهل من توجيهه.. وتوجيهه يكون بكلمة واحدة
سأفصل في أمرها لاحقا.. الصحافة.. وهي السلاح الذي لا يدري الغوييم كيف
يستخدمونه.. ونحن سنلعب به دائما من وراء الستار.. وهو الشيء الذي يوجه
الناس للاتجاه الذي نريده تماما.
من الالزم أن نضع في كل المجتمعات هيئات نصبغها بصبغة تحررية لها خطباء
مفوهون يسحرون العامة بالكلام البليغ.. وهو مجرد كلام بدون أفعال حقيقية..
لكنه يسحرهم ويصدقونه في يأسٍ أملًا في تغيير الحال.. في نفس الوقت
سنزيد المرتبات ونزيد الأسعار في ذات الوقت.. فنرهق أصحاب الأعمال برفع
المرتبات.. ونرهق العمال برفع الأسعار فلا يستفيد أحدٌ شيئًا إلا مزيدًا من
الإرهاق.

بالنسبة للحكومات فسنختار لها رؤساء إداريين ووزراء ممن لهم ميول العبيد..
ليخضعوا لسلطة مستشارينا الحكماء الذين تدربوا على السياسة منذ كانوا
أطفالًا.
سنبدأ بروسيا ثم سندور مع دوران الأفعى "سيربنت" في أوروبا حتى تصير أوروبا
مغلولة بأغلال لا تنكسر.. ثم ستكون مرحلة في غاية الحساسية والخطورة..
الإمبراطورية العثمانية الكبيرة.. سينزل إليها "سيربنت" وسننزل معه.. ولن نهدأ
حتى نهلكها هلاكًا لا قيام بعده.. ثم سيختتم "سيربنت" دورته ليهبط في
أورشليم.. وسنهبط معه.. وهناك ستكون دولتنا.. هناك سينتهي شتاتنا في
الأرض.
لما نستقر في دولتنا.. سنكون قوة دولية عظيمة إذا هاجمتها إحدى الحكومات
قامت الأخرى بنصرتها.. عندها سيمكننا أن نبدأ في إعداد العالم كله لاستقبال
الملك "هاماشياح" الذي نعده لحكم العالم أجمع.
اليوم الثاني
يا عظماء صهيون وصفوة صفوتها.. لقد وصلت قوتنا اليوم إلى حدِّ أن أي
معاهدة تتم في العالم الحالي لابد أن تكون لنا يدٌ خفية فيها.. ولقد وصلت قوتنا
إلى حد أننا نحن الآن من نقرر العقوبات.. نعدم من نشاء ونعفو عمن نشاء.. ولم
نصل لهذا إلا ألن الله أعطانا عبقرية لم يعطها ألي شعب من شعوب الأرض.
اليوم هو اليوم الثاني وغدًا سيكون اليوم الأخير لهذا االجتماع التاريخي.. ويجب
أن يعرف الجميع أنه وبدون أن أنوّه.. لابد أن يظل كل ما يدور في هذا الإجتماع
طي الكتمان التام. رغم أن الغوييم بطبيعتهم ذوو عقول بهيمية محضة لا
يمكنهم ملاحظة أي شيء فضلًا عن التكهن أو تحليل أي شيء.. على النقيض
منا بالضبع.. فهذا الاختلاف في العقلية بيننا وبينهم يرينا لماذا اختارنا الله وأعطانا
طبيعة ممتازة فوق البشرية.. ولو ظهرت هذه العبقرية لغير اليهود فهي


الساعة الآن 06:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas

Security team